محطة الضبعة النووية وغياب التوافق المجتمعي

رغم مرور أكثر من 60 عاما على الحلم النووي المصري، الذي تكرر حلم إحيائه خلال فترات حكم الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك، ثم تعطل تنفيذه في كل مرة، فإن مشروع محطة توليد الكهرباء من خلال الطاقة النووية بمنطقة الضبعة المصرية، الذي وقع الرئيسان الروسي والمصري عقد اتفاق تنفيذه مؤخرا، لم يحظ بالتوافق المجتمعي لأسباب يعرضها كل من المؤيدين والمعارضين له.

= المعارضون: لسنا في حاجة لمحطة الضبعة باهظة التكاليف، فحاليا هناك طاقة كهربائية زائدة عن الاحتياج حوالي خمسة آلاف ميغاوات، وستزيد تلك الطاقات الفائضة الى 15 ألف ميغاوات في مايو/أيار من العام المقبل، بعد اكتمال المحطات الثلاث التي تنفذها شركة سيمنس الألمانية.

وهو الأمر الذي دفع وزارة الكهرباء المصرية للإعلان في ديسمبر/كانون الأول 2016، عن تأجيل جميع مشروعات إنتاج الكهرباء الحكومية بمناطق: ديروط ودمنهور والحمراوين وعتاقة والمحمودية وقنا، والتي كان مقررا تنفيذها بالخطة الخمسية 2017-2022 الى الخطة الخمسية التالية 2022 – 2017.

●● المؤيدون: لكن الطاقات الفائضة بعد اكتمال محطات سيمنس الثلاثة تكفي احتياجات مصر من الكهرباء إلى العام 2022، ومن هنا فسيكون هناك احتياج لإنتاج المحطة النووية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة بعد 2022 والتي تزيد بنسبة 7 % سنويا.

  المحطات الحرارية أقل تكلفة

= المعارضون: إن هناك 30 شركة لإنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية تسعى لتدبير المكون الأجنبي للتمويل لها، وحصلت بالفعل على موافقات من مؤسسة التمويل الدولية والحكومة البريطانية، وصندوق البنية التحتية التابع للبنك الأفريقي للتنمية.

والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والبنك الأوربي لإعادة الإعمار وبنك التنمية الهولندي وصندوق المناخ الأخضر، وبنك التنمية الإسلامي والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص.

كما أن هناك شركات أخرى لإنتاج الكهرباء من خلال طاقة الرياح تم الاتفاق معها، ومشروعات أخرى تم الاتفاق عليها لإنتاج الكهرباء من خلال الفحم وأخرى من خلال المخلفات، بخلاف مشروع الربط الكهربائي مع السعودية الذي تصل طاقته إلى ثلاثة آلاف ميغاوات وات، ومشروع آخر للربط مع لبنان وسوريا ودول أخرى بطاقة ألفى ميغاوات.

●● المؤيدون: لكن محطة الضبعة توفر تنويعا لمصادر الطاقة، خاصة وأن غالب محطات إنتاج الكهرباء الحالية بمصر تعتمد على الغاز الطبيعي والمازوت، وقد شهدت مصر استيراد كميات من الغاز الطبيعي بالأعوام الأخيرة، كما أن الطاقة النووية طاقة نظيفة وليست ملوثة للبيئة مثلما يحدث باستخدام المازوت والسولار لتشغيل محطات الكهرباء حاليا.

= المعارضون: لكن المحطات الحرارية أقل تكلفة كثيرا من المحطات النووية وأسرع في التنفيذ، فمحطة الضبعة التي من المقرر أن تنتج 4800 ميغاوات بتكلفة حوالي 30 مليار دولار وتنتهي عام 2028/2029، عند مقارنتها بمحطات شركة سيمنس الثلاثة التي ستنتج 14.4 ألف ميغاوات بتكلفة 6 مليار يورو وخلال عامين، يتضح أن محطة واحدة من محطات سيمنس تنتج قدر إنتاج المحطات النووية الأربعة، وبتكلفة 1.5 مليار يورو فقط.

ارتفاع مخاطر المحطات النووية

والأكثر أهمية من ذلك قلة مخاطر المحطات الحرارية أي التي تعتمد على الغاز الطبيعي أو المنتجات البترولية في تشغليها، بالمقارنة للمخاطر العالية التي تصاحب المحطات النووية، وها هو سجل الحوادث النووية يشير لحدوث تسرب إشعاعي بروسيا عام 1957، وتسرب إشعاعي في بريطانيا عام 1957 وتلف شديد بقلب مفاعل بنسلفانيا بالولايات المتحدة 1979.

وتسرب إشعاعي باليابان 1999 وتسرب إشعاعي داخل محطة ببريطانيا 2005، وزيادة الإشعاع عن الحدود المسموح بها بالأرجنتين 2006، وتسرب غازات سامة من مفاعل بوبال بالهند قتل ألفى شخص وأصاب أكثر من 150 ألف شخص عام 1984، وكارثة تشيرنوبل بكييف بأوكرانيا التي نتج عنها مقتل 31 شخصا 1986 وحريق بمفاعل نووي بإسبانيا 1989 وحوادث أخرى بجورجيا والبرازيل واليابان كان آخرها عام 2011.

وهو ما دعا دولا أوربية لتقليل الاعتماد على الطاقة النووية، كما أن أكثر الدول الأوربية تخلو من الطاقة النووية، رغم ما بها من تقدم، بينما تتعثر الحكومة المصرية في مواجهة مشكلة السيول على سبيل المثال كما حدث بالبحيرة والاسكندرية والبحر الأحمر وسيناء.

●● المؤيدون: محطات اليابان كانت قديمة ومن الجيل الأول، والأمر نفسه لمحطة تشرنوبل، بينما محطة الضبعة من الجيل الثالث الذي تقل أخطاره، ولا يتدخل العامل البشرى فيه، ثم إن حادث اليابان الأخير عام 2011 كان نتيجة زلازل وتسونامي أمواج بارتفاع عشرة أمتار، وهى صدفة غير متكررة اجتماع الزلزال مع تسونامي، بينما منطقة الضبعة بعيدة عن الزلازل.

= المعارضون: لم يرد عالميا أن الشركة الروسية المنفذة لمشروع الضبعة تنفذ محطات من الجيل الثالث، فما زلت مشروعاتها تتم وفقا للجيل الثاني من المفاعلات، ويظل السؤال لماذا لم يتم طرح مشروع الضبعة على الشركات الدولية لنختار من بينها ما يوفر لنا مزايا أكثر؟

ولماذا يتم اختيار الشركة الروسية دون غيرها بلا مناقصات ولا طرح دولي للمشروع؟ فمن الواضح أن السيسي يجامل بوتين الذي سانده منذ استيلائه على السلطة، ليقوي مركزه في الانتخابات الروسية في مارس المقبل.

استخدام أحادي لمحطة الضبعة                   

●● المؤيدون: ألم يكن الحلم النووي مطروحا منذ إنشاء عبد الناصر لجنة الطاقة الذرية عام 1955 وبدء مفاعل أنشاص بالعمل 1961، وإعلان السادات تجهيز المحطة النووية في سيدي كرير 1974، وإعلان مبارك  إقامة محطة نووية بالضبعة 2007.

 فهل ستأجلون الحلم النووي لسنوات أخرى، بينما إسرائيل لديها مشروعها النووي منذ سنوات طويلة، وها هي إيران قد دخلت المجال النووي وقبلها باكستان. وها هى الإمارات تنفذ محطات نووية منذ سنوات؟

= المعارضون: الأمر مختلف تماما فالحلم النووي يعنى أن يتم التنفيذ للمشروع من خلال الخبراء المصريين، وأن يتسع مجال الطاقة استخدام النووية إلى المجال الصناعي والزراعي والطبي وتحلية المياه إلى جانب إنتاج الكهرباء، وكل تلك الأمور غائبة بمشروع الضبعة، حيث سيكون تسليم مفتاح وتشغيله سيكون من خلال الخبراء الأجانب.

ومادة اليورانيوم المخصب سيتم استيرادها، ولن يتم استخدام مفاعلات الضبعة الأربعة سوى في إنتاج الكهرباء فقط وهو أمر له بدائل عديدة، ولم يتم تجهيز الكوادر اللازمة لتشغيل المحطة النووية بالضبعة، فالسيسي يتحكم بمقاليد الأمور منذ يوليو/تموز 2013 ولو كان يسعى لتحقيق الحلم النووي لجهز وأعد للمشروع من ذلك الحين، لكننا شاهدنا البرلمان يهرول قبل مجيء بوتين بأيام قليلة كي يقر قانون الجهاز المشرف على تنفيذ مشروع الضبعة.

والذي يحتاج لثلاثة أشهر لصدور لائحته التنفيذية، بينما يتم التوقيع على اتفاق تنفيذ مشروع الضبعة مع بوتين قبل أن يكتمل بناء الجهاز الجديد، ومن دون حوار مع الخبراء أو إتاحة التفاصيل للرأي العام، بينما نجد دولة مثل النمسا قد تعطل فيها تشغيل محطة نووية لسنوات رغم اكتمالها، ثم تم بها استفتاء على تشغيل تلك المحطة، فجاءت النتيجة بالرفض وهو ما عطل تشغيل المحطة تماما.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه