مجرد أسماء للتغطية على العجز والإفلاس

شعار جامعة الدول العربية

العرب بارعون في إطلاق التسميات، وهي غالباً أسماء فارغة بلا معنى حقيقي، أسماء فخيمة هدفها التغطية على حالات العجز، والإفلاس السياسي، وغير السياسي.

بعد أيام ستحتفل أمريكا بنقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة، وإسرائيل تعتبر ذلك انتصاراً كبيراً لها طال انتظاره 23 عاماً حينما قرر الكونغرس عام 1995 الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، ونقل السفارة إليها، وكان يتم إرجاء تنفيذ القرار من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض حتى جاء ترمب ليطيح بالعرف الذي توافق عليه كل من سبقوه، وفي مقابل الخطوة الأمريكية العملية لصالح إسرائيل كان العرب يواجهونها بإطلاق تسمية “قمة القدس” على القمة الأخيرة لهم في الرياض!

بماذا أفادت التسمية بعد مرور ما يقرب من شهر على هذه القمة؟ وما هو محل هذه التسمية، وغيرها، من الإعراب الفعلي أمام القرار الأمريكي؟ لا شيء إطلاقاً. مجرد اسم آخر لمناسبة عربية فقدت مضمونها وقيمتها وتأثيرها.

فالقمم صارت شكلية، لا تقدم شيئاً مفيداً للعرب، ولا تغير من واقعهم الأليم، ولا يلتفت إليها أحد من خارجهم، ولم تعد شعوبهم تعبأ بها سواء عُقدت أم لم تعقد، يتساوى في ذلك بيت العرب مع بيت المسلمين، أي جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، قممهما واجتماعاتهما تمر مرور الكرام، لا قرار أو توصية واحدة فيهما قابلة للتنفيذ، لأن آليات التنفيذ معطلة، أو أنها تفتقد إرادة التفعيل لدى الدول الأعضاء، رغم أن التجمع الأول يضم 22 دولة عربية ، والتجمع الثاني يضم 55 دولة عربية وإسلامية.

لكنه زمن الغثاء العربي والإسلامي، زمن الصراع على أشده فقط بينهم كأنظمة عربية وإسلامية، بأسهم بينهم شديد، فاعلون في عقاب بعضهم بعضاً، ومحاصرة بعضهم بعضاً، والنكاية في بعضهم بعضاً، إنما مع من يكيد لهم، ومع خصومهم، تجدهم متفرقين مشتتين، لا موقف فاعل يجمعهم، ولا إرادة تحركهم لمجابهته، بل يتسابق بعضهم إلى التودد للكاره والمعادي لهم، وإسرائيل هي المقصودة هنا، وتليها أمريكا حليفتها الأقوى، ورغم ما تقدمه الأنظمة العربية والإسلامية من خدمات هائلة لأمريكا فإنها لا تقدم أحداً منهم على إسرائيل، ولا تساويه بها، هم يأتون في مراتب متأخرة وبمسافات بعدها مهما غرفوا من خزائن أموال شعوبهم وقدموها لـ ترمب طائعين أو مجبرين.

قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي من أجل القدس، وقمة القدس العربية التي انعقدت لعدة ساعات، وتبارى بعض المتحدثين خلالهما في إدانة القرار الأمريكي والتنديد به، ثم ماذا كان العائد منهما اليوم؟ وماذا كان العائد من عشرات اللقاءات والاجتماعات والتصريحات السابقة واللاحقة عليهما منذ أصدر ترمب قراره في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي؟ لم يرتعد الأمريكي ويلغي أو يؤجل نقل السفارة لأجل خاطر العرب، أو حفظاً لماء وجه أصدقائه الأسخياء معه، المقترين على شعوبهم.

بعد أيام قلائل سيتم المراد الإسرائيلي، ولا عزاء أو كرامة للعرب والمسلمين، ورغم هذا سيظل الأمريكي والإسرائيلي حليف وصديق لهم يتقربون منه، ويتودون إليه!

التسميات مجرد عبارات إنشائية، وأوصاف تخلو من أي معنى أو قيمة، وهدفها ليس إعلان مواقف سياسية، فلا مواقف لهم تُقابل بالجدية اللازمة من العالم، إنما هي محاولات لإخفاء حقيقة التواطؤ والتفريط تجاه القرار الأمريكي الذي إما أنه كان صفعة على وجه الحلف التابع والمخلص لترمب وسياسات إدارته الليكودية التي تزايد على سياسات التطرف الليكودي الإسرائيلي، أو أن هذا الحلف لا يمانع في تمرير القرار، والتماهي الكامل والمهين وغير المسبوق مع إدارة تغالي في الانحياز إلى جانب إسرائيل، وتعمل على إنهاء القضية الفلسطينية وشطبها من الوجود السياسي.

الشعوب لم تعد تنطلي عليها التسميات، ولم تعد تنخدع بخطابات الشجب والاستنكار الشهيرة، ولم يعد ممكناً الالتفاف عليها بتصريحات مكشوفة مستهلكة، المواقف المخجلة باتت معروفة وتعلن عن نفسها صراحة، هناك عرب يهرولون بصفاقة تجاه إسرائيل التي باتت قبلة أخرى لهم مع القبلة الأم في البيت الأبيض، أو لنقل إنها مفتاحهم إلى قلوب وعقول رجالها المخلصين في البيت الأبيض، وتصريحاتهم وحواراتهم ومواقفهم باتت تنتقد بلا خجل الشقيق الفلسطيني، وتحمله مسؤوليات ما آلت إليه الأوضاع في عملية السلام، وابتلاع الأرض الفلسطينية، وتتجاهل المجرم المحتل القاتل للسلام وللفلسطيني المدافع عن حقه ووجوده، هي حلقة أخرى من السقوط في هاوية سحيقة بلا نهاية، وقلب للمواقف التي كانت إما مجرد تمثيل طوال عقود، أو هو إعلان للبيع ونفض اليد والانخراط مع الحلف الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي في سياساته ومخططاته بحثاً عن الشرعية والحماية، بينما الشرعيات الحقيقية مصدرها الوحيد هي الشعوب، والحماية المؤكدة لا تأتي من الخارج أبداً إنما تتم بأرواح وتضحيات أبناء الوطن عندما يشعرون أنهم مواطنون حقاً لهم كامل الحقوق في بلادهم.

كم قمة واجتماع ومناسبة أُطلق عليها تسمية القدس وفلسطين، فهل عاد شيء منهما كما كان؟، لا شيء يعود، بل مزيد من الفقدان والضياع لأن الأصل ليس في التسميات، إنما فيما بعدها، فيما يسند التسمية ويدعمها، فيما يجعلها واقعاً وينقلها من الكلام إلى الفعل.

الأمريكي إذا قال فعل كما حصل في قرار القدس، والإسرائيلي يتحدث وينفذ، لأن لديهم آليات القوة التي تحول الإرادة إلى حقيقة، لكن بضاعة العربي ذائعة الصيت هي الكلام، الصوت والضجيج، حناجر تتحدث بصوت مرتفع، وعند العمل يسودهم سكون مثل سكون أهل القبور.

ومع ذلك فالعرب والمسلمين ليسوا مجردين من أوراق القوة والتأثير، لدى أنظمتهم أوراق عديدة مهمة، لكنهم لا يستخدمونها، ولن يفعلوا، حيث يرهنون إرادتهم للخارج، لمن يبتزهم ويتلاعب بهم، لكارهيهم وخصومهم وعدوهم، وهذا من عجائبهم الكبرى.

الأنظمة تنفصل أيضاً عن شعوبها، ولا تحتمي بها لتخوض معها وبها معارك التحدي والقضايا القومية الكبرى، أنظمة تخشى مواطنيها، تقمعهم وتفقرهم، لو تصالحت مع شعوبها ومنحتها حقوقها وأعادت إليها كرامتها وإرادتها السليبة في المشاركة في تقرير مصائرها لواجهوا بها أعتى القوى.

الأمة تمتلك كل مصادر القوة المادية والبشرية والموارد الطبيعية والجيوسياسية والتاريخية والثقافية والفكرية والدينية، وتفعيلها يضمن لها تأثيراً دولياً كأي أمة أخرى في العالم الذي لا يحترم إلا من يحترم نفسه، ويقدر شعوبه، ويبحث عن مصالحه، ويوظف قدراته في خدمة أهدافه، ويرفع رأسه عالياً دون ذلة أو مسكنة.

مع كل هذا التردي، فلن تضيع القدس طالما هناك ولو شخص واحد فقط متمسك بها، وقابض على مفاتيحها، وحامل رايتها، ومؤمن بأن استرجاعها فرض عين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه