ماهي أهمية زيارة السيسي لألمانيا؟

فلماذا إذن ضغطت ألمانيا على السعودية ولم تضغط على مصر؟ التي اتهمتها لجان حقوق الإنسان العالمية وفي لجان الأمم المتحدة كذلك بارتكاب انتهاكات فظيعة؟

 

بينما يروج الإعلام المصري بكثافة لزيارة الرئيس المصري إلى برلين، نجد أنها على الجانب الآخر في وسائل الإعلام الألمانية، تكاد أن تكون غير موجودة، ذلك أن واقع الإعلام المهني الجيد، هو التركيز فقط على نتائج ملموسة، ومفيدة وليس إضاعة الوقت في الاسترسال في كلام غير مفيد، من أجل مكاسب شعبية داخلية في ظل أزمات متفاقمة.

إذن البحث في أهمية زيارة الرئيس السيسي إلى ألمانيا هو النقطة المهمة لدي المحللين السياسيين، فلماذا تلك الزيارة الآن؟ وما مدي أهميتها؟

هدف الزيارة المعلن هو المشاركة في أعمال القمة الثانية لمبادرة مجموعة العشرين، للشراكة الاقتصادية مع أفريقيا، والتي أطلقتها المستشارة ميركل عام 2017 خلال الرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين الاقتصادية، وهي في مجملها لقاءات، روتينية يتم فيها تبادل الكلمات، وإجراء المباحثات الثنائية التي تهم كل دولة علي حدة مع الجانب الألماني.

الاتفاقيات الموقعة

ليست هناك أهمية محددة للزيارة يمكن الخوض فيها، فقد سارعت مصر في غضون السنوات القليلة الماضية إلى توقيع عديد الاتفاقيات مع الجانب الألماني، وهي اتفاقيات تعود بالمكاسب السخية على الشركات الألمانية، فيما يمكن وصفه بأن الجانب المالي في عقد الصفقات هو اللغة المشتركة التي تربط بين الجانبين، فمصر ليست مستعدة علي ما يبدو في النظر إلى ما هو أكثر من ذلك، مثل تطوير مناهج التعليم على غرار  ألمانيا مثلا، أو إجراء إصلاحات سياسية من شأنها إرساء أركان الديمقراطية في الدولة، لكنها قررت الاكتفاء بتلك المشاريع الاقتصادية المشتركة ومن ثم تسويقها علي أنها إنجارات من القيادة السياسية في البلاد، رغم أنها مدفوعة الثمن وبسخاء !

إذن السيسي يأتي إلى ألمانيا وهو كالعادة يفصل بين الإصلاحات السياسية، والإصلاحات الاقتصادية، فألمانيا تخلت عن دورها الأخلاقي في الضغط على مصر في مجال حقوق الإنسان، ولم تعد ألمانيا تشكل قط صداعا للجانب المصري في هذا المجال، رغم تنديد جمعيات حقوق الإنسان العالمية، لهذا جاء السيسي وليس في أجندته شيء غير المساعدات الاقتصادية، وكيف يستفيد من ألمانيا ماليا، حتى أنه تخلى عن مظاهر الزفة التي كانت ترافق رحلاته عادة إلى ألمانيا لإقناع الجانب الألماني بمدي الالتفاف الشعبي حوله!

مجال الاصلاح

تخلت ألمانيا عن الضغط على مصر فعليا في مجال الإصلاح السياسي بعد الصفقة الشهيرة التي وقعتها مصر مع شركة سيمنز العملاقة لإنشاء محطات طاقة كهربائية بقيمة 8 مليارات يورو، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ الشركة الألمانية، أما باكورة هذه الصفقة فقد تجلت في افتتاح ثلاث محطات للطاقة في بني سويف، والعاصمة الإدارية الجديدة، والبرلس في كفر الشيخ، استغلتها الحكومة المصرية داخليا على أساس أنها إنجازات للقيادة المصرية رغم أنها صناعة ألمانية بحتة.

وقت الزيارة يتوافق مع الحدث الجلل الذي وقع في القنصلية السعودية في إسطنبول، واعتراف السعوديين بقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، فألمانيا اتخذت موقفا حاسما غير الموقف الفرنسي والأمريكي المتخاذل، وأدانت المستشارة الألمانية ميركل ما حدث بقوة، وطالبت السعودية بالكشف الشفاف عما حدث داخل القنصلية، ومن ثم اتخذت قرارها بوقف بيع صفقة الأسلحة التي تصل إلى قرابة 50 مليار يورو الي السعودية، فلماذا إذن ضغطت ألمانيا على السعودية ولم تضغط على مصر؟ التي اتهمتها لجان حقوق الإنسان العالمية ولجان الأمم المتحدة كذلك بارتكاب انتهاكات فظيعة؟ 

الإجابة على ذلك تقتصر على ملف الهجرة غير الشرعية من الشمال الأفريقي إلى أوربا ودور مصر فيه، فمصر تعرف جيدا أن ملف الهجرة غير الشرعية هو صداع مزمن في ألمانيا، وكانت الدولتان قد اتفقتا على دور مصري مهم في وقف الهجرة غير الشرعية عبر شواطئها مقابل 500 مليون يورو سنويا، وفيما يبدو أن المقابل أيضا أن تتغاضى أوربا عن الضغط على مصر في ملف حقوق الإنسان.

 وكانت مصر التي تنتهج أسلوبا أمنيا قاسيا قد نجحت بالفعل في وقف تلك الهجرة عبر شواطئها، حتى أنه لم تسجل إلا حالة واحدة في سنة 2016 مقارنة بالسواحل الليبية والمغربية وربما التونسية والتركية كذلك؟

هذا الملف الذي نجحت فيه مصر أعطاها شيئا من القوة التفاوضية مع ألمانيا والجانب الأوربي، وفي هذه الزيارة اختفت مظاهر الزفة البلدي التي كانت من أكثر مشاهدة زيارات السيسي لألمانيا، والتي كانوا يحاولون من ورائها إقناع الألمان بأنه يتمتع بتأييد جماهيري كبير.  

أزمة البطاطس

الرئيس المصري يزور ألمانيا وقد ترك ورائه مشاكل اقتصادية متفاقمة داخليا، أخرها أزمة البطاطس التي تعتبر في كل دول العالم من أرخص المحاصيل الزراعية، فكيف سيكون ندا لألمانيا في مفاوضات يحاول فيها إقناعها بنجاحاته وإنجازاته، وأزمة البطاطس مستمرة؟ أما أزمة المياه فهي الأخرى تكاد تعصف بالنظام الزراعي في مصر الذي كان من نتيجته قرار الحكومة المصرية بتقليص مساحات زراعة الأرز.

 في هذا الإطار قد يطلب الجانب المصري مساعدة ألمانية تتمثل في الضغط على أثيوبيا، كذلك أيضا قد يطلب مزيد من المساعدة في إقامة محطات لتحلية الماء، وكانت ألمانيا قد ساهمت في إنجاز مشروع قناطر أسيوط الذي تكلف 300 مليون يورو.

لن يكون لمطالب الشعب في تلك الزيارة أي دور، اللهم الا بعض المحتشدين في الخارج الذين دأبوا على رفع شعارات تطالب بالحرية، والديمقراطية، والعدالة، لعل أحدا يراها من الجانب الألماني، ويسأل ماذا يريد هؤلاء؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه