ما يحدث في سيناء.. لن يبقى في سيناء*

 

(1)

ماذا يحدث في سيناء؟

سيقول الموالي: إرهاب، يتصدى له جيشنا العظيم بحرب تطهير، ويقول المعارض: اضطهاد وإدارة سوء، ويضيف المتشكك: تواطؤ لإطالة عُمر “الفزاعة” التي تساعد السلطة على إسكات الشعب، ويحذر رجل الأمن: يجب أن تصطفوا على قلب رجل واحد لمواجهة الأشرار الذين يدفعون البلاد نحو المجهول، ويهتم الناشط بتسجيل حالات القتل، والطرد، والترويع، وانتهاكات الأمن والحريات، ويعود المثقف إلى بطون التاريخ، وتقاعس الدولة عن احتواء سكان سيناء على مدى قرون طويلة، ويندد أصحاب الضمير بجرائم القتل على الهوية، التي طالت المسلمين والأقباط في الشمال بالذات، و…، و….

أما أنا فأحذركم جميعا: مهما كانت رؤيتكم لما يحدث في سيناء، فإنه لن يبقى في سيناء.

(2)

لماذا؟!

لأنني، أرى أن كل جرائم الإرهاب، والاضطهاد، والترويع، والنزوح، بل وطرق مواجهتها أيضا، مجرد ردود أفعال مرتبكة، وصيحات فزع، وأطماع مؤقتة، لن تدوم طويلاً، فهي ليست هدفاً، بل وسائل لهدف خبيث، يغيب عن معظم اللاعبين اللاهين، برغم وضوحه، وإعلانه من جانب الطرف المتحكم، والذي يتقدم نحو هدفه بخطوات محسوبة، هذا الهدف ليس الضغط على السلطة القائمة لإعادة محمد مرسي إلى الحكم (حتى يتوقف ما يحدث في سيناء في التو واللحظة)، وليس إقامة إمارة إسلامية (كنواة لدولة الخلافة)، وليس خطة وضعتها المافيا الحاكمة للاستئثار بمعظم أراضي سيناء، وعدم تمليكها لأهاليها بحجة أنها أرض مواجهة ومعارك، بينما يتم تقسيمها كغنيمة استثمارية، تضخ الذهب بلا تكلفة كبيرة. بل أقول إن الهدف النهائي ليس تفريغ سيناء من سكانها، لتهيئة المجال لتمرير مشاريع أجنبية تتعلق بتوطين الفلسطينيين، ضمن خطة تسوية للقضية الفلسطينية تتبنى إعادة رسم خارطة الدولتين عن طريق استبدال الأراضي ومراعاة الوضع العمراني والسكاني الذي أصبح أمراً واقعا بعد 40 عاما على ضياع هذه الأراضي في هزيمة 67، وابتلاع معظمها في مخططات استيطان محسوب، لاستخدامه كورقة تساعد في فرض “سياسة الأمر الواقع” كما يحدث الآن.

لكن إذا لم يكن الهدف واحدا من كل هذه الاحتمالات، فما هو الهدف إذن؟

(3)

قبل أن أقول رأيي، أرجو أن تأخذوا وقتا كافيا للتفكير بأنفسكم، ومع أنفسكم.. ناقشوا كل الاحتمالات، ونصيحتي أن تخرجوا من سجن الفكرة الواحدة، وتتحروا من “زن” الهجمات الإخبارية التي تنطلق كموجات للتأثير على الرأي العام في اتجاهات محددة، وغالبا ما تكون للتضليل، وإقناعنا بتصنيف الحوادث تحت العناوين النمطية، فعلى سبيل المثال، فإن التركيز على حوادث اضطهاد الأقباط في سيناء، قد يدفعنا لتلوين الوضع في أرض القمر بالصبغة الطائفية والاضطهاد الديني، ونستشهد بحوادث عن حرق كنائس، وقتل أقباط، وترويع عائلات ودفعهم للنزوح، وهنا علينا أن نسأل: ألم تكن هناك حوادث موازية لقتل مسلمين، وترويع عائلاتهم، وإجبارهم على النزوح؟!.. لا فرق بين قس قبطي، وصوفي مسلم، ومعهم شيوخ قبائل، ومقار حكومية، وبيوت مواطنين بصرف النظر عن هوياتهم القبلية والدينية.. كل هذا يتم تحت ضوء الشمس، فلماذا نخدع أنفسنا ونسمي ما يحدث في سيناء بغير اسمه؟!

(4)

إن ما يحدث في سيناء، ليس “نزوحا” نتيجة اضطهاد طائفي من مسلمين لأقباط، بل “تفريغ” مخطط ومتعمد لجميع سكان سيناء… في أغسطس يمكن تصنيفه قبلياً، وفي ديسمبر يمكن تبريره باعتبارات أمنية، وفي فبراير يمكن تقديمه بمسوغات طائفية، لكنه في الحقيقة: خطوة تخطوها “إسرائيل” باتجاه النيل، لتحقيق استراتيجيتها المعلنة والمكتوبة على جدران مؤسساتها الرسمية: “من الفرات إلى النيل.. أرضك يا إسرائيل”

(5)

هكذا فإن الحديث عن توطين الفلسطينيين في سيناء، أو تحويلها إلى منطقة استثمارية مفتوحة يمكن تمليك أرضها للأجانب، أو الخلخلة المقصودة لاستقرار السكان فيها، وكل هذه الممارسات تخفي خلفها الهدف الاستراتيجي الواضح الذي تسعى من أجله عصابة الصهاينة، وتستخدم لتحقيقه شبكة عملاء، بعضهم يرتدي السروال ويطلق لحيته متشبهاً بالإسلاميين، وبعضهم يرتدي البزة العسكرية ويطلق شعارات الأمن القومي متشبهاً بحماة مصر العظام على مر التاريخ، فانتبهوا قبل أن تذهب سيناء للصهاينة، فما التفريط في تيران وصنافير، وما خلخلة الأمن في سيناء، وما اللقاءات السرية في العقبة، وما الخنوع لمشيئة نتنياهو، إلا خطوات تمهيدية لتوسيع خارطة “إسرائيل”، إسهاما من عرب الخنوع وأنظمة الهزائم في تحقيق هدف “إسرائيل الكبرى”.. غداً في سيناء، وبعد غدٍ في القاهرة..

(6)

الآن.. أظن أن ما بدأت به من قولٍ، قد صار واضحاً: إن ما يحدث في سيناء.. لن يبقى في سيناء، لكن تبقى ملاحظة أخيرة قبل أن تغلق المقال وتنصرف: هل تتذكر ما قرأت الآن؟، وما هي الملاحظات التي خطرت ببالك؟، وهل من بينها ما يتناقض مع ما يحدث اليوم في سيناء؟، وما إذا كان هذا المقال بنصه مكتوب قبل عام كامل، وتم حجبه لأسابيع قبل أن ينشر على نطاق ضيق في فبراير من العام الماضي؟!

القصة إذن مكشوفة، لكن أهل بيزنطة غارقون في مساجلات دعم الدولة ومحاولة البحث عن وظيفة وطنية للشيطان، وأظنهم لن يفيقوا إلا والأعداء فوق رؤوسهم، فاهدهم اللهم أو امسخهم أشجاراً من الزيتون، لعلهم يعوضون ما ضاع بسببهم من بشرٍ وشجر في أرض القمر.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه