ليلة اسودت فيها شاشات الانقلاب

قال أحد الأذرع الإعلامية لقائد الانقلاب على شاشة قناة “النهار”، إن مدينة الإنتاج الإعلامي هي أمن قومي، فرد عليه صحفي من نفس المعسكر، “لا يا حبيبي مدينة الإنتاج هذه أمن قومك أنت.

سليم عزوز*

فاجأني الشعب المصري بسعادته البالغة بتسويد شاشات الثورة المضادة، حيث لم تقتصر السعادة على القوى الموالية للشرعية، أو تلك التي فعلت السوء بجهالة؛ بتأييدها عزل الرئيس المنتخب ثم تابت من قريب، فالمفاجأة أن السعادة وصلت إلى معسكر السيسي نفسه.
قال أحد الأذرع الإعلامية لقائد الانقلاب على شاشة قناة “النهار”، إن مدينة الإنتاج الإعلامي هي أمن قومي، فرد عليه صحفي من نفس المعسكر، “لا يا حبيبي مدينة الإنتاج هذه أمن قومك أنت، والدليل فرحة المصريين لأول مرة بعمل إرهابي”.
وعندما تصل السعادة إلى معسكر القوم، فلا بد من أن يطرح هذا سؤالا عن سر هذه السعادة، التي قوبل بها تفجير البرجين اللذين يغذيان المدينة بالكهرباء؟، فاسودت الشاشات في يوم أبيضت فيه وجوه بشكل لافت. وإن كان مسؤول بوزارة الكهرباء ذكر في اليوم التالي في اتصال هاتفي مع “محمد شردي” على قناة “المحور”، أن برجاً واحداً فقط، هو الذي يمد مدينة الإنتاج الإعلامي بالتيار الكهربائي، أما البرج الآخر فهو خاص بتغذية “مدينة الشيخ زايد”.
لا أظن أن أحداً لم يتابع هذا الاستهداف، الذي جرى لمدينة الإنتاج الإعلامي، ومع ذلك فلغير المتابعين نقول، إن حركة مسلحة أعلنت مسؤوليتها عن الحادث، الذي تمثل في زرع قنابل تحت برجين من أبراج الكهرباء، وعندما انفجرت، أسودت شاشات القنوات الفضائية التي تبث من هناك، وكانت مفاجأة أن قنوات من التلفزيون الرسمي تأثرت بذلك، مع أنها تبث من مبني “ماسبيرو” على كورنيش النيل، وقيل أنها تبث بعض برامجها من مدينة الإنتاج، لذا فقد نالها من “الحب جانباً”.
غرق رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي ورجل العسكر “أسامة هيكل” في “شبر ماء”، وقال إن الحادث يعني أن أمن المدينة مخترق، حتى ظننت أنا بذلك أن الأبراج بداخلها، قبل أن نعلم أنها تبعد عنها بأكثر من اثنين كيلو متر، وعلى طريق الواحات الصحراوي، حيث يوجد ستون برجاً، فمن الذي أرشد التنظيم المسلح بأن هذين البرجين بالذات هما الخاصين بالمدينة؟.. وكل الكلام الذي قيل عدا تصريح المسؤول بوزارة الكهرباء يؤكد على أن البرجين اللذين أطيحا بهما بفعل التفجيرات هما لتغذية مدينة الإنتاج الإعلام؟.
من فعلها؟
البعض اعتبر ما جرى، والحال كذلك، هو عمل مخابراتي، استهدف عبد الفتاح السيسي من خلاله أن يلفت انتباه العالم إلى أنه يحارب الإرهاب في لحظة بدا فيها العالم وقد أعطاه ظهره، وحتى مهرجان الحب العذري الذي أقيم في شرم الشيخ، لم يأت بما أُنفق عليه، وبثمن “السهم الهاري الذي طفحه المعازيم”، حيث أعلن محافظ البنك المركزي أن البنك لم يدخله جنيهاً أعوراً من المليارات التي تم الإعلان عنها في “الزفة”.
بطبيعة الحال فقد أثبتت التسريبات أن هناك قنوات أخرى خارج القنوات الرسمية لاستقبال “الرز”، لكن لو حدث هذا، فقد كان سيتم التنبيه علي المحافظ بألا يدلي بمثل هذا التصريح، فلم يعد أحد في دول الخليج مستعداً لأن يدعم السيسي على طريقة الصدقات السرية التي تدفعها بيمينك فلا تعلم الشمال ما أنفقت اليمين، بعد أن فضحتهم التسريبات أمام شعوبهم، ولذا أعلن القيادي بدولة الإمارات في مؤتمر القمة العربية أن بلادهم دفعت لمصر 14 مليار دولار، وكان هذا التصريح لأول مرة، هذا فضلا عن أن الملك سلمان ليس هو الملك عبد الله، وقد سقطت دولة خالد التويجري، الذي كان يتصرف في أموال المملكة دعماً للانقلاب كما لو كان يغرف من ماء الخليج!.
ما يهم الغرب، هو ما يهم إسرائيل، وهو في السياسة التي يتبناها السيسي بحمل سكان سيناء على الرحيل، تحت قوة القصف والتنكيل، وإذا كان مبارك كنزهم الإسرائيلي حال دون تعمير هذه المنطقة بعد تحريرها، فإن السيسي يعمل على تخريبها، تمهيداً لتحويلها إلى منطقة آمنة للإسرائيليين، لكنهم لا يعلمون أنه المستنقع الذي دخله السيسي برجليه، وهناك لا وجود لمرشد جماعة الإخوان صاحب التصريح الأسطورة: “سلميتنا أقوى من الرصاص”!.
من قاموا ببناء تصوراتهم على أن تفجير البرجين هو عمل مخابراتي، لا يعلمون أن قيمة السيسي لا يستمدها من استمرار الفوضى، فمن خرجوا على الحكم الإخواني في 30 يونيو كان فريق منهم يريد الاستقرار، وكان يؤمن بأن الرئيس مرسي ضعيف، حتى وإن كانت الفوضى بفعل فاعل، إذن لا مانع عندهم من أن يأتوا بهذا الفاعل المتواطئ، ولهذا كنا نسأل بعضهم عن ماذا عرفوا عن السيسي ليؤيدوه فكانوا يقولون أنه “دكر”، فاتهم أن “دكر البط دكر” أيضاً، ومع ذلك هو يتثاقل في مشيته وكأنه يساق إلى الموت. وعجز السيسي في مواجهة الإرهاب يفقده مبرر استمراره رئيساً عند هؤلاء!.
ولو عرف أسامة هيكل الحقيقة المرة، لما اتهم أمن مدينة الإنتاج بالاختراق من قبل التنظيم المسلح، ولو علمها غيره لما قال أن ما جرى هو بفعل مخابراتي، فالأبراج كانت تحمل لافتات مكتوبا عليها بالبنط العريض اسم الجهة التي يقوم أي برج بتغذيتها بالتيار الكهربائي.. لتسهيل المهمة على الفنيين بوزارة الكهرباء، وكان البرج الخاص بمدينة الإنتاج الإعلامي يقول لكل إرهابي عابر سبيل” هَيتَ لك”، أو “هِئْتُ لك”.
إرهاب الضرورة
في البدء، ظننت أن من فعلها تربي في مدرسة الإخوان، لاسيما وأنني من المؤمنين، بأن تيئيس الناس من القدرة على إسقاط الانقلاب بالسلمية، لن يدفعهم جميعاً للإحباط والاستسلام للأمر الواقع، ولكن سيمثل وقوداً لحركات مسلحة لا تؤمن بالشرعية، وبصناديق الانتخابات، و بسيادة الشعب، وهو الخطر الحقيقي الذي جلبه الانقلاب لمصر، بعد أن كانت قوى لا تؤمن بالديمقراطية قد قبلت بالخيار الديمقراطي وارتضته وتعاملت بمقتضاه.
وبرأيي أن من تربي في مدرسة الإخوان سيظل فكره أسيراً لتعاليمها وإن تطرف، ولهذا فقد انتظروا حتى تنتهي “لميس الحديدي” من برنامجها وتغادر إلى منزلها ليتم تفجير البرجين، بعد انتهاء كل برامج “التوك شو”، ولم يبق من مقدمي هذه البرامج في المدينة سوى “أحمد موسى”، و”توفيق عكاشة”، فالعمليات الإرهابية تأتي عندهم من باب الضرورة التي تقدر بقدرها، وليس مطروحاً على جدول الأعمال أن “تقطع لميس الخلف من الخضة”، فلتقطعه نتيجة دخولها في طور “اللاتي يئسن من المحيض”، ولكن ليس بفعل “الخضة”، التي تحدث نتيجة التخويف، أو التعرض للخوف المفاجئ!.
لمن يربكهم الاستطراد عليهم التوقف عند هذا الحد، فـ “الخضة” لا يزيل أثرها سوى “خضة” مثلها، وفي بلدتنا “جهينة” في أقاصي الصعيد كانت توجد أداة لذلك تتمثل في بئر في منطقة صحراوية على أطراف المقابر، وكان يرسل إليه بدلو ليمتلئ بالماء المثلج من الأعماق، ثم يلقي على “المخضوض” فجأة فيرتجف، ويتعافى، وقد سألت عن البئر مؤخراً فقيل قد ردمت في فترة المد السلفي باعتبارها بدعة!.
وبردم هذه البئر، فإن من يتسبب في “خضة لميس” وإخافتها، يكون مطالباً بإزالة أثار ذلك، وأخصها “قطع الخلف”، أي القدرة على الإنجاب، ولا يكون إلا بتعرضها لخوف أكبر، ولن يكون هذا إلا بخطفها مثلاً.
لذا فقد رأي المسلح الإخواني، أن يرتكب تفجيراته بعد انتهاء الدوام في “الليلة الموعودة” . لكن الذي حدث أن تنظيم “أجناد مصر” أعلن مسؤوليته عن الحادث، وبعد ذلك بعدة ساعات أعلنت حركة ما يسمي “بالعقاب الثوري” مسؤوليتها أيضاً، فهل هما حركة واحدة؟.. وهل حركة منهما جزءاً من الأخرى؟.. لا اعرف فما أعرفه أن “أجناد مصر” وإن كانت مع الثورة، وشارك مؤسسوها في الاعتصام بميدان النهضة من أجل عودة الرئيس المختطف محمد مرسي، إلا أنها الآن وعلي لسان قائدها تطلب بالتوقف عن عودة الشرعية، فهي مشغولة بالثورة الإسلامية الكاسحة التي لن تحتكم مرة أخرى لا إلى صناديق الانتخابات ولا للإرادة الشعبية. وهذا ما جناه الانقلاب العسكري على مصر؛ تطرف بتطرق.
رسالة للانقلاب
ومع ذلك فقد سعد الناس بتسويد الشاشات، وظهرت الشماتة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وأعلن مذيع بقناة “النهار” كان من الإعلاميين الشبان الذين إلتقاهم السيسي ليسمع لهم مؤخراً، بأن سعادة الرأي العام هي رسالة كاشفة بأن الشعب يكره الفضائيات، وأن هذه السعادة كافية لأن يراجع الإعلاميون أنفسهم!.
فهل هي رسالة للإعلاميين وحدهم؟.. لقد انزعج “عراب الانقلاب” محمد حسنين هيكل وهو يبحث سر التفاوت الذي كاد يصل للضعف في عدد الأصوات التي حصل عليها “يحيي قلاش” الفائز بموقع نقيب الصحافيين في مواجهة النقيب “ضياء رشوان” المتماهي مع سلطة الانقلاب، وقد أزعجه عندما أُبلغ أنها رسالة مجتمع للسلطة، مع أن كلا المرشحين ناصري التوجه، وكلاهما ممن أيدوا حركة ضباط الجيش في 3 يوليو، لكن النقيب رشوان تعامل طول مدته على أنه رجل عبد الفتاح السيسي، في حين أن منافسه “قلاش” كان برنامجه هو الفصل بين ما هو نقابي وما هو سياسي.
هيكل يعكف من يومها على فهم دلالات رسالة الجمعية العمومية للصحافيين، وها هي رسالة جديدة تصل إليه، وتعزز من طرح يدرس الآن حول سعي السيسي للحصول على شرعية جديدة على ذات طريق عبد الناصر، يتنحي فتخرج الجماهير تطالبه بعدم التنحي.. إنهم يحلمون!.
لن أذود الطير عن شجر بلونا المر من ثمره، فهؤلاء الإعلاميون لم يمارسوا عملهم بمهنية وإنما دعوا للقتل وصفقوا لسفك الدماء. واللافت أن أداء “الأذرع الإعلامية” للسيسي بعد ذلك جاء منبطحاً.
 فقديماً قال الانتهازي المنبطح: ” يا روح ما بعدك روح

_______________________

*صحفي مصري

 

 

  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه