ليس للقارئ .. إذن لمن تصدر الصحف في مصر؟!

الصحف اليومية المستقلة في مصر، بالمعادلة الاقتصادية الضيقة صحف فاشلة ، لكنها بالمعادلة السياسية أو الاقتصادية الواسعة هي مصدر خير وأمان لأصحابها

عبده مغربي*

  صحيفة “الوطن” المصرية، هي جزء من مشروع إعلامي ضخم، يشمل “موقعا إليكترونيا” كبيرا ومجموعة قنوات فضائية تسمي “سي بي سي”، يملك النسبة الأكبر في هذا المشروع رجل أعمال يسمى “محمد الأمين” ظهر اسمه فجأة في قائمة أثرى أثرياء مصر.

قبل أكثر من شهرين دأبت “جريدة الوطن” علي نشر أخبار غريبة أغضبت الأجهزة الأمنية، لكن هذا الغضب لم يتحول إلي بلاغ ضدها، علي عكس مما حدث مع موقع “اليوم السابع” الذي تقدمت وزارة الداخلية ببلاغ رسمي ضده إلي النائب العام بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم الاجتماعيين.

صحيفة “المصري اليوم” من جهتها خرجت عن السياق قبلهم في ملف أعدته ضد ضباط الشرطة تحت عنوان “ثقوب في البدلة الميري” وتعرض للانتهاكات التي يرتكبها ضباط الشرطة بحق مواطنين في الشوارع وأقسام الشرطة، وتسبب في أزمة كبيرة بين “الجريدة” و “وزارة الداخلية” بسبب ما قالت الوزارة وقتها إنه أحدث حالة من الهياج  بين بعض ضباط الشرطة  ضد ما كُتب، واعتبروه طعناً فيهم في الوقت  الذي يواجهون فيه رصاصات الإرهاب وتفجيراته حتي إنه لا يمر أسبوع من دون سقوط شهداء لهم في المعركة مع الإرهاب وليس مقبولاً أن يكون هذا جزاؤهم.

حالة من الشد واللين بين هذه الصحف الثلاث الأكبر في مصر من بين الصحف اليومية الخاصة وبين وزارة الداخلية، وحالة من الحب أيضاً، لكنه من الغرابة أن صحيفة “الشروق” المتهمة بخطها المهادن لجماعة الإخوان المسلمين لم تتحرك ضدها أي بلاغات علي المستوي التعبوي من وزارة الداخلية..!

“الشروق” هي الصحيفة التي يكتب فيها كاتب كبير بحجم “فهمي هويدي” وقد كان مقاله الأسبوعي  في جريدة الأهرام يرفع أرقام التوزيع إلي أكثر من 150 ألف نسخة في يوم الثلاثاء الذي تنشر فيه الصحيفة مقاله، قبل أن يتركها وينتقل إلي زاويته اليومية في “جريدة الشروق” التي تراجعت أرقام توزيعها إلي ما دون 7 آلاف نسخة برغم مقال فهمي هويدي اليومي فيها، ما بات يمثل لغزاً في معادلة توزيع الصحف اليومية المستقلة في مصر.

علي المستوي الاقتصادي فإن الصحف المستقلة الأربعة تواجه أزمات مالية ضربتها جميعاً من الداخل ، فخسائر “المصري اليوم” تتجاوز المليون جنيه شهرياً، ومعدل توزيعها في تراجع مستمر حتي إن الجريدة التي كانت توزع ربع مليون نسخة يومياً تراجعت إلي ما دون 75 ألفاً، وجريدة “الوطن” التي  صدرت قبل سنوات قليلة وبدأت في تصاعد مستمر في التوزيع حتي وصلت إلي 100 ألف نسخة تراجع توزيعها إلي ما دون 50 ألفاُ، أما جريدة “اليوم السابع” فإن نسختها الورقية منذ خروجها للقارئ لم تتخط حاجز الـ 15 ألف نسخة، علي الرغم من أن موقعها الإليكتروني هو الأكبر تقريباً بلا منافس بين بقية المواقع الإليكترونية الأخرى للصحف.

علي مستوي رواتب الصحفيين فإن بعضها في جريدة “الشروق” لم يصرف للمستحقين منذ 7 أشهر، وهناك حالات مطردة من الإقالات  والاستقالات بين صفوف الصحفيين والموظفين فيها. أما ” المصري اليوم” فقد انتهجت منذ أكثر من عام سياسة إنهاء التعاقد بشكل ودي مع عدد كبير من المحررين نظير مبالغ مالية تدفع مرة واحدة فيما عرف بانه أول تبنٍ لفكرة “المعاش المبكر” في صفوف الصحفيين، ورأينا صحفيين من جريدة “المصري اليوم” خرجوا للمعاش من الجريدة وهم في الثلاثين من عمرهم.

“الوطن” أصابها نفس الأمر بعد الشائعات ببيع الجريدة إلي رجل الأعمال “محمد وجدي كرار” قبل أن يخرج صاحبها “محمد الأمين” عن صمته ويقرر صرف جميع الرواتب نافياً بشدة “شائعة البيع” إلي “آل كرار” ومقرراً في الوقت ذاته زيادة رواتب الصحفيين، في معادلة اقتصادية غريبة وصلت فيها خسائر الجريدة إلي ما يزيد عن 800 ألف جنيه شهرياً، لكن تفسيرات من داخل “الوطن” أفادت بأن الزيادة هدفها إغراء الصحفيين حتي لا يرحلوا عنها مع “مجدي الجلاد”.

خلاصة القول فيما سبق أن الصحف اليومية المستقلة في مصر، هي بالمعادلة الاقتصادية  الضيقة صحف فاشلة اقتصادياً، لكنها بالمعادلة السياسية أو الاقتصادية الواسعة هي مصدر خير وأمان لأصحابها، لأنهم وإن كانوا يخسرون فيها بضعة ملايين من الجنيهات  أو أكثر سنوياً إلا أنهم في المقابل يحصلون من خلالها  علي حماية من نوع خاص لاستثماراتهم وأحياناُ يستخدمونها ورقة ضغط في كسب مزيد من الاستثمارات والمكاسب، وخير دليل علي هذا  أن قضية حقل “الجيسوم” التي صدر فيها حكم بحبس وزير البترول الأسبق “سامح فهمي” فإن الطرف الثاني في هذا العقد هو رجل الأعمال “صلاح دياب” صاحب جريدة “المصري اليوم” ومع ذلك  فلم نسمع  أي ذكر لاسمه في أي وسيلة إعلام تناولت هذه القضية، كما أن بلاغاًت كثيرة  من الخبير البترولي الدكتور إبراهيم زهران ضد صاحب “المصري اليوم”  حول حقل “الأمل” البترولي الذي اشتراه صلاح دياب من شركة كويتية بميلغ 6،4 مليون دولار لاستخراج الغاز منه ويقوم بضخ احتياطي الزيت الخام الموجود في الحقل لم تعرف طريقها إلي النشر رغم أنها تمثل تعدياً علي المال العام.

الصحف المصرية اليومية المستقلة في مصر والتي يملكها رجال الأعمال لم تكن أبدأ مشروعات اقتصادية أو تثقيفية، كما أنها لا تهدف أبداً إلي الدفاع عن حقوق المصريين وفق ما تعلن من شعارات، الصحف اليومية المستقلة في مصر هي مشروعات حماية لأصحابها لا أكثر.

____________________

*كاتب وصحفي مصري 
 
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه