لوزان بين المعارضة وأردوغان

أخر تصريحات أردوغان تلك أدلى بها أمام نظيره اليوناني ورئيس وزرائه خلال زيارته مؤخرا لإثينا، وهى التصريحات التي أثارت قلق ومخاوف اليونانيين خصوصا وأن بين البلدين الكثير من المشاكل

تزايدت خلال الفترة الماضية تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن ضرورة تحديث معاهدة لوزان التي اٌبرمت بين تركيا ودول الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وبالتحديد في 24 من يوليو عام 1923، وهى المعاهدة التي تم بمقتضاها تقسيم أملاك الإمبراطورية العثمانية رسميا، وإعلان وفاتها، والاعتراف دوليا بتأسيس الجمهورية التركية العلمانية برئاسة مصطفى كمال أتاتورك.

  خوف وقلق

أخر تصريحات أردوغان تلك أدلى بها أمام نظيره اليوناني ورئيس وزرائه خلال زيارته مؤخرا لأثينا ، وهى التصريحات التي أثارت قلق ومخاوف اليونانيين خصوصا وأن بين البلدين الكثير من المشاكل والخلافات المرتبطة بوضعية بحر إيجه والجزر الصغيرة المتناثرة به البالغ عددها اثنتي عشر جزيرة لا يعرف أحد حتى اليوم لمن تعود ملكيتها والسيادة عليها ، ناهيك عن عدد من الجزر القريبة جدا من المياه الإقليمية التركية ، التي مٌنحت لليونان بناء على بنود معاهدة لوزان مثل جزيرة كاراداك المتنازع عليها ، والتي كادت أن تتسبب في نشوب حرب بين البلدين عام 1996 ، حينما أسقطت عليها القوات الجوية التركية طائرة يونانية وقتل ثلاثة طيارين كانوا على متنها لولا الضغوط القوية التي مارستها الولايات المتحدة آنداك على الجانبين ، إلى جانب مشكلة الأقلية التركية في تراقيا الغربية ، ومسألة قبرص ، وكلها ملفات مرشحة لإحداث أزمة في أي وقت بين البلدين ، ويبدو أن ذلك هو ما دفع المسؤولين في أثينا للتأكيد أمام أردوغان  أن العالم المتمدن بأكمله أعترف بلوزان ، ولا يمكن لتركيا أن تتحدى ذلك ، معربين عن إدانتهم لتصريحاته تلك التي وصفتها وسائل الإعلام اليونانية بالاستفزازية .

    استياء ودهشة

ومثلما تسببت تصريحات أردوغان بشأن لوزان في مخاوف لليونانيين ، فإنها أثارت في نفس الوقت استياء حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية ، الذى أعرب عن دهشته لصدور مثل هذه  التصريحات من جانب رئيس الجمهورية ، حيث علقت حفيدة عصمت إينونورفيق أتاتورك وخليفته في رئاسة الجمهورية ، والموقع على بنود معاهدة لوزان ، النائبة في البرلمان التركي جولسون بيلجيهان فى بيان شديد اللهجة على تصريحات أردوغان قائلة :  ” على أردوغان أن يتعلم أهمية لوزان من اجتماعات الحكومة التي يرأسها بنفسه هذه الايام ، لأن لوزان هى صك ملكية الجمهورية التركية وشهادة فخر لكل من شارك في كتابتها ” . داعية أردوغان إلى قراءة كتاب تاريخ حقيقي يعتمد على الوثائق “ليعرف أكثر عن لوزان وما فعله عصمت باشا “.

فيما أبدت بعض صحف المعارضة استغرابها من تصريحات أردوغان وتوقيتها، حيث عنونت صحيفة حريت المقربة من حزب الشعب الجمهوري، إحدى افتتاحيات صفحتها الأولى بعنوان ” ما مشكلة معاهدة لوزان ؟! ” وقالت الصحيفة “إن الرئيس نفسه هو من اعتبر لوزان في احتفالات أعياد الجمهورية انتصارا، حتى وإن كانت رؤيته إنها لا تلبي احتياجات تركيا، إلا أن سقف انتقاداته لها بلغ حدا غير مقبول. “

    مكاسب وضمانات لوزان 

موقف أكبر أحزاب المعارضة ، والقوميين والعلمانيين الأتراك عموما المؤيد للوزان يمكننا إرجاعه إلى أمرين مهمين ، أولهما كما أوضحت السيدة بيلجيهان  أن لوزان منعت اقتسام كافة أراضي الدولة العثمانية بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى ، و ضمنت للشعب التركي دولة ذات حدود جغرافية معترف بها دوليا، ولا يمكن لأحد أن ينازعها في هذا الحق ، كما أنها اعترفت بهذه الدولة كوريث وحيد لميراث الدولة العثمانية، إلى جانب نقطة هامة تصب في صالح القومية التركية ، حيث قضت لوزان تماما على فكرة إقامة دولة كردية في جنوب تركيا ، وهو البند الذى كان منصوصا عليه في معاهدة سيفر التي ألغتها معاهدة لوزان ، وهذه النقطة تحديدا – ربما تكون – السبب الرئيس وراء تمسك القوميين الأتراك تحديدا بتلك المعاهدة .

  وثانيهما أن رئيس الجمهورية التركية يرى أن بنود اتفاقية لوزان على وجه العموم جاءت مجحفة لبلاده التي اضطرت للتوقيع عليها نظرا للظروف السيئة التي احاطت بها، وأنها خلفت الكثير من المشاكل في المنطقة على مدى الأربعة وتسعين عاما الماضية، ما يعنى أن الوقت حان لإعادة النظر في تلك البنود، التي يرى أنها مبهمة ويكتنفها الغموض، وتحتاج إلى تفسير يتماشى مع التطورات التي شهدها العالم والمنطقة على مدى ما يقارب القرن.

أهداف أردوغان

موقف أردوغان المتشدد تجاه لوزان ، يعود في الغالب إلى رغبته في ضرب عدة عصافير بحجر واحد ، فهو يرغب في تحقيق انتصارا مدويا لإيديولوجيته التي تعتمد تاريخ الإمبراطورية العثمانية منهاجا لها ، حيث يعمل منذ سنوات على إعادة تاريخ تلك الحقبة وبعثه للحياة مجددا ، وإدخال بعض التعديلات على معاهدة لوزان من شأنه أن يحقق له انتصارا تاريخيا ، ربما يفوق لدى أتباعه ، الانتصار الذى حققه مصطفى كمال أتاتورك في لوزان وقتها .

إلى جانب التأكيد على حق تركيا بصفتها الوريث الشرعي لميراث الدولة العثمانية، في الحصول على جزء من كعكة تقسيم الشرق الاوسط جغرافيا مرة أخرى، وإحلال دول جديدة محل عدد من الدول القديمة، وهى الخطة التي تعمل على تحقيقها حاليا الولايات المتحدة الامريكية وشركائها الغربيين‘ فإذا ما كانت هناك نوايا لتقسيم العراق وسوريا رسميا، فتركيا ترى في هذه الحالة أنها أولى بمدن الموصل وكركوك وحلب ، بصفتها مدن عثمانية في الاصل .

إعادة سيطرة تركيا على بعض الجزر الموجودة في بحر إيجه، وتوسيع حدود مياهها الإقليمية، إلى جانب ضمان حقوق الأقلية المسلمة التركية التي تقيم في منطقة تراقيا الغربية، ومنحهم حيز أكبر من الحرية في إدارة شئونهم الخاصة كأقلية دينية داخل نطاق الدولة اليونانية. 

وهى أمور ستجعل من أردوغان بطلا شعبيا يفوق ما حققه لبلاده سياسيا وجغرافيا واقتصاديا، ما سبق وأن حققه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

  بنود ووثائق المعاهدة

يذكر أن معاهدة لوزان التي أبرمت في عام 1923، هى المعاهدة التي تم بمقتضاها إعلان وفاة الإمبراطورية العثمانية، وتوزيع أملاكها بين العديد من دول الحلفاء، والاعتراف دوليا بالجمهورية التركية العلمانية الحديثة برئاسة مصطفى كمال أتاتورك

وتضم المعاهدة 143 مادة مقسمة على 17 وثيقة، تنظم في مجملها العلاقات بين الإحدى عشرة دولة الموقعة عليها وهى بريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ومملكة الصرب والكروات وسلوفينيا والجمهورية التركية الوليدة، التي تم الاعتراف بها كوريث شرعي وحيد للإمبراطورية العثمانية.

وبمقتضى لوزان تخلت تركيا الحديثة عن معظم أملاك الدولة العثمانية ، إذ تخلت عن تراقيا الغربية وجزء من تراقيا الشرقية وجزر بحر إيجه لليونان ، ورودس ودوديكانيز لإيطاليا ، مع الاعتراف باستقلال أرمينيا تحت الحماية الدولية ، والاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية ، والاعتراف بمناطق سوريا ولبنان وفلسطين والعراق كمناطق خاضعة للانتدابين الفرنسي والبريطاني ، فيما عدا مدن مثل أورفه وأضنه وغازي عنتاب ومرعش وكلس وهاتاى السورية الأصل ، التي احتفظت بها الجمهورية الجديدة إلى جانب الأناضول ومدينة القسطنطينية ( إسطنبول ) وضواحيها ، مع تغيير صفتها من عاصمة لدولة الخلافة العثمانية إلى مدينة تجارية واقتصادية  ، واعتبار المضائق بين بحر إيجه والبحر الاسود ، كالبوسفور والدردنيل ، مناطق منزوعة السلاح ومياها دولية مفتوحة أمام التجارة وحركة التنقل العالمية  . 

 وبناء على بنود لوزان، تخلت تركيا أيضا عن سيادتها على كل من مصر والسودان وليبيا وقبرص. كما تنازلت عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان.

ونصت لوزان على حماية الأقليات المسيحية اليونانية في تركيا، والأقلية المسلمة باليونان، وإلزام الحكومة التركية بالحفاظ على حياة وحرية وحقوق جميع المواطنين المقيمين على أراضيها، ومساواتهم أمام القانون، بغض النظر عن قومياتهم وعقائدهم التي يدينون بها.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه