لهذا خذل مواطن “البدرشين” عسكري “الوراق “

لماذا ناصر المواطن المصري رجال الشرطة سنة 25 يناير 1952 وهم يواجهون الإنجليز، ولماذا هاجمهم فى 25 يناير 2011 وهم يبطشون به لحساب النظام الفاسد.

بالطبع ماحدث على كوبري البدرشين يعد حادثاً مؤسفاً، وأيضا ما حدث قبله من أحداث مشابهة، وما سوف يحدث طالما نفس الأسباب ما زالت قائمة.

مشهد جديد أظهره حادث كوبري البدرشين، وهو ارتكاب الواقعة فى ثبات وهدوء وتمكن فى وضح النهار، ووسط العديد من المدنيين، ودون حتى ارتداء الجناة لأقنعة تخفى وجوههم!! ويظهر فى المشهد المواطنون المصريون، وهم يقفون فى مواقع المتفرجين غير المبالين بالأمر، وعملية الاغتيال للجنود تتم بوضوح أمامهم، حتى الضابط المسلح الوحيد الذى كان موجوداً مصادفة كر لاستطلاع الأمر ثم فر هاربا ببدنه كما يظهر في مشاهد الفيديو التي تم تصويرها بكاميرا محطة البنزين الموجود فيها الضابط مصادفة!!

ذريعة سريعة

كان تفسير الغالبية، وأنا منهم حول سلبية المواطنين أنهم عزل في مواجهة سلاح، وأصارحكم أنني لجأت لهذا التفسير، وكأنني أحاول البحث عن ذريعة سريعة لما طرأ على الشخصية المصرية، والتي كانت معروفة فى العالم بأنها شخصية مستنفرة بطبيعتها تجاه إنقاذ المأزوم ونجدة الملهوف مهما كانت المخاطر، ولكن لم يصبح لهذا التفسير منطقًا مقبولاً مع زيادة مدة تنفيذ العملية الإرهابية وهروب المتهمين وسط الناس، ومن أمام حتى الضابط دون أن يلقي أحد ولو حتى طوبة عليهم لعرقلتهم أو إبداء أي انفعال احتجاجى!!! إذن فهناك مبرر آخر.

يبدو أنه من فائدة الأحداث المتلاحقة أنها تبرر بعضها، وتكشف عن الأسباب الخفية وراء الكثير منها، ففي اليوم الثاني انشغل الرأى العام المصري عن أحداث البدرشين بأحداث اقتحام أجهزة الأمن لجزيرة الوراق، ومحاولة تفريغها من السكان وهدم المنازل فيها بحجة أن سكانها معتدون على أملاك الدولة منذ مئات السنين، والسبب المعروف للجميع هو الرغبة في تحويلها إلى مشروعات سياحية لحساب بعض المستثمرين العرب والأجانب دون حتى تعويض الأهالى أو القلق بشأن مصيرهم!!! وأسفرت الأحداث عن العديد من الإصابات بين أهالي الجزيرة والشرطة ووقوع شهيد من أهل الجزيرة وانسحاب الشرطة أمام غضبة السكان الأصليين.

بين الشرطة والشعب

 دعونا نناقش الأمر بخطوات سابقة قليلة عن العلاقة بين الشرطة والشعب فى إطار المفهوم الشعبي للسلام الاجتماعي، لعلنا نصل إلى تفسير أكثر إقناعًا.

قبل مناقشة السلام الاجتماعى أو العقد الاجتماعى أو العدالة الاجتماعية، وكلهم صمام الأمان لأي مجتمع والضامن للعلاقة السلمية بين الشعب والأجهزة التنفيذية وخاصة الشرطة، أوضح أن المواطن المصري بثقافتة البسيطة ووعيه العليل بأمراض قدرية يحسب علاقته بالأجهزة التنفيذية والقوانين والقواعد بطريقة بسيطة جدا وبعيدة عن أي تعقيدات نظرية أو أكاديمية أو سياسية، هي علاقات طرفين لكل منهما دوره،  الأجهزة التنفيذية تستهدف الإدارة والسيطرة وضبط الأمن والنظام وإعمال القوانين، والمواطن المصري لا يريد سوى حقوقه والعدل مقابل التزامه بكل قواعد السلطة التنفيذية، فإذا ما اختلت هذه المعايير، وشعر المواطن بانتهاك حقوقه وارتباك العدالة اختل التزامه بقواعد الضبط الاجتماعي، وانهار التزامه بقوانين ومعايير السلطة التنفيذية وكفر بها وألحدها من الأساس.

فعلى سبيل المثال لماذا يلتزم المواطن فى بعض البلدان الأوربية بسداد الضرائب للدولة، ويعتبر أن التهرب منه عار سيلاحقه دائمًا، بينما يهرب المواطن المصري من دفع الضرائب، ويعتبر أن سدادها تفريط فى حقه وحق أولاده؟

الإجابة تبدأ من موقف النظام والدولة المصرية من هذه الضرائب، واعتبارها حقاً للدولة منفصلًا عن حق الشعب لتفصل بين كيان الدولة والشعب، فبينما حصيلة الضرائب فى بعض الدول الأوربية تذهب لتطوير حياة المواطن، وتقديم خدمات له تصل إلى حد الرفاهية، ووضع مظلات اجتماعية وتأمينية لضمان حماية المواطن من أي مخاطر اجتماعية وصحية وتوفير العلاج، نجد أن حصيلة الضرائب في مصر تدخل خزينة دولة لا يجد منها المواطن إلا القمع والقهر والإهمال والفساد، ويُستخدم جزء كبير منها فى شراء أجهزة وأسلحة لتدعيم جهاز الشرطة الذي يساهم في قمع المواطنين، وإرهابهم حماية للدولة الفاسدة، وما يحيط بها من فئات رجال الأعمال وخدم الإعلاميين والجهاز البيروقراطي، فكان من الطبيعي أن يشعر بأن الضرائب هي جباية عليه والالتزام بها حرام وتفريط فى حقه وحق أولاده.

ثلاثة عناصر

فإذا كانت أركان السلام الاجتماعي تستند إلى عناصر مهمة أهمها ثلاثة عناصر: وهى الحكم الرشيد، وحرية التعبير، والعدالة الاجتماعية، فإنه من السهل معرفة أسباب الاختلال الحادث فى مصر والناتج عنه الإرهاب والفساد والعنف والانهيار المجتمعي، وذلك بمجرد النظرة العابرة لعلاقة هذه العناصر بحكم مصر، والتى تصل إلى حد العدم.

ومن فساد الحكم وهيمنة المستثمرين الفسدة والأجهزة البيروقراطية الداعمة لهم وتحول دور الجيش من مدافع عن وطن وشعب إلى مدافع عن نظام حكم، وانتشار القمع وانهيارات كافة المنظومات الصحية والتعليمية والثقافية، وتقييد حرية التعبير بقيد حديدي وامتلاء السجون بالمعارضين وقتل الأبرياء فى الشارع بحجة ضبط النظام وإعمال الأمن، من كل هذه المشاهد ومن مشاهد تاريخية مصرية نستطيع تفسير لماذا ناصر المواطن المصري رجال الشرطة سنة 25 يناير 1952 وهم يواجهون الإنجليز؟،  ولماذا هاجمهم فى 25 يناير 2011 وهم يبطشون به لحساب النظام الفاسد؟، ولماذا خذل مواطن البدرشين رجال الشرطة الذين قُتلوا فى الوراق؟!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه