لهذا تمت الإطاحة بمرسى

تشير التجارب التي مرت بها عدد من دول العالم الثالث خلال العقود الماضية إلى مدى الهيمنة الغربية على مقدرات الأمور بها، والسعي لأفشال أية تجربة تنمية وطنية.يتبع

ممدوح الولي*
تشير التجارب التي مرت بها عدد من دول العالم الثالث خلال العقود الماضية، الى مدى الهيمنة الغربية على مقدرات الأمور بها، والسعي لأفشال أية تجربة تنمية وطنية تسعى لتسخير موارد البلاد لصالح أهلها، والتي تنتقص في نفس الوقت من الامتيازات والاحتكارات التي تتمتع بها الشركات الأجنبية في تلك البلدان .

وها هي بعض النماذج التي تشير إلى تدخل المخابرات الأمريكية للإطاحة بقيادات وطنية منتخبة ، في بعض البلدان مثل: ايران وغواتيمالا وشيلى والإكوادور وبنما وفنزويلا، والإتيان بقيادات تابعة، تعيد للشركات الغربية مزاياها، التي تأثرت بوجود قيادات وطنية غير فاسدة ويصعب إفسادها.

في 1951 قام محمد مصدق في إيران -المحبوب شعبيا والمنتخب ديموقراطيا- بتأميم أصول البترول الإيراني، ونفى الشاه، فأرسلت المخابرات الأمريكية أحد عملائها لكسب الناس بالرشاوى والتهديدات، وتحريضهم على تنظيم أعمال شغب في الشوارع والسير في مظاهرات لإسقاط مصدق، وتم بالفعل تحديد الإقامة الجبرية له، وإعادة الشاه محمد رضا بهلوى للحكم، والذى استمر به حتى قامت الثورة الإسلامية هناك.

وفى غواتيمالا تم انتخاب جاكو آربينز رئيسا، والذى ساعد الفقراء وطبق برنامجا شامل للإصلاح، ووقف ضد مصالح شركة الفواكه المتحدة الأمريكية، التي كانت تمتلك أراضي بعدة بلدان في أمريكا اللاتينية، ولا تريد السماح بنشر أفكاره، فقامت بحملة شعبية بأمريكا للترويج بأن أربينز جزء من مخطط روسى، لاغتياله سياسيا ومعنويا، وقامت طائرات أمريكية بضرب غواتيمالا بالقنابل.

وفى 1954 استبدلوا به الكولونيل كارلوس كاستيلو آرماس، الدكتاتور السفاح الذى خضع لنفوذ شركة الفواكه الأمريكية، والذي ألغى عمليات استصلاح الأراضي وأبطل حق الانتخاب، وسجن الآلاف من المواطنين وقام بتعذيب من عارضوه.

وفى 1970 انتخب سلفادور الليندى رئيسا لشيلى وكان أول رئيس بأمريكا اللاتينية له ميول اشتراكية، وقام بتأميم الصناعات والفلاحة الجماعية، فقامت المخابرات الأمريكية بتمويل إضراب سائقي الشاحنات لصنع حالة من الفوضى تمهد لقيام انقلاب عسكري، وقاموا بإقناع قيادات عسكرية به، إلى جانب تحويل أحزاب معارضة له، وفى 1973 أطاحت المخابرات الأمريكية بسلفادور الليندى، وجاءت بالجنرال أغوستو بينوتشيه إلى السلطة.

وفى إكوادور كان رولدوس الأستاذ الجامعي، أول رئيس منتخب ديموقراطيا عام 1979، بعد زمن طويل من حكم الدكتاتوريين، وقد  اهتم رولدوس بحقوق الفقراء، وبتوجيه ثروة البترول بما يعود بالنفع على أكبر عدد من السكان، وجعل سياسته البترولية وسيلة للإصلاح الاجتماعي، وقام بكشف ما وراء شركات البترول، وقدم للبرلمان قانونا يعيد تنظيم استكشاف وبيع البترول ومشتقاته والغاز الطبيعي، لإعادة تشكيل العلاقة مع شركات البترول، فقامت الشركات البترولية بتشويه سمعته وتشبيهه بكاسترو.

 لكن رولدوس حذر كل شركات البترول إن لم يضعوا خططا لمساعدة شعب الإكوادور فسيرغمون على مغادرة بلاده، حيث إنه لم يكن شيوعيا، ولم يتحالف مع روسيا أو الصين ولا حتى مع الاشتراكية الدولية مثل الليندى فى شيلى، بل كان مثل عمر توريخوس فى بنما؛ وطني تهمه مصلحة بلاده.

ولذلك خشيت شركة تكساكو البترولية العملاقة من تقليد البلدان الأخرى له، ومن هنا تخلص منه رجال المخابرات الأمريكية ليلقى مصرعه في تحطم طائرته المفخخة فى 24 مايو 1981.

ومع تولى أوزفالدو أورتادو بعده،  أطلق الرئيس الجديد برنامجا لزيادة التنقيب عن البترول لشركة تكساكو وغيرها، وأعاد المعهد الصيفي للغات المرتبط بشركات البترول والذى كان رولدوس قد ألغاه.

في بنما عام 1968 تولى عمر توريخوس الحكم والذى اهتم بالفقراء والمهمشين، ودافع عن حقوق الإنسان، ومنح حق اللجوء السياسي للاجئين السياسيين، وأصلح ما بين الأحزاب في دول أمريكا اللاتينية، ورفض إقامة مراكز تدريب أمريكية في بنما، وأصر على استعادة حق بنما في إدارة قناة بنما التي تتولاها أمريكا منذ 1903 ، واستطاع عقد معاهدة مع الرئيس الأمريكي كارتر يسترد من خلالها حق بلاده في القناة، ورفض طلب الرئيس الأمريكي ريغان لإعادة التفاوض حول معاهدة قناة بنما.

 واتجه عمر لإقامة قناة جديدة لبنما ، على مستوى البحر دون هاويس ، يمكنها استيعاب عدد أكبر من السفن بتمويل يابانى ، مما أثار حنق الشركات الأمريكية عليه ، ورغم قوله إنه لا يقف ضد أمريكا ولكنه يقف في صف حقوق الفقراء، إلا أنه قد لقى مصرعه في نهاية يوليو 1981 في حادث طائرة، من خلال قنبلة بالطائرة ، على يد رجال المخابرات الأمريكية .

وفى 1988 انتخب الفقراء في فنزويلا هوغو شافيز رئيساً بأغلبية ساحقة ، والذى ندد بسياسة أمريكا الامبريالية وانتقد العولمة ، وفرض قانون جديد للتنقيب عن البترول ليضاعف النسبة التي تدفعها شركات البترول  الأجنبية للدولة. وقامت الولايات المتحدة من خلال مخابراتها بحشد الناس بالشوارع والإضراب العام ، لإرغام شافيز على ترك السلطة وشارك في الاضراب ثلاثين ألف من عمال شركات البترول ، وتقديم رشاوى لضباط الجيش الذين تلقى بعضهم تدريبا في جهات أمريكية لعمل انقلاب ضد شافيز .
 وتم بالفعل الاطاحة به ، لكنه عاد الى السلطة خلال 72 ساعه ، مع وقوف الجيش بجانب الشعب وكذلك شركات البترول الحكومية ، الى جانب انشغال أمريكا في حربها في افغانستان والعراق في ذلك الوقت ، وعدم استعدادها لفتح جبهة ثالثة في وقت واحد . ولأسباب مشابهة وأخرى متوقعة جرى دعم -أو السكوت عن-الانقلاب ضد د. محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر في يوليو 2013.

_______________________

*نقيب الصحفيين المصريين سابقاً 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه