لماذا يا حمزة نمرة؟!

منذ اكتشفت حمزة نمرة في ألبومه “احلم معايا” وأنا أتابع أعماله بإعجاب. مثل كثيرين، لفت نظري تميّزه وحرصه على الكلمة الهادفة واللحن الجميل، وزاد إعجابي به، تجربته مع تلفزيون العربي التي أثمرت باكورة “الريمكس” (بما معناه المزْج) لمجموعة أغاني تراثية من بلدان مختلفة بأداء موسيقي حديث. كل الريمكسات بدون استثناء نالت نجاحا باهرا أكّد أن حمزة نمرة ثابت على النّأي بفنّه بعيدا عن موجة الرداءة الجارفة. غير أن ريمكسه الأخير “قمر الغربة” مع مغني راب تونسي أثار حفيظة جزء من معجبيه الأوفياء على صفحات التواصل الاجتماعي. فهل هي هفوة من حمزة نمرة؟

أبو تريكة الفن

    بداية، أفضّل التذكير باختصار بخصوصية أعمال حمزة نمرة لفهم مؤاخذات جزء من جمهوره على الاختيار الأخير. وأعتقد أن أبلغ تعريف لهذا الفنّان هو أنه “أبو تريكة الفن”. فلا أحد يجرؤ على التشكيك في نجومية أبو تريكة الرياضية وتميّزه وكذلك هي القيمة الفنية لحمزة نمرة، غير أن نجم كِليهما ساطِع خارج أرضه، مصر. ولا يخفى على أحدٍ أن النظام العسكري الحاكم هناك يرى في هذين النجمين وغيرهما من المواهب المصرية “خطرا” على الذوق العام لذلك كان سببا في تهجيرهما.

   حمزة نمرة موسيقي ومُغنٍّ ثلاثيني يمثّل وجدان جيل شبابي مصري عريض، لاحت مؤشرات نُضجه منذ أول ألبوم في 2008 وأكّد التزامه بهذا النضج حين التحم مع ثوار 25 يناير في التحرير وغنوا جميعا “احلم معايا” إيمانا بالمستقبل الأفضل. غير أن انقلاب 3 يوليو طوى صفحة الحلم وأجبر حمزة وغيره من الأحرار على الهروب من مصر نحو أراضٍ آمنة تؤمن بموهبته وحقه في الحلم. وفي الوقت التي فتحت فيه القنوات المصرية فضاءاتها لأسماء مثل حموبيكا وعفرتو وشطة وغيرها من الظواهر المرضية العجيبة، سعى تلفزيون العربي عند انطلاقته لاستقطاب أسماء مثل حمزة نمرة وبلال فضل وجو شو وغيرهم من المواهب المصرية التي كادت تُهدَر. وأثبتت هذه الخطوة نجاح رهان هذا التلفزيون اليافع على هذه الأسماء، بدليل أن البرامج التي خصّصتها لهم ما انفكت تستقطب جحافل من الجمهور النوعي. وباعتبار أن ثمرة شراكة حمزة نمرة مع تلفزيون العربي لم تقطع ملامح روح حمزة نمرة الفنية. بل الأكثر من هذا ساهمت أغاني “الريمكس” في التخفيف من جرعة “الالتزام” الغالبة على أعمال حمزة السابقة وساهمت في حصد شهرة أوسع للفنان وللقناة على حد السواء. وبات نمرة بفضل الإخراج المتطور لباقة الأغاني التراثية المختلفة التي يُؤدّيها مع فرق موسيقية أو فنانين مشهورين على شكل حفلات حيّة في الشوارع، خيارا فنيا يروق لكلّ الأعمار. وإن كانت الكلمات التي يغنيها هادفة منذ بداياته، فإن الإيقاع الخفيف والعصري عكس مدى استفادته من تعمّقه في دراساته الموسيقية العليا.

اختيار غير موفق

العجيب الذي أثار حفيظة جانب من الجمهور التونسي خصوصا، أن الريمكس الأخير “قمر الغربة”، كثاني أغنية تونسية له، أظهر حمزة نمرة وكأنه أخطأ الاختيار أو “غلّطوه”. فرغم أن الأغنية جاءت بإيقاع وتصوير جميل إلا أن الكلمات كانت غير مدروسة بالمرّة، علاوة على مدى وجاهة اختيار مغني الراب التونسي “أرميستا” الذي رافقه. فالتونسيّون لم ينسوا الاختيار الرّاقي لنمرة مع أولى نسمات الربيع العربي عندما أعاد توزيع أغنية “هيلا هيلا يا مطر” من كلمات الشاعر آدم فتحي.

  في الحقيقة النّقد تلخّص في الجملة التالية “الفن التونسي زاخر بأغاني أجمل بكثير، خسارة يا حمزة” ولم يتناول التجريح لشخص “أرميستا”، أو لون الراب كاختيار فني شبابي، فحمزة نمرة سبق وأن قدّم دويتو مع فنان الراب المصري “زاب ثروت” بعنوان “الصُّحاب” هذه السنة، ولاقى استحسانا كبيرا. لكن يكفي أن يتأمّل حمزة أو المستمع نفسه في كلمات “قمر الغربة” كي يقف على المُعجم الذي ساهم في تدمير نفسِيّة جيل شبابي مُهمّش بطبعه، مُغجم يتغنّى بالغربة، الـ”الحرقة/ الهجرة غير النظامية”، المخدرات (عقلي تمحن صار طايع لِهموم البودرة و الفجايع/ عقلي ابتُلِي و اصبح مُطيع لهموم المخدرات و الفواجع)، اليأس (سممنا النيكوتين من التخمام شاب الراس/ هذا المكتوب هذا زهري، قليل البخت…)، الارتماء في حضن المجهول (نعمل ما في راسي و الي يصير يصير، نحب نطير و نعيش كما الناس…). وهو توجّه متلائم جدا مع مايقدّمه “أرمستا” ومن يشبهونه من مغني الراب في تونس والمغرب العربي عموما، موسيقى إيقاعية مع صور تُلخّص الرّفاه المادي في لباس وهواتف وسيارات آخر صيحة مع كلمات من هنا وهناك تتغنّى بالفقر والتهميش، يطرب لها الجميع وتُسمع على مدار الساعة.

     في الحقيقة هذا المُعجم مُتداول جدا في أغاني راب كل بلدان شمال افريقيا، ويلقى رواجا كبيرا باعتبار أنّ الإعلام في تونس ومصر خصوصا، يُشعرنا بأنه مُكلّف رسميا بتلويث الذوق العام من خلال الترويج لهؤلاء وفي نفس الوقت توصد الأبواب أمام أسماء على غرار “الجوكر”، “كايروكي”…تتغنّى بالقضايا الجادّة للمرحلة، وتطرحها بإيقاع راب حديث مع الحرص على تميّز المعجم اللفظي.

    حمزة نمرة لم يقترف هذه الهفوات في بداياته، فكيف له أن يقع فيها وهو الآن بالنضج الذي عرفناه به؟ كيف لحمزة أن يغني في نفس السنة مع الفنان الراقي أحمد قعبور ولِناس الغيوان ويُتحفنا في الشهر الماضي بريمكس ساحر لـ “يما مواويل الهوى” ثم يرضى أن يختار من كل التراث التونسي “أغنية حشاشين”؟؟

لا نقد يطال الجانب الموسيقي لنسخة “قمر الغربة” مع حمزة نمرة، لكن المضمون وصورة مغني الراب لا تتلاءم أبدا مع رسائل حمزة نمرة.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه