لماذا تعاطف العالم مع صبية تايلاند فقط؟

في حالة كهف تايلاند خلق الإعلام العالمي حالة شبه جماعية عندما وضع أخبار الأطفال تحت التركيز الإعلامي فتفاعل معها دماغ البشر بشكل يصنفهم في مرتبة الجماعة

هل معقول أن حالة نقص الانسجام النفسي أو ‍انعدام الشعور التي تسمى علميا بالألكسثيميا     Alexithymia  ” هي المسؤولة عن سلبية البشر، و الشعوب،  تجاه ما تتعرض له من اعتداءات، وظلم،  وجور؟، ولماذا لا ينتفض الناس ضد انتهاك أدميتهم، وحقوقهم التي تتعدد صورها؟ سواء كان ذلك بالتجويع تارة، أو الترويع تارة أخرى، أو الضغط المستمر عليهم من قبل حكومات لا تعرف الرحمة، حتى يهجروا الأوطان باحثين عن أوطان أخرى لا ترحب بهم غالبا.   

أحداث كثيرة التي تقع يوميا حولنا في هذا العالم، ولا يستطيع أحد أن يعطي لها تفسيرا منطقيا يتوافق مع منطق العقل الإنساني في الرحمة ومساعدة الضعيف، بالضبط كما يحدث الآن في أوربا السياسية التي تتكتل في شكل تيارات يمينية وشعبوية تقف في وجه موجات اللجوء التي تهرب إلى القارة بحثا عن بقايا إنسانية تنقذهم من الخراب الذي يطاردهم ـ فهل موت الشعور هذا حالة مرضية جماعية؟

التعاطف مع صبية تايلاند

هذه الأسئلة الحائرة التي عادة ما تدور في ذهن الناس يوميا.. حاول البروفيسور الألماني “فيليب كانزكي” المتخصص في علم السلوك الاجتماعي الإنساني في جامعة دريسدن أن يجيب عليها في معرض رده حول سؤال طرح عليه في مقابلة صحفية – وهو لماذا تعاطف العالم أجمع مع صبية تايلاند الذين احتجزوا في كهف عدة أيام قبل أن يتم إنقاذهم، ولم يتعاطف مع أفواج اللاجئين التي تغرق يوميا في البحر المتوسط وهم في طريقهم إلى أوربا بحثا عن ملاذ آمن؟ أيضا لماذا لم تسجل حالات من التعاطف الإنساني العالمي مع أطفال الحروب في سوريا، والعراق، واليمن على غرار أطفال تايلاند؟  

يقول فيليب كانزكي: الأمر الطبيعي في سلوك البشر هو التعاطف مع مصائب الآخرين، والتعاطف هو غريزة بشرية تساهم في إنقاذ أناس وقعوا في مصيبة ما، لكن عندما يتحول هذا التعاطف المفترض إلى حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام فإنه يصبح حالة مرضية يطلقون عليها في علم النفس ؛Alexithymiaوهذا يعني أن من يصابون بهذه الحالة يصبحون سلبيين لدرجة كبيرة، ولا يتفاعلون مع ما يدور حولهم من أحداث، ولا يظهرون أي نوع من الاهتمام وتتبلد مشاعرهم تماما!

ـ “الألكسثيميا “وفق التعريفات المرجعية لها تُعرّف بأنها نقص حاد في الانسجام مع النفس، وتبلد في المشاعر، وتظهر أعراضها علي شكل اضطراب نفسي يعجز فيه الإنسان عن التعبير بالكلام عن المشاعر والأحاسيس الخاصة به فيظهر مضطربا لا رأي له غير مبالٍ بالآخرين.

لا شك أنه في حالات معينة يمكن تطبيق هذه الحالة على الشعوب، ومحاولة إيجاد تفسير لعجزها عن تغيير واقع السياسات التي تحكمها إلى الأفضل، خاصة عندما تتعرض إلى الظلم وتفشي الفساد بكل أنواعه وعلى كل المستويات لتحويل الشعب إلى أرقام صفرية لا قيمة لها؛ فيصبح انتفاضها أمرا محتوما لكنها لا تفعل!!  

تفسيرفيليب كانزكي حول ذلك يرى أن الانسجام النفسي للناس في هذه الحالة   تحدده خصائص الضحايا أنفسهم، ومدى إمكانية تأثير المقهورين والمعذبين في جلب حالة من التعاطف معهم أم لا؟!

واحد من أهم تلك الخصائص هو الانتماء الجماعي للناس، فإذا كان الشخص ينتمي لنفس الجماعة التي تعاني من نفس المعاناة يكون التضامن أقوى معه، لهذا قد نشعر بالتعاطف الفوري مع المجموعات القريبة منا، أما إذا كان الشخص لاينتمي إلى مجموعتنا فإن الشعور بالتعاطف يكون بعيدا وصعبا.

التركيز الإعلامي

 في حالة كهف تايلاند  خلق الإعلام  العالمي حالة شبه جماعية عندما وضع أخبار الأطفال تحت التركيز الإعلامي فتفاعل معها دماغ البشر بشكل يصنفهم في مرتبة الجماعة،  في حين أن ضحايا اللاجئين الغرقى في البحر، أو المسجونين في سجون الدول الديكتاتورية، أو حتى انتشار ظاهرة خطف الأطفال وسرقة أعضائهم الداخلية وبيعها للعصابات الدولية  لا تحظى بالعناية الإعلامية الكافية،  بل المحزن أن  هناك إعلاما معاكسا يهدف إلى  تصوير البعض على أنهم  ضرر على المجتمع ، وهذا ما لا يستطيع معه خلق حالة إجماع يحدث معها التعاطف  الدولي.

مثل أخر للألكسثيميا عند الشعوب، هو ما حدث بعد الثورات العربية في الربيع العربي، فعندما فشلت تلك الثورات، وتم الالتفاف عليها، وعاد القهر والظلم في المجتمعات، ساد الإحباط والتخبط وهذا ما يتفق مع حالة الالكسثيميا التي تصيب الإنسان، فهي غالبا تأتى بعد أن يتعرض الإنسان لصدمة كبيرة وهو ما حدث بالضبط، فبعد أن تعلق الناس بآمال وطموحات كبيرة، انهارت كلها وأصبحوا الآن غير قادرين على التعبير عما يجيش في صدورهم نتيجة تأثرهم بالصدمة.

لا شك ان لكل مرض علاج، ويوم أن يتخلص العالم من كل من مسببات الأمراض الاجتماعية التي أتي بها متطرفون، يمينيون، وديكتاتوريات ظالمة، وسياسيون فاسدون، فإن العلاج يصبح سهلا ويسرا وعندها سيعود الناس للعمل معا من أجل تغير واقعهم إلى الأفضل والأحسن في ظل مناخ صحي خالٍ من كل تلك الأمراض الاجتماعية والنفسية.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه