لماذا أحب المشتاقون للحاكم العادل “كوليندا”

حالة من التعاطف أصابت المواطنين تجاه الرئيسة الكرواتية كوليندا كيتاروفيتش بمجرد مشاهداتها في مدرجات الجمهور الكرواتي أثناء مباريات كأس العالم ومشاهد تشجيعها لفريقها الكروي.
وبالطبع لم تكن هذا المشاهد في ذاتها هي السبب وراء هذا التعاطف، فمثل هذه المشاهد فعلها معظم حكام الدول المشتركة في البطولة، والأمر لا يتعلق أيضا بما رآه البعض تقديرا من الشعوب لجمال وحسن وجه الرئيسة الكرواتية؛ فالشعوب مع اهتمامهم بالجمال وتقديرهم له إلا أنه لا يمثل دافعا كبيرا في مواقفهم وخاصة التي تمتد بشكل نسبي خلال حيز زمني، فالمصريون مثلا لم يحبوا تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل رغم جمالها و”دلعها” المبالغ فيه أمام المسؤولين المصريين الذين قابلوها آنذاك بحفاوة انتقدها الشعب المصري.

إذن هناك دوافع أعمق وراء هذا التعاطف المتدفق بقوة في فترة زمنية من قبل الكثيرين تجاه الرئيسة الكرواتية، وهو على الأرجح متعلق باحتياجات أو فراغات في وجدان المواطنين فيما يتعلق بالعلاقة بين الشعب والحاكم.

وقبل الانتقال إلى مشاهد مقارنة بين شكل وطبيعة الحاكم في هذه البلدان المشتاق أهلها، والذي غالبا ما يحاط بشعبية مسيّرة، وشكل وطبيعة الرئيسة الكرواتية المحاطة بشعبية مخيّرة خرجت عن حدوده وطنها، أوضح أن حالة تعاطف المواطنين مع حاكم أجنبي لتميزه بميزات يفتقدونها في أوطانهم أو في حكامهم هو أمر تكرر كثيرا من قبل.

لا أريد الرجوع تاريخيا سنوات طويلة منذ أن هاجر المسلمون إلى الحبشة حيث الملك العادل غير المسلم الذي كفل لهم الحماية بدوافع إنسانية جعلته يتحمل مخاطر ثورة قومه عليه، ولكن الشاهد أن المسلمين آنذاك وجدوا في عدل هذا الحاكم وإنصافه ما يميزه عن حكام أقوامهم رغم أن كلاهما لا يدين بدين المسلمين المهاجرين.

وحتى عندما اختار المصريون محمد علي لحكم مصر لم يهتموا كثيرا بجنسيته، وقدموا من عوامل الاختيار ما يتعلق بما رأوه منه من عدل وقرب ورفق بالمصريين، وذلك بصرف النظر عما أثبته التاريخ بعد ذلك من زيف مشاعر محمد علي تجاه المصريين وخداعه لهم.

 هتلر

وأثناء الحرب العالمية الثانية دخلت مصر الحرب بجانب بريطانيا التي كانت تحتلها بموجب اتفاقية دفاع مشتركة وقعها الساسة المصريون على أمل حصول مصر على استقلالها بعد الحرب (وهذا ما لم يحدث)، وكان الشعب يشعر بالقهر من المحتل البريطاني وظلمه واستغلاله له أثناء الحرب، ورغم وضوح مساوئ النازية الألمانية التي كانت تقود دول المحور في حربها ضد الحلفاء ومن بينهم بريطانيا، ورغم أيضا وضوح خطورة فاشية سياسة إيطاليا التي كانت تحارب في بداية الحرب بجانب دول المحور قبل هزيمتها والإطاحة بالحكم الفاشي والانضمام للحلفاء، رغم كل ذلك غض المصريون نظرهم عن كل هذه المساوئ تحت ضغط مساوئ وضغوط الاحتلال البريطاني ورؤوا في نازية هتلر وفاشية موسوليني وسيلة للتخلص من الاحتلال البريطاني.
ومن هنا كان وجدان البعض من الساسة والعسكريين المصريين ينحاز تجاه الألمان ومن بينهم الضابط عزيز المصري الذي كان يكره الإنجليز وخرج الشعب المصري يهتف «يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز»، في هذه اللحظة كان الموقف الرسمي المصري بجانب إنجلترا والحلفاء والموقف الشعبي بجانب ألمانيا والمحور، والشاهد أن وجدان الشعوب تذهب حيث وجود ما تفتقده حتى لو كان هذا الوجود غير صالح لها.

ولادة طبيعية لحاكم

كوليندا كيتاروفيتش رئيسة شابة لدولة تعد من الناحية السياسية دولة ناشئة حديثة رغم قدم المجتمع الكرواتي، وطبيعة ولادة كوليندا كحاكم لكرواتيا، وبصرف النظر عن سياستها وعن سلبياتها أو إيجابيتها هي طبيعة تجعل أي حاكم في مكان القبول الشعبي أو بتعبير آخر أقرب للمنطق من الحاكم الذي يقفز على شعبه بفعل مؤامرة أو انقلاب أو مستندا على مؤسسة تمتلك القوة وتفرضه بها.

هي حاكم لم يولد بشكل قيصري أو ولد مبتسرا ليكتمل نموه عبر حضانات مؤسسات قمعية؛ فقد التحقت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ونالت شهادات في الآداب بالإنجليزية والإسبانية، وحضرت دورات دبلوماسية وحصلت على دراسات عليا في مجال العلاقات الدولية وشهادات عديدة في هذه المجالات وشغلت مناصب دولية ودبلوماسية، والقائمة كبيرة، ولم تكن مجرد دارسة أكاديمية أو صاحبة مناصب دبلوماسية بل كان لها رؤية متكاملة في علاقة الحكم بالشعب وكيفية تنمية الشعوب والنهوض بها، خاصة أنها جاءت في الفترة الحرجة التي أعقبت استقلال كرواتيا وتصنيفها من قبل البنك الدولي كاقتصاد نامٍ وناشئ، وتعرضت للعديد من المؤامرات بسبب مواقفها والتي وصلت في بعض الأحيان إلى عزلها من مناصبها.

لكل هذا ودون الدخول في تفاصيل استطاعت كوليندا التي رشحها الاتحاد الديمقراطي الكرواتي للانتخابات الرئاسية الحصول على أصوات الشعب الكرواتي في معركة شديدة الصعوبة أمام الرئيس الموجود آنذاك والذي رشح نفسه لدورة ثانية إيفو يجوسيبوفيتش ومرشحين آخرين.

الحكم والجيش

امتلكت كوليندا رؤية سياسية في علاقاتها مع الجيش ولم تلجأ لأسلوب الحكام المبتسرين الذي يحولون الجيش لآلة فاشية تضمن حمايتهم واستمرارهم في الحكم، كما أن هذه العلاقة منطقية في ظل وجود حاكم وصل إلى كرسي الحكم عبر المؤسسات المدنية الشعبية والسياسية وليس عبر قوة وإرهاب وضغط المؤسسة العسكرية وفي 24 أغسطس/آب 2015 أصبحت كوليندا القائدة العُليا للقوات للمسلحة،وأجرت عدة تغييرات وتعديلات على مستوى المجال العسكري، ومن أهم القرارات التي اتخذتها في هذا المجال هو رفضها انضمام حركة فاشية للقوات المسلحة،وفي هذا الصدد قالت: “إن دولة كرواتيا المستقلة كانت أقل استقلالية وأقل حماية لمصالح الشعب الكرواتي، لقد كان نظامها نظاما إجراميا بالفعل…. يجب مكافحة الفاشية فهذا هو أساس الدستور الكرواتي”.

أهم ما أنجزته كوليندا لشعبها في أقل من ثلاث سنوات حيث تعتبر كرواتيا في مرتبة عالية بين دول وسط أوربا من حيث التعليم والصحة ونوعية الحياة ونهضت بالاقتصاد الكرواتي الذي يتصدره قطاعات الخدمات والزراعة والصناعة واحتلت كرواتيا المرتبة الثامنة عشر ضمن الوجهات السياحية في العالم، وتوفر كرواتيا الرعاية الصحية الشاملة ونظام التعليم المجاني لشعبها، وتميز الشعب الكرواتي في هذه الفترة بكثرة مساهماته في مجال الثقافة العالمية والرياضة.

شعوب مشتاقة

فإذا كانت هناك شعوب تعيش تحت حكم يسيطر عليه حكام مدنيون أو عسكريون يستظلون بمظلة بحماية مؤسساتهم العسكرية، ويستقون بها على شعوبهم وتتجه سياستهم الاقتصادية اتجاها منعكسا نحو فتح مجال الثراء الفاحش لفئات محدودة من المتصلين بدوائر الحكم والفاسدين والمنتفعين مقابل زيادة مساحة الإفقار لفئات كثيرة من الشعب تحت دعاوى أن الشعوب فقيرة، وأن الوطن محاط بأخطار ومؤامرات غير مرئية.
إذا كانت هناك شعوب تعيش تحت راية حاكم يطعمهم صباحا كلمات عاطفية عميقة الحنان ليستقبلوا مساءهم ويناموا لياليهم جوعى ومرضى وعرايا.
 إذا كانت هناك شعوب تعيش تحت مظلة حاكم يبيع أرضها ويسجن أبناءها، ويدلل على صكوك جنسيتها، إذا كانت هناك شعوب تعيش في ظل نظام فاشٍ يفرض العقوبات بالسجن والتشريد والتجويع والمطاردات على كل من تسول له نفسه ويتمسك بكلمة الحق…. إذا كانت هناك شعوب على هذا الحال فيكون المنطقي أن تنظر نظرة اشتياق لحاكم عادل يحب شعبه ويحنوا عليه بإجراءات حقيقية وليس مجرد كلمات جوفاء…… لهذا أحب هؤلاء المعذبون شخصية كوليندا ومن قبلها أردوغان.

إنه اشتياق الفقراء للحرية والعدالة الاجتماعية والحاكم المنصف.

ملحوظة: أي حاكم يرى أي تشابه بينه وبين ما ذكرته فهذه مسؤولية فخامته. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه