لله ثم للوطن

مذبحة رابعة وصفتها هيومان رايتس ووتش بأنها أسوأ واقعة قتل جماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث

يقيناً لم تكن ثورة يناير قراراً من مكتب الإرشاد ، ولم تكن كذلك قراراً من أي حزب أوهيئة أو زعامة.

ويدرك الجميع على وجه اليقين أيضاً أن شباب الإخوان كانوا من أبرز منطلقات الثورة ومددها، وعمقها ووقودها، ولم يتخلف هؤلاء الشباب عن أي مرحلة من مراحلها.

لم يكن التآمر والمكر والانقلاب على الثورة والثوار خاصًا بالإخوان وحدهم، وإن كان الإخوان قد نالهم القسط الأوفر، والنصيب الأعظم من التنكيل والتدمير والطغيان، إلا أن كل القطاعات التي شاركت في الثورة نالها قسط مما نالهم كل بقدره.

 

اقترحت مع بعض الفضلاء على قيادة الإخوان في اعتصام رابعة تسليم الاعتصام للثورة والثوار، ليشكل الشباب مجلساً لقيادة الثورة،  إلا انهم أبوا

لم يكن النضال من أجل استنقاذ الوطن  وحريته ، وكرامة الإنسان وإرادته، ومنطلقات الثورة  ومكتسباتها شأنا إخوانيًا يحتاج إلى قرار من مكتب أو مجلس أو هيئة تنظيمية، وإنما كان ولا يزال واجب جميع الأحرار، وأمانة كل الثوار، وإن كان لا يُنكر منصف أن أبناء الإخوان قدموا من دمائهم وأموالهم وأولادهم وأنفسهم ما سيقف التاريخ عاجزًا عن تسجيله والإحاطة به.

 وأذكر أنني اقترحت مع بعض الفضلاء على قيادة الإخوان في اعتصام رابعة، وبالتحديد في اليوم التالث للانقلاب العسكري  تسليم الاعتصام للثورة والثوار، ليشكل الشباب مجلسًا لقيادة الثورة، يتعامل مع الانقلاب بما هو أهله، بعقلية الثورة وإبداعها المتجدد، وفوران الثوار، ووحدة منطلقاتهم، إلا أنهم أبوا ظنًا منهم وقتها أن الأمور لن تكون بهذا السوء.

إن حماية النفس والمال والدين والعرض، والدفاع عنها ، وطلب القصاص ممن أهدرها أو أهدر بعضها ليس شأنا تنظيميًا يوافق عليه الإخوان أو يرفضوه حتى بالنسبة لأتباعهم، وإنما هو حق شرعي، واستحقاق ثوري، لا تملك الجماعة أو غيرها منعه أو منحه، وهو كذلك شأن وطن وشرع ومصالح ومفاسد يقررها أهل الحل والعقد من علماء الأمة ومفكريها .

 

الإخوان لم ينتخبوا قيادتهم التنظيمية لقيادة الثورة وإدارة صراعها، وإنما انتخبوهم لإدارة التنظيم وحماية الدعوة ونشرها، لأنهم يدركون أن مواصفات قيادة التنظيم ليست يقيناً مواصفات إدارة الصراع

 

إن الرئيس مرسي ـ فك الله أسره ـ ومكتسبات الثورة من دستور وبرلمان وغيرها ليس شأنا خاصًا بالإخوان وحدهم، يتمسكون به أو يتنازلون عنه، بل هو شأن مصري ثوري، يجب على كل الأحرار والثوار المحافظة عليه، والانتصار له، وحمايته من غدر الثورة المضادة وإجرامها، والأمور تقدر بقدرها ، حسب المعطيات والإمكانات وفقه الواقع وطبيعة الصراع.

إن الإخوان لم ينتخبوا قيادتهم التنظيمية لقيادة الثورة وإدارة صراعها، وإنما انتخبوهم لإدارة التنظيم وحماية الدعوة ونشرها، لأنهم يدركون أن مواصفات قيادة التنظيم ليست يقينًا مواصفات إدارة الصراع، فلكل ميدان رجاله، ولكل قوس باريها، وإذا كان الحباب بن المنذر -رضي الله عنه- لما تأكد في غزوة بدر أنها الحرب والرأي والمكيدة وليست النبوة والوحي قال للنبي صلى الله عليه وسلم مع علو مقامه ورفعة مكانه : ” …إذاً هذا ليس بمنزل ) فما بالك بمن ليس نبياً!!

ـ إن دحر الانقلاب وتطهير البلاد من رجسه يحتاج إلى أمور:

أولها : الإيمان بأن استنقاذ الأسرى من معتقلات الطغاة، واستنقاذ البلاد من قبضة الفجار واجب شرعي، وضرورة وطنية، وحتمية ثورية، لا يسع صادق  أن يتأخر عنه أو يتردد ، أو يسوّف في سلوك كل سبيل مشروع لتحريرهم ، فهم أولوية القضية وجرحها النازف وأمانتها الكبرى.

ثانيها: يجب على الجميع التكاتف والتعاون والانطلاق لاعتماد رؤية شاملة تعيد للثورة شبابها، وللأمة أحرارها، وللوطن حريته، وللمجتمع تماسكه، دون التفات أو تلكؤ، وهناك جهود كبيرة بُذلت في هذا المجال يمكن الإفادة منها والبناء عليها.

ثالثها: وجود جبهة ثورية شاملة صادقة تتمكن من إدارة المشهد والوصول إلى إقناع الداخل والخارج برؤيتها، وحبذا لو كانت من مُخرجات الميدان، وممن يتسمون بالجسارة والإقدام، ولهم في النفوس قدر من الثقة والاطمئنان.

رابعها:  نجاح تلك الجبهة في اكتساب ثقة الشعب وانتزاع تفويض منه بأي إجراء ثوري ، وساعتها سيزلزل الثوار أركان الباطل، ويهدموا بنيانه، غير عابئين بطغيانه، وسيعيدون مصر لأهلها وشعبها لا لأهلهم وحزبهم.

وأخيراً أقول: إن هناك من العلماء والرموز والرواد في داخل البلاد وخارجها من هم على استعداد للانطلاق والتعاون البناء، والمشاركة الفاعلة في رسم الخريطة ورفع لواء الوحدة، لتحرير الإنسان، وتطهير الأوطان، وإرضاء الرحمن، حتى تعود للوطن مكانته، وتعود للشعب حريته وإرادته، وإن هؤلاء العلماء والرواد ليدركون بوعي كامل أن مصر تستحق التضحية بكل غال وثمين، لاستنقاذها وتحريرها.

وأزعم أن منهم من هو على استعداد لتقدم الصفوف الثائرة على الباطل وحزبه، حالة توفر الشروط السابقة، والاتفاق على رؤية واضحة ، حتى ولو كان السبيل إلى ذلك نزولهم إلى ميادين مصر لا يخشون إلا الله، متيقنين بنصر الله ومدده، وهم يعتقدون أن زوال الباطل عقيدة راسخة، ونصر الحق يقين لا يخالطه شك؛ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.   

    اللهم قد بلغت اللهم فاشهد؛ وللحديث بقية إن شاء الله.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه