لعبة الحرب السورية بين الواقع والافتراض

 

الفوضى التي أحدثها النظام السوري في بداية الثورة السورية آتت أكلها بأسرع مما يتوقعه النظام نفسه، وبالمقدار الذي حافظت فيه على حصار الثوار قبل أن يستوعبوا ما يجري بالضبط

وحتى بعد مضي ست سنوات على القيامة السّورية ما زال البعض مخدرين بتلك الجرعات القاتلة التي برع النظام في تجريعها للشعب من الطرفين المؤيد والمعارض، مستخدماً الدين أداة لجرِّ هؤلاء إلى مستنقع الطائفية، والحرب باسم الدين.

لم يشك أحد من الشباب المتحمس للدفاع عن البلد والثورة في نوايا الداعمين للفصائل المسلحة التي رفعت الرّايات السّود، كما لم يشك هؤلاء الشباب المغرّر بهم في القادة الأجانب الذين قدموا باسم الجهاد من جميع أصقاع الأرض فانضووا تحت تلك الرايات وقاتلوا باسمها وحلّ عليهم السّحر الأسود فلم يعودوا يفكّرون إلا في الانصياع لمن يقودهم.

ولم يكن لدى الشباب المقاتل تحت تلك الرايات أدنى شكّ في أنّ هؤلاء ليسوا سوى أدوات استخباراتية يديرها النّظام السّوري والدّول الدّاعمة التي حقّقت أغراضها بضخ المال وجرّ الشّعب السّوري إلى التّهلكة.

قد يبدو من غير المجدي أن نتحدّث هنا عن الوعي والتنوير والشباب الحر، فهؤلاء قضوا تحت التّعذيب في سجون الأسد ومعتقلاته، ومن بقي خارج هذا الإطار حمل السلاح وهذا بالنسبة للنظام ومن يدعمه الهدف الرئيس “الترويج للإرهاب من أجل إيجاد ذريعة لمحاربته”.

أخرج النّظام السّوري من سجن صيدنايا بالتّحديد الإرهابيين الحقيقيين ومنحهم الفرصة لحمل السّلاح وتشكيل قوى الإرهاب “داعش والنصرة” بدعم من فصائل عراقية أخرجها المالكي من سجن “أبو غريب” وهذا الأمر بات معروفاً لدى كلّ الأطراف، مع هذا يتعامى المؤيدون عنه بكامل وعيهم. ومع أنّهم يدركون تماماً أنّ الحقيقة غير ما يرونه ويؤمنون به، فإن قناعتهم بما يجب أن يكون أقوى بكثير من الحقائق التي يبصرونها بأم أعينهم. الحقائق التي ظهرت منذ سنوات على شكل فيديوهات مصورة عن طريق طيارة من دون طيّار أطلقتها روسيا في سماء المدن المدمرة حمص وحلب ومدن الشمال عموماً، تلك المناظر التي التقطتها الطائرة لحجم الدمار في حلب الشرقية وبستان القصر تحديداً تفوق بشاعة المناظر المصورة لألمانيا بعد الحرب العالمية. ولكن لماذا صوّرت روسيا تلك الفيديوهات وجعلتها متاحة لروّاد يوتيوب ليروا بأم أعينهم حجم الدمار والمآسي التي ساهمت فيها روسيا بشكل كبير في البداية ثمّ صار لها السبق في تدمير سوريا؟ إنّها لعبة، نعم مجرد لعبة إلكترونية، لعبة فضائية بدأت على الأرض بتصوير عالي الدقة حيث يمكنك أن تدخل مدن الأشباح تلك وقلبك يعتصر من الألم، ثمّ ترى بعينيك ماذا صنعت روسيا!

الأيدي الخفية:

أطلقت شركة روسية لعبة إلكترونية عن الحرب في سوريا ادّعت أنّها تقدّم الأحداث بمصداقية من خلالها بعيداً عن نشرات الأخبار التافهة والأفلام الوثائقية! وقد خرج المشروع إلى النّور العام الماضي بعد دعايات عبر مواقع التّواصل الاجتماعي لجمع التّبرعات من أجل دعم اللعبة!

وقد حذّرت منظمة “سيريا سوليدرتي” البريطانية من استخدام اللعبة لما تحويه من همجية يمكنها مساعدة “داعش” على تجنيد الشباب والمراهقين، كما أنّها تحاول طمس الحقائق وتحييد المأساة السورية من الوجود وإظهار ما يحدث على أنّه حرب على الإرهاب فقط. الشركة المنتجة للعبة طبعاً كذّبت تلك الاتهامات بادّعائها أنّها تقدّم مشروعاً توثيقياً يعتمد على الواقع بعيداً عن الخيال والإثارة الرخيصة. وتعرض أحداث الحرب على الإرهاب منذ بداياتها وحتّى الانتصارات الساحقة لروسيا على أرض الواقع!

الأيدي التي تحرّك الأحداث في سوريا هي نفسها التي صنعت لعب الأطفال الإلكترونية التي يستطيع فيها الطفل أو اللاعب تحريك العصابات واللصوص بواسطة “جهاز صغير” الريمونت كونترول.

قبل انتشار الفصائل الإسلامية المتطرفة في سوريا كان الجيش الحر يطالب العالم بمضادات للطيران، فقط مضادات وهو كفيل بالدفاع عن أراضيه وتحقيق النصر. لكن ذلك لم يحدث، فلم يكن للدول التي أشعلت الحرب وأرادتها حرباً على السوريين المدنيين الأبرياء وعلى اقتصاد وحضارة الدّولة السّورية أن توافق على إيقاف تلك الحرب قبل أن تؤدي الدور المرجو منها؛ لذا لم تسمح تلك الدول لإعلام الثورة بالخروج من نطاقه الضيق الذي لم يمتدّ إلى الوطن العربي حتّى أنّ هناك الكثير من العرب ما زالوا على جهل تام بما يجري في سوريا، وإن علموا بما يجري فعلمهم يقتصر على الإعلام الرسمي للنظام أو الإعلام الغربي الذي يروّج لفكرة الحرب على الإرهاب من قبل النّظام السّوري.

بينما وصل إعلام داعش إلى الصين واليابان ودول أوربا وأمريكا، السماح لذلك الإعلام بالوصول إلى تلك الدول هو نوع من الترويج لها لاستقطاب كلّ المتطرفين في العالم للمجيء إلى سوريا والقتال فيها.

ليس بشار الأسد من خلق داعش والنصرة بل هو مجرد جهاز تحكم بيد اللاعبين الدوليين الذين يحرّكونه كما يحرّكون القوى المتصارعة على الأرض، ويلعبون به كما يلعب أطفالهم بالمنتجات الإلكترونية التي صُمّمت خصيصاً لغسل الأدمغة وترسيخ فكرة العظمة الروسية المتمثلة بالانتصارات الهائلة على الأرض السّورية. ومازالت روسيا تتابع اللعب، والعالم يتفرج.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه