كيف يتوب مؤيد سابق للانقلاب؟!

ونحن دعاة ولسنا قضاة، علينا أن نتعامل بمنطق الدعاة لا منطق الجزار، الداعية كالطبيب يداوي المريض، ويفرح لشفائه ومعافاته، أما الجزار فهو ينتظر الذبيحة عند وقوعها.

عصام تليمة*
وردني هذا السؤال منذ عام تقريبا، وهو سؤال متكرر ودائم حاليا، وهو: أنا شخص مصري.. صدقت الإعلام ونزلت وفوضت، وربما صفقت وهللت للقتل.. واكتشفت الآن أني مخدوع، وأنه انطلى علي أكاذيب هؤلاء الناس وإعلامهم، وراجعت نفسي في الأمر فاكتشفت أنه ربما دفعني خلافي السياسي مع فصيل بعينه للشماتة فيما يجري له، والآن أشعر في داخلي بوخز الضمير، وأخشى من أن يطالني ما حدث لغيري وشمت فيه، ويمنعني من إعلان موقفي كذلك: خوفي من شماتة من شمت فيهم بالأمس، فماذا أفعل؟ وكيف أتوب؟
وأجيب بما يلي: أولا: لا شك في حرمة الدم وخطورته، حيث إنها كبيرة تستوجب عذاب الله، ولعنته وغضبه على سافكه، قال تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) النساء: 93، والتفويض والمشاركة في الدم تستوي في الوزر، لكنها لا تستوي في العقاب الدنيوي في الإسلام، فالقتل جزاؤه في الدنيا لمن قتل بنفسه: القصاص، أو عفو ولي الدم عنه. أما من فوض وشمت وفرح ورضي بالقتل، فقد اعتبره الله عز وجل في القرآن شريكا في الإثم، قال تعالى عمن قاموا بذبح ناقة نبي الله صالح: (إذ انبعث أشقاها. فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) الشمس: 12-14، فمن مارس قتل الناقة شخص قال عنه الله (إذ انبعث أشقاها)، ولكن عند الحديث عن الجريمة وتحمل الوزر قال: (فعقروها) بالجمع وليس بالإفراد، رغم أن القاتل واحد، لكنه جمع معه، من حرض، ومن فوض، ومن أيد، ومن رضي بذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: “إذا عُملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها -وقال مرة: فأنكرها- كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها”. فالرضا عن القتل إثم لا يقل عن إثم القاتل.
ثانيا: ما المطلوب بعد اكتشاف الإنسان ما وقع فيه من معصية، وشعر بخطئه، عليه أن يقوم بما يلي: الندم، بأن يندم على ما فعل من مشاركة للباطل، يقول صلى الله عليه وسلم: “الندم توبة”، والمقصود بالندم هنا: الندم على المعصية لكونها معصية، فإن النادم ينقلع عن الذنب في الحال عادة، ويعزم على عدم العود إليه في الاستقبال، وبهذا القدر تتم التوبة، إلا في الفرائض التي يجب قضاؤها، فتحتاج التوبة فيها إلى القضاء، وإلا في حقوق العباد، فتحتاج فيها إلى الاستحلال أو الرد، والندم يعين على ذلك.
أما المرحلة التي تعقب الندم، فهي: الاعتراف بالخطأ، والتوبة منه، يقول تعالى عن معصية آدم عليه السلام والاعتراف بها: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) الأعراف: 23، وقد علم الله صدق آدم في التوبة، فعلمه كيف يتوب، وماذا يقول: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه التواب الرحيم) البقرة: 37،
ويأتي بعد اعتراف الإنسان بالخطأ، مرحلة أخرى هي: وتتطلب التوبة – إضافة لما سبق – في هذه الحالة أمورا مهمة، أهمها: التبيين والإصلاح، بأن يبين ما وقع فيه من خطأ، وهل نتج عن موقفه أن انضم أناس معه للباطل وتأييد الدم، فلو كان ذلك فعليه تبيين ذلك لمن خدعوا به، وبكلامه، سواء إصلاح ما فسد بموقفه، أو العمل على الإصلاح بما نتج عن فكرته وموقفه، يقول تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة: 160.
وقوفة ضد الباطل الذي أيده: (وأصلحوا وبينوا). يقول الإمام محمد عبده: (لذلك اشترط في توبتهم إظهار إصلاحهم والمجاهرة بأعمالهم، ليكونوا حجة على المنكرين، وقدوة صالحة لضعفاء التائبين). ويقول الإمام الطاهر ابن عاشور: (وشرط للتوبة أن يصلحوا ما كانوا أفسدوا، وهو بإظهار ما كتموه، وأن يبينوه للناس، فلا يكفي اعترافهم وحدهم، أو في خلواتهم. وإنما زاد بعده وأصلحوا وبينوا لأن شرط كل توبة أن يتدارك التائب ما يمكن تداركه مما أضاعه بفعله الذي تاب عنه).
أما عن موقف أهل الحق من عودته، وتوبته، فعليهم ألا يكونوا عونا للشيطان عليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا تعينوا الشيطان على أخيكم”، فكل ذنب داخل تحت مغفرة الله وعفوه، ما دام قد تاب صاحبه منه، يقول تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء: 116، وقد غفر الله لبغي سقت كلبا، كان يأكل الثرى من العطش، فقد يغفر الله لإنسان صاحب كبيرة، أو ذنب، بإصلاح يقوم به يغفر له هذه الزلة، ونحن دعاة ولسنا قضاة، علينا أن نتعامل بمنطق الدعاة لا منطق الجزار، الداعية كالطبيب يداوي المريض، ويفرح لشفائه ومعافاته، أما الجزار فهو ينتظر الذبيحة عند وقوعها، وكل سعادته وقت ذبحها، وليس وقت فرارها من سكينه

________________

* من علماء الأزهر

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه