كيف عالجت نقابة المحامين أزمة الشرعية فيها؟ (1/ 2)

كنت ضمن الفريق الداعي لعقد الجمعية العمومية، وفي الصباح أغرى العدد الذي قدم دعمًا للنقيب بالتعدي على عدد من المحامين الداعين للجمعية وكنت واحدًا منهم.. يتبع

أحمد قناوي*

التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه ربما يكرر أحداثه بطرق مختلفة تقترب أو تبتعد، في الحالة المصرية لا يوجد شبيه لثورة 25 يناير 2011 إلا أحداث نقابة المحامين في يناير 1989م، وجه الشبه أن الأولى عزلت مبارك والثانية عزلت “الخواجة” نقيب المحامين في ذلك الوقت، كما أن الدولة العميقة نجت في الأولى بالعودة إلى المشهد بعد عزل مبارك، وفي الثانية دافعت الدولة العميقة عن ممثلها في ذلك الوقت “أحمد الخواجة” وفي الأولى كان الأمن حاضرًا قبضًا واعتقالاً، بل وقتلاً، وفي الثانية كان الشروع في القتل، ثم الاعتماد على جهاز من البلطجية، ثم اتخاذ قرارات شطب للمحامين المختلفين مع مجلس النقابة. الأولى حتى الآن فشلت في إجراء مصالحة، أما في الثانية نفجحت المصالحة في النهاية بانتخابات شفافة وديمقراطية، وكان نتيجتها إلغاء جهاز الأمن الذي تشكل قوامه من بلطجية وأصحاب سوابق  وأزيلت أسوار كانت قد جعلت نقابة المحامين في ذلك الوقت سجناً كبيراً .
بموجب مادة في قانون المحاماة تسمح لعدد محدد بالتقدم بطلب لسحب الثقة من نقيب المحامين وأعضاء مجلس النقابة، قُدِم في 18 من ديسمبر/كانون أول عام 1988 طلبا مصدقا عليه من 500 محامٍ بطلب وحيد وهو سحب الثقة من نقيب المحامين “أحمد الخواجة” وأعضاء مجلس النقابة، لم يوجه النقيب “أحمد الخواجة” طلبًا بعقد الجمعية، وبنص القانون “تنعقد الجمعية في تلك الحالة بقوة القانون برئاسة أكبر الأعضاء سنًا، فاعتمد النقيب “أحمد الخواجة” في ذلك اليوم على حشد المحامين أتباعه من المحافظات المختلفة، وجاءت إلى مقر النقابة حافلات تحمل محامين من الشرقية والمنوفية والغربية والصعيد ومحافظات القناة.
 كنت ضمن الفريق الداعي لعقد الجمعية العمومية، وفي الصباح أغرى العدد الذي قدم دعمًا للنقيب بالتعدي على عدد من المحامين الداعين للجمعية العمومية وكنت واحدًا منهم، لكن عند الساعة 12 ظهرًا توافد المئات والذين أصبح عددهم بعد وقت قليل آلاف من محامي القاهرة الكبرى، وأصبح عددهم أضعاف ذلك العدد من المحامين الذين استعان بهم أحمد الخواجة من محافظات مصر وفوق ذلك أنهم أصحاب قضية.
انسحب أنصار النقيب الأستاذ “أحمد الخواجة” من نقابة المحامين ولم يتبقَ معه إلا عدد ضئيل من مؤيديه، وانعقدت الجمعية العمومية في حديقة النقابة واتخذت قرارًا بالإجماع بسحب الثقة من نقيب المحامين ومن أعضاء المجلس وتم اختيار الدكتور “محمد عصفور” رئيسًا للجنة المؤقتة بنقابة المحامين. تحصن النقيب بمبنى النقابة، وتوجه الدكتور “عبد الله رشوان” بصفته رئيسًا للجمعية إلى مبنى النقابة لتسليم النقيب قرارات الجمعية العمومية بسحب الثقة منه ومن أعضاء مجلس النقابة، في تلك اللحظة أطلق محامٍ يعمل في مكتبه الرصاص من فوق سطح النقابة لإرهاب آلاف المحامين، ما أثار العدد الغفير منهم فاقتحم هذا العدد – من مكان تُرك مفتوحًا سهوًا – النقابة، وفي لحظات كان الآلاف داخل المبنى محاصرين للنقيب ومن تبقى معه، والذي حاول أن يستنجد بوزارة الداخلية فلم تسعفه وبات مهددًا بالحصار الذي لا يمكن رفعه عنه.
 كان “أحمد الخواجة” محاميًا ذكيًا، وعرف نقطة ضعف لدى “أحمد ناصر” المحامي – أحد أهم الداعين للجمعية العمومية – كانت نقطة الضعف هي (الشهامة) المعروفة عنه، فقال له الخواجة “أرجوك احميني وأخرجني من هنا سالمًا”. فتوجه إليه “أحمد ناصر” واحتضنه واصطحبه خارج النقابة وشيَّعه المحامون بشعائر جنائزية حسب وصف الصحف في اليوم التالي.
في هذه الأثناء قررنا الاعتصام في المبنى خشية تعرضه لأي شيء قد يُلصق بنا بعد ذلك، وبدأ الاعتصام وكان فيه المئات، كان ذلك يوم الخميس 19 من يناير/كانون ثاني 1989، ومضى يوم الجمعية عاديًا، وخرجت الصحف جميعها (الأهرام، الأخبار، الجمهورية) بخبر واحد هو نجاح الجمعية العمومية في سحب الثقة من نقيب المحامين وأعضاء مجلس النقابة.
 في يوم السبت نشر تصريح على لسان أحمد الخواجة بأنه سوف يعقد مؤتمرًا صحفيًا في مبنى نقابة المحامين يوم الأحد، فأدركنا أن أمرًا لا بد أنه يُدبر لاقتحام النقابة، وبالفعل في فجر يوم الأحد – وقد سبقه بساعتين على الأقل انسحاب سيارات الأمن التي كانت تحيط بالنقابة – تم هجوم بالأسلحة لكن استخدام “أحمد ناصر” لسلاحه ضد المهاجمين أدى إلى إصابة أحدهم وانسحابهم، وتبين فيما بعد أن المصاب متطوع في الجيش وأن اسمه ينتهي باسم عضو في مجلس نقابة المحامين، كان وقتها أمينًا لصندوق النقابة.
حاول “أحمد الخواجة” عقد مؤتمر صحفي في مبنى دار القضاء العالي فواجهه آلاف المحامين بشعار واحد (باطل – باطل) ما أدى إلى اختطافه داخل سيارة ميكروباص بمعرفة الأمن لإنقاذه من المحامين الغاضبين، وقد نشرت مجلة “أكتوبر ذلك في أول صدور لها.
في الصباح فرضت “قوات الأمن حصارًا على النقابة يمنع الدخول إليها أو الخروج منها، وفي العاشرة مساءً كان وزير الداخلية”زكي بدر” في داخل محل شهير للأسلحة، أمام النقابة، يتابع عملية القبض علينا بنفسه، وبنداء من خلال مكبر صوت قال مدير الأمن لنا “عليكم بالخروج من النقابة رافعي الأيدي” رفضنا تنفيذ الطلب، وبعدها بدقائق كانت قوات الأمن تقتحم النقابة وتلقي القبض علينا (12 محاميًا كنت ضمنهم) وهو العدد الذي تبقى بعد خروج عدد كبير لحضور الجلسات قبل فرض الحصار على النقابة.
تجمع آلاف المحامين عند نيابة أمن الدولة العليا في مصر الجديدة، ما أدى إلى إغلاق الطرقات أمام أي تحركات، وقامت النيابة بإصدار قرار بالحبس لنا جميعًا خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات، وفي اليوم التالي كان آلاف المحامين في دار القضاء العالي يتظاهرون دعمًا لنا ودعمًا لقرارات الجمعية العمومية التي سحبت الثقة من النقيب ومجلسه.
لكن القصة لم تنته بذلك.

____________________

*كاتب مصري ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه