“كلمتين يا مصر يمكن هما آخر كلمتين”!

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

نحن دولة بل ودولة عريقة مكتملة المقومات يسيطر عليها شبه نظام حاكم وشبه حاكم… لهذا سيبقى الكيان الحقيقي وستزول كل الأشباه إلى العدم أو إلى الجحيم.

“كلمتين يا مصر يمكن هما آخر كلمتين… حد ضامن يمشي آمن أو مأمن يمشي فين… رحم الله شاعرنا أحمد فؤاد نجمK ورحم الله كل من سبقونا في مأساة الوطن.

ما علينا… عندما يتحدث مفكر أو زعيم سياسي أو حاكم عادل عن ظواهر أو صفات سلبية فهو يكون بمثابة الطبيب الذي يعرف مواطن المرض والخلل لكي يعالجه، وعندما يتناول ديكتاتور فاشي هذه الظواهر والصفات السلبية في مجتمعه فهو يكون بمثابة نخاس يسعى لإقناع أسراه بأنهم وممتلكاتهم لا قيمة لهم حتى يبرر ويسهل مهمة التجارة في الأرض والعرض.

في عام 1959 كان هناك عامل ماركسي في مصر اسمه فوزي جرجس ألف كتابا وحيدا عن تاريخ الحركة الوطنية في مصر، ووضع الرجل يده على تشخيص لأزمة مصر من وجهة نظره السياسية كشيوعي يؤمن بأن هناك حراكاً يحكم التطور الطبيعي للمجتمعات من العبودية إلى المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي.
وكان الفكر الماركسي التقليدي مؤمنا بأن اكتمال كل مرحلة من هذه المراحل حتما سيؤدي إلى المرحلة التي تليها، إلى أن تصل بحتمية تاريخية إلى مرحلة الاشتراكية، وهي نظرية استندت على فلسفات كثيرة ونظريات منها نظرية ابن خلدون، وتمسك كثير من الماركسيين بجمود عقائدي بالنظرية دون مراعاة للظروف الذاتية لكل مجتمع واختلافه عن المجتمعات الأخرى، وخاصة التي نشأت فيها النظرية، وتعرض الكثير من الماركسيين الذين حاولوا كسر هذا الجمود للهجوم والاتهام بالتحريفية.

ما علينا من هذه الفقرة النظرية التي قد تبدو سخيفة ما يهمني أن فوزي جرجس بدأ في دراسة المجتمع المصري فأيقن أنه مجتمع لم تكتمل فيه أي صفة طبقية فاجتمعت فيه طبقة الإقطاع مع الرأسمالية في آن واحد، وهو ما عرقل الماركسيين المتمسكين جموداً بعقيدتهم عن فهم الواقع والتعامل معه فحدث انفصال بينهم وبين المجتمع.

وتوصل فوزي جرجس إلى أن المجتمع المصري في ذلك الوقت ليس مجتمعا رأسماليا وإنما هو مجتمع شبه رأسمالي شبه إقطاعي، وأن نظام الحكم في مصر آنذاك ليس نظاماً اشتراكياً وإنما هو رأسمالية دولة، وسُجن فوزي جرجس وكان هذا هو كتابه الوحيد… الغرض هذه الكلمات المتراصة في جمل هو إثبات أن هناك من يشخص ويصف السلبيات بغرض النهوض وحل مشكلات الوطن على عكس من يستخدم مصطلحات لا يدركها ولا يدرك معانيها لكي يشوه وطناً وشعباً بهدف تبرير انتهاكه وسلبه وقمعه.

فاجأنا رئيس الدولة في أكثر من خطاب ولقاء بعدة حقائق من وجهة نظره ألقاها في وجوهنا، وكأنه يقول لنا بالعامية المصرية «اتنيلوا وشوفوا نفسكم أنتم إيه قبل ما تحاسبوني» فقال: «ماتعرفوش إنكم فقرا قوي»… وقال: «مصر شبه دولة»، وغيرها من المصطلحات والتعبيرات خالية من المضمون السياسي الإيجابي، وذات الدلالات السلبية الموحية بالتعالي وكأنه يمن على الشعب بحكمه.

والحقيقة الوحيدة التي تثبتها الأحداث اليومية في مصر، التي لا تحتاج لأي دليل أن مصر ليست شبه دولة وإنما هي دولة منكوبة طوال الوقت بحكام على رأس شبه نظام حاكم، فلم تكتمل اشتراكية عبد الناصر وانتهت بالانهيار والهزيمة بعد ملامح قشرية للرفاهية والعدالة الاجتماعية، وغرقت دولة العلم والإيمان والانفتاح الساداتية بالشعب المصري في بحر الخيانة مع الكيان الصهيوني، وانتهى إصلاح مبارك بشعب جائع ثائر ثورة بلا خبرة، وانتهى بنا الأمر إلى شبه نظام يستند في وجوده على التأكيد على انهيار الوطن وضعفه وفقره، ويعتمد في هيمنته على العنف والقمع والترهيب ونشر أوهام الإرهاب وفزاعة الفوضى.

شبه النظام هو الذي يصادر الصحف ويقمع الإعلام ويروج للفساد ويعلو بالغث على حساب قمع الثمين.

شبه النظام وشبه الحاكم الذي يُضحي بالسيادة على أرض الوطن من أجل تثبيت قواعد حكم منهار مغتصب… شبه النظام وشبه الحاكم الذي يطوع كلٌ إلى القوانين والقواعد بهدف تقييد الحريات… شبه النظام وشبه الحاكم هو الذي يحول كل مؤسسات الدولة إلى جهات رقابية، ويحول كل آليات المعلومات من آليات للتنمية والنهوض إلى آليات للرقابة والمراقبة والتجسس والتنصت.

أقرب مثل لما أقول هو اللغط السائد حول وضع الحكومة قيوداً على شركتي “أوبر وكريم” لسيارات الأجرة وهو نظام معمول به في العالم ويستند في تقديم الخدمة على قاعدة معلومات متقدمة لتسهيل مهمة العميل وضمان أمنه، ورغم نجاح الشركتين بدأ شبه النظام التضييق عليهما وتصور الجميع للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق برغبة شبه النظام إنشاء شركة تابعة له تستولي على ثمرة نجاح الشركتين، كما اغتصبوا الحكم من قبل، إلا أن مناقشة الموضوع في مجلس الشعب المصري كشف عن الحقيقة المفزعة، وأن الأمر لا يتعلق بشركة جديدة وإنما يتعلق بممارسة شبه النظام الضغوط على الشركتين بهدف تسليمها كل قواعد المعلومات عن العملاء المتعاملين معها وتحركاتهم وعنوانين الأماكن التي يتوجهون إليها من خلال شبكة الـGPS، ولما رفضت الشركات بدأ شبه النظام في ممارسة ضغوطه حتى انتهى إلى تقنين أوضاع هذه الشركات بموجب قانون تم وضعه بعد جدل داخل لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب تنص المادتين 9 و10 فيه على الربط الإلكتروني لقواعد البيانات والمعلومات للمستخدمين مع الجهات المختصة في الدولة!!

وبدلا من أن يضع شبه النظام قواعد لحماية خصوصيات وأسرار مواطنيه من أي اختراق خارجي، طالب الشركتين بمشاركته في هذه المعلومات التي تراقب كل تحركات المتعاملين مع الشركات مقابل تقنين أوضاعها… وهذا بالطبع يسري على شركات الاتصالات وكل شركات الخدمات في كل المجالات… هذا هو شبه النظام الذي يضع المراقبة والمتابعة والتنصت في مقدمة تسبق مشرعات التنمية.

شبه النظام هو الذي ينشئ مجالس للإعلام وهيئات ويعين فيها رجال أقرب لمهنة المخبر من الإعلامي لتغلق المواقع والصحف وتطارد الصحفيين والإعلاميين المناهضين لشبه النظام.

شبه النظام هو الذي يروع المواطنين ويرهبهم بحجة الحفاظ على الأمن والأمان ويضع العدالة الاجتماعية والرفاهية في مواجهة الأمن والأمان.

أتذكر في فترة نظام مبارك المستبد أن نشرت الصحف مانشيتات عن تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005، وقامت الجهات الأمنية بمصادرة صحيفة تحمل شهادة قاضية على تزوير الانتخابات فما كان من رئيس تحرير الصحيفة إلا أن نشر الشهادة في عدد اليوم الثاني متحديا النظام ومصرا على كشف الحقيقة، ولم يتم اعتقاله ولم تغلق الجريدة… ربما كان نظام مبارك نظاما مستبدا، ولكنه كان نظاما وليس شبه نظام.

نحن دولة بل ودولة عريقة مكتملة المقومات يسيطر عليها شبه نظام حاكم وشبه حاكم… لهذا سيبقى الكيان الحقيقي وستزول كل الأشباه إلى العدم أو إلى الجحيم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه