قمة البلاستيك والتحالفات الجديدة

بينما كان الرؤساء والأمراء العرب يجتمعون في قمتهم التاسعة والعشرين بمدينة الظهران السعودية بعد نقلها من العاصمة الرياض التي تعاني من تواصل زخات الصواريخ الحوثية، كانت هناك لقاءات واتفاقات وتفاهمات تتم سواء على هامش القمة أو قريبا أو بعيدا عنها لتشكيل أحلاف جديدة تتقاسم النفوذ في المنطقة على أشلاء العرب أنفسهم.

يصح القول إن قمة الزعماء العرب كانت قمة (بلاستيكية) بالمعنى الدارج، المشتق من مادة البلاستيك، وهو تعبير مجازي هنا عن عدم صلابة تلك القمة (وليس وفقا لحديث السيسي)، في مواجهة تلك الأحلاف الجديدة التي تتشكل لتقاسم النفوذ، أو حتى للحلول محل هذه القمة ذاتها، وغيرها من أُطر العمل العربي المشترك مثل مجلس التعاون الخليجي.

الأكثر انسجاماً

كانت صورة بعض الزعماء العرب الذين استضافهم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي على مأدبة عشاء (بالزي غير الرسمي) نموذجا لتكتل جديد ينشأ من داخل المنظومة العربية ليحل محل الجامعة العربية ومجلس التعاون بعد استفحال أزمة دول الحصار مع قطر، لقد جمع ذلك العشاء القادة الأكثر انسجاما في أهدافهم، وطرق تفكيرهم، وفِي تبعيتهم التامة للراعي الأمريكي والصهيوني أيضا، إذ ضم العشاء -إلى جانب الأمير محمد بن سلمان- كل من العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، والمشير عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن عبدالله بن الحسين، ونائب رئيس الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. 

ويأتي هذا اللقاء استكمالا للقاء سري سابق جمع غالبية هؤلاء القادة على متن يخت في البحر الأحمر بنهاية العام ٢٠١٥ بترتيب من جورج نادر رجل الأعمال اللبناني القريب من اللوبي الصهيوني وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي اقترح على أولئك الزعماء إنشاء تكتل جديد يضم ٦ دول يحل محل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية على أن تنضم له ليبيا لاحقا بعد تمكين الموالين لهذا الحلف من السيطرة عليها، وتكون مهمة هذا الحلف هي إعادة ترتيب المنطقة العربية في مواجهة تركيا وإيران وبالتعاون التام مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.

في المقابل شهدت العاصمة التركية أنقرة قبل أيام من عقد القمة العربية، وتحديدا يوم ٤أبريل/نيسان لقاءً ثلاثيا ضم رؤساء تركيا وروسيا وإيران، وهي الدول الأكثر نفوذا في المنطقة والتي تتنافس على الأراضي العربية في سوريا والعراق واليمن، وهي القمة الثانية لهم بعد لقائهم في سوتشي في ٢٢ نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، وكلتا القمتين انصبتا على تقاسم النفوذ في سوريا، ورغم الخلافات التاريخية التقليدية بين أنقرة وكل من موسكو وطهران، إلا أن هذا الخلاف لم يمنع من نشوء هذا التحالف الجديد في مواجهة النفوذ الغربي بقيادة أمريكا ومعها  التحالف العربي الوليد السابق الإشارة إليه، كما أن هذا الحلف التركي الروسي الإيراني سمح حتى الآن لتركيا بدخول عفرين، وسمح لروسيا بطرد المقاومة من الغوطة بعد دكها، كما أن هذا الحلف أثبت صمودا بعد الضربات الأخيرة للولايات المتحدة وشريكتيها فرنسا وبريطانيا ضد أهداف سورية، فيما زعم الرئيس الفرنسي ماكرون أن أحد أهداف الضربات هو تمزيق العلاقات الروسية التركية، وهو ما  دحضته الدولتان عقب تلك الضربات.

العودة إلى مسار جنيف

لم يكن الهدف الرئيسي للضربات الأمريكية البريطانية الفرنسية هو الإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد عقابا له على قتل شعبه باستخدام الأسلحة الكيمياوية، ولكنها كانت أساسا لاستعادة الدور الغربي في سوريا بعد أن انفردت موسكووطهران وأنقرة بهذا الملف، وفرضوا له مسارا للتسوية ( في أستانا بكازخستان) فيما تصر الدول الغربية حاليا على العودة إلى مسار جنيف الذي انطلق في العام ٢٠١٢، ويتحرك الرئيس الفرنسي حاليا لتشكيل تكتلا جديدا يضم بالإضافة إلى دولته ٤ دول وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة السعودية والأردن، لتكون مهمة هذا التكتل الجديد هي إدارة الملف السوري وفقا للرؤية الغربية في مواجهة تكتل روسيا وتركيا وطهران.

وفِي الوقت نفسه يسعى الغرب بجناحيه الأوربي والأمريكي للوصول إلى صيغة مقبولة للتعامل مع ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي سيتم مراجعته خلال مايو/أيار المقبل، إذ لا تزال الدول الأوربية تراه صالحا للاستمرار في حين يحرص الرئيس الأمريكي ترامب على الانسحاب منه تنفيذا لوعد انتخابي، وفِي حال حدوث هذا الانسحاب فسوف يعود إلى حزمة العقوبات التي كانت مفروضة من قبل على إيران قبل أن يرفعها الرئيس السابق باراك أوباما، وفِي هذه الحالة سيحرص ترامب على مشاركة أوربا في تنفيذ هذه العقوبات، بينما لا يثق الكثيرون من قادة أوربا في ترامب، ولا يريدون مسايرته في مغامراته السياسية، وفِي الوقت نفسه اصطفت الدول الأوربية خلف بريطانيا في أزمة سحب السفراء من روسيا على خلفية اتهام الأخيرة بتسميم أحد الجواسيس في لندن، وتحتاج أوربا إلى دعم واشنطن في هذه الأزمة، بينما تنشغل واشنطن نفسها بتحقيقات حول دور موسكو في التلاعب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز ترامب بها.

وسيكون مطلوبا الآن من دول التكتل العربي الجديد الحلول محل القوات الأمريكية في سوريا في حال نفذ الرئيس ترامب وعده الانتخابي بسحب قواته، وفِي هذه الحالة ستجد هذه القوات العربية نفسها في مواجهات مفتوحة مع الروس والإيرانيين والأتراك، ولا يزال غير معروف من هي الدول التي ستسهم بقوات فعلية على الأرض، فالسعودية العالقة في الوحل اليمني والمهددة في حدودها الشرقية ستجد من الصعب عليها الدخول في وحل جديد، ومصر السيسي ستكون في أزمة بين القناعة الدفينة بدعم بشار الأسد من جهة، وإرضاء الكفلاء الصهاينة والأمريكان والخليجيين من جهة أخرى، والدول الخليجية الأخرى لن تكون قادرة على مواجهة الروس والإيرانيين والأتراك، ولذا فمن المرجح أن تطلب السعودية والدول الخليجية الأخرى استمرار بقاء القوات الأمريكية مع تعهد بتحمل تكاليفها تلبية لطلب ترامب، وتعهد إضافي بدعم صفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينيية حال اجتيازها لتعثراتها الحالية.

باستثناء تركيا

كلا الحلفين الشرقي ( روسيا وتركيا وإيران) والغربي (أمريكا وأوربا وبعض الدول العربية) يقفان ضد ثورات الشعوب العربية (باستثناء تركيا)؛ فروسيا وإيران تدعمان بشار في مواجهة ثورة الشعب السوري، كما تدعمان حكم السيسي، وتدعم روسيا أيضا الثورة المضادة في ليبيا، وفِي المقابل يدعم الحلف الغربي العربي كل النظم الاستبدادية في المنطقة، ومنه تشكلت غرفة عمليات الثورة المضادة للربيع العربي بأكمله، ومع ذلك فإن تصاعد الأزمات بين الحلفين سيفتح بابًا للمناورة أمام دعاة التغيير وثورات الشعوب العربية، إذا أحسن قادة هذه الثورات استثماره.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه