قصة التلاعب في هاشتاج ارحل يا سيسي!

انفجر غضب المصريين هذه المرة في ساحة الفضاء الإلكتروني، على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد فترة من الصمت المفروض بسياسات القمع والتخويف، وكأنهم يتنفسون بعد إغلاق الشوارع والميادين وتجريم الاحتجاج الشعبي ومنع المظاهرات السلمية.

لأول مرة يستمر هاشتاج يطالب عبد الفتاح السيسي بالرحيل لمدة تزيد عن الأسبوع متصدرا منصة التدوين الشهيرة تويتر، وظهر حجم الضغوط والتدخلات السياسية بالإخفاء المتعمد لهاشتاج “#ارحل_يا_سيسي” لأكثر من مرة في اليوم الواحد رغم الحجم الضخم من التغريدات عليه، التي عبر فيها كل ألوان الطيف المصري عن حالة الرفض لما آلت إليه البلاد من انهيار اقتصادي وتدهور سياسي.

الثورة الإلكترونية هذه المرة تخطت المعارضين السياسيين، إذ انضمت لها قطاعات واسعة تمثل كل فئات الشعب التي لم تعد قادرة على تحمل الفشل السياسي وتخلي الدولة عن دورها بإلغاء الدعم ورفع أسعار الوقود، وتفاقم المعاناة بسبب الفواتير التي قصمت الظهور.

لقد جاءت الحملة على تويتر لتكشف عن حجم التأثير الهائل للسوشيال ميديا في حشد الرأي العام، وفاجأت انتفاضة الاحتجاج هذه المرة الحكومة التي كانت تظن أن تويتر ساحة خاصة بها وتجند اللجان الإلكترونية لتقديم صورة إيجابية عن مواقفها أمام الإدارة الأمريكية والنخبة في البيت الأبيض التي تستخدم تويتر أكثر من الفيس.

لقد انزعجت الحكومة من الهاشتاج، وقامت بحملة مضادة وعملت دعاية لهاشتاج آخر في الفضائيات والصحف التي تملكها لكنها فشلت، فكان التلاعب بطريقة أخرى من خلال إدارة تويتر عبر أبواب خلفية.

التلاعب على تويتر

لم تتعامل إدارة تويتر بحياد مع الاحتشاد الإلكتروني للمصريين، واتخذت موقفا يسيء لهذه المنصة التي انضم إليها ملايين العرب، منهم 1.7 مليون مصري (تقرير عرب سوشيال ميديا 2017)، وغير معروف من الذي قام بالتلاعب، هل إدارة الموقع في الولايات المتحدة أم المكتب الإقليمي في المنطقة العربية الموجود في دولة الإمارات؟

لقد حدث التلاعب بهاشتاج ” #ارحل_يا_سيسي” بتغيير الترتيب ثم بالحذف ووضع هاشتاج آخر “#ارحل_يا_سيسيي” بزيادة ياء بدلا منه، والذي بدأ التغريد عليه هو أيضا حتى أصبح رقم 1 بعد اختفاء الأول.

 ومع نشر بعض الانتقادات أعادوا الهاشتاج الأول، ثم بدؤوا عملية التبديل بين الهاشتاجين، ثم حذفوهما معا رغم أنهما في المقدمة، واستمرت عملية إخفاء وإظهار الهاشتاج بعد تصفير عدد المشاركين لمدة أسبوع حتى كتابة هذه السطور.

هذا التلاعب في الهاشتاجات يكشف عن عملية تزوير متعمدة للموقف الشعبي ومحاولة احتيالية لتغيير اتجاهات الرأي العام لصالح دوائر السلطة، فإلغاء هاشتاجات جماهيرية وفرض أخرى ليس لها أي أهمية أصبح من الممارسات المتكررة خاصة المتعلقة بمصر.

 تشير عمليات التلاعب إلى أن معايير تويتر في العالم العربي ليست حيادية وتتعارض مع حرية الرأي والتعبير وتخالف كل القوانين المتعلقة بحق الإنسان في المعرفة والوصول إلى الحقيقة.

معركة الهاشتاج تفتح باب النقاش حول محاولات خنق حرية التعبير على مواقع التواصل وخرق المعايير المعلنة، وهذا لا يقتصر على تويتر، وإنما بدأنا نري أمثلة مشابهة على موقع الفيس بوك الذي بدأ يعطل صفحات المعارضين بمبررات وجود بلاغات.

معايير الفيس

الفيس بوك يعد الساحة الرئيسية التي يحتشد فيها المصريون، فعدد مستخدمي الفيس من المصريين يبلغ 35 مليون شخص (internetworldstats.com )، يمثلون كل الأعمار وكل الفئات، ومعظمهم يدخل على المنصة الزرقاء من خلال أجهزة الموبايل والتابلت على مدار الساعة.

ورغم أن إدارة الفيس بوك قليلا ما تتدخل لكن مؤخرا بدأنا نشاهد التوسع في إغلاق الصفحات المؤثرة وتجميد الصفحات الشخصية لمدد تتراوح بين يوم وشهر، بناء على بلاغات من اللجان المستأجرة والذباب الإلكتروني، لكن الغريب أن معظم البلاغات التي تسببت في إغلاق صفحات المعارضين السياسيين كانت عن كتابات مرتبطة بتأييد الفلسطينيين ومهاجمة الممارسات الإسرائيلية!

إن انحياز إدارة الفيس لـ “إسرائيل” وإغلاق الصفحات بتهمة دعم القضية الفلسطينية يخالف المعايير الدولية إذ ما زالت الأمم المتحدة تعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، ويشير هذا الانحياز إلى أن عملية ترويض تجري للعرب وفرض توجها سياسيا صهيونيا على مستخدمي الفيس يضيق مساحة المعارضة للاحتلال الإسرائيلي.

صعوبة السيطرة

لقد استطاعت وسائل الاتصال الحديثة أن تحدث تغييرا في اتجاهات الرأي العام، وكسرت الاحتكار الذي كان مفروضا على المعلومات، سواء من القوي الدولية المهيمنة، أو من الحكومات التى تحتكر منابر تقديم المعلومات التى تخدم سياساتها وتخدر الشعب.

مع فتح النوافذ على العالم الافتراضي والبث الفضائي، أقبلت الشعوب بنهم تجاه الحصول على الحقيقة، وتغذية العقول بالمعلومات والأفكار، وخرجت من ضيق الأمية السياسية والفكرية إلى ساحات الوعي والتأثير.

تقول الأرقام أن مستخدمي الإنترنت في مصر عام 2018 بلغ 49 مليون أي 50% من السكان، ومن يملكون حسابات على  مواقع التواصل الاجتماعي 39 مليون أي 40%، والذين يدخلون على الإنترنت بالجوالات الذكية 35 مليون أي 36 % من المصريين (http://wearesocial.com).

وبسبب هذه النقلة النوعية في الوصول إلى المعلومات فشلت الأساليب الحكومية العتيقة في التوجيه الجماهيري، وزادت من درجة الوعي لدى قطاعات واسعة، الأمر الذي جعل السلطة عاجزة ومكشوفة أمام الشعب، وغير قادرة على إقناع الناس، وأعيتها الحيل في الدفاع عن أخطائها وخطاياها.

قوة التواصل الجديد

التغير الجديد الذي يفرض نفسه في كل العالم هو ما تحدث عنه بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في كتابه “رؤية استراتيجية” وأطلق عليه “صدمة اليقظة السياسية العالمية” الناتجة عن الإنترنت والجوالات الذكية، وأشار إلى أن مواقع التواصل وطفرة الاتصال متغير جديد زاد من الوعي السياسي لدى شعوب كانت ساكنة وفئات كانت خاملة، ومن الأسباب التي تقف وراء نهاية التفوق الغربي وتآكل الإمبراطورية الأمريكية.

***

ليس أمام دوائر السلطة وسائل فعالة للتصدي إلى الحركات الجماهيرية على مواقع التواصل، وكلما أغلقوا بابا ظهرت منصات وتطبيقات جديدة يصعب الإحاطة بها أو السيطرة عليها، ومالم يحدث التغيير والتصحيح فإن الاستمرار في تجاهل الغضب الجماهيري وعدم الاستجابة للمطالب الشعبية كمن يقف أمام القطار ينتظر مصيره المحتوم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه