قرار سعودي يفضح تلاعب الجنرال بسوق الأسماك

أعجب من استمرار النظام المصري في تصدير أسماك البلطي والبوري طوال عدة شهور ليفضحه قرار السعودية بوقف استيراده، بالرغم من إصدار الجنرال قرارًا رئاسيًا بوقف تصدير الأسماك

كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي عن ارتفاع أسعار الأسماك بأنواعها، الطازجة والمجمدة في أغسطس/آب الماضي بنسبة 49.7%، بالمقارنة بأسعار الشهر نفسه من العام الماضي. وخلال هذا الشهر ارتفعت أسعار الأسماك الشعبية، البلطي والبوري، إلى حدود غير مسبوقة، ووصل سعر البلطي إلى 35 جنيها (الدولار يساوي 17.65 جنيها)، والبوري 55 جنيها.

وفي ظل هذا الغلاء تفاجأ المصريون بقرار أصدرته الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية يقضي بوقف استيراد أسماك البلطي والبوري المصرية اعتبارًا من الأول من أغسطس/ آب، بعد تحليل عينات ثبت مخبرياً تلوثها وغير مطابقتها للمواصفات القياسية.

ولست بصدد مناقشة أسباب وقف السعودية استيراد الأسماك المصرية، بالرغم من التوافق السياسي والدعم الاقتصادي لنظام الجنرال السيسي، ولا محاولة التعرف على نوع الملوثات التي وجدتها المختبرات السعودية فيها، وهل هي عناصر معدنية ثقيلة تسبب السرطان والفشل الكلوي وناتجة عن تربية الأسماك من هذا النوع في مزارع تستخدم مياة الصرف غير المعالج بأمر القانون رقم 124 لسنة 1983 والذي يحظر استخدام المياه العذبه في هذا الغرض، أم هي هرمونات التستوستيرون المحرمة دوليًا؟

لكني أعجب من استمرار النظام المصري في تصدير أسماك البلطي والبوري على وجه الخصوص طوال عدة شهور ليفضحه قرار السعودية بوقف استيراده، بالرغم من إصدار الجنرال السيسي قرارًا رئاسيًا بوقف تصدير الأسماك في 25 من أبريل/نيسان الماضي أمام مؤتمر الشباب بمحافظة الإسماعيلية وذلك للسيطرة على أسعار الأسماك الملتهبة.

التصدير رغم القانون

إن استمرار الحكومة في السماح بتصدير هذين النوعين من الأسماك الشعبية بالرغم من الغلاء الذي يشهده سوق الأسماك في مصر منذ يناير/كانون الثاني الماضي بسبب انخفاض الإنتاج الذي لا يتجاوز 1.4 مليون طن، والعجز الذي يبلغ 400 ألف طن، يبرهن على أن الجنرال لم يكن جادا في مواجهة غلاء أسعار الأسماك حين أصدر قرار منع التصدير، وهو ما يفقد ثقة المصريين وخاصة الشباب المتواجدين في المؤتمر في قرارات الجنرال السيسي ووعوده المتكررة بتخفيض الأسعار.

وزير التجارة والصناعة أصدر هو الآخر القرار رقم 629 لسنة 2017 والذي يقضي بفرض رسوم على صادرات الأسماك بواقع 12 ألف جنيه للطن، 677 دولار، للحد من تصدير الأسماك وذلك بعد قرار السيسي السابق بيوم واحد فقط.

وبالرغم من هذا القرار، ذكرت صحيفة سعودية أن الأسماك المصرية تصل ميناء جدة بانتظام من خلال شاحنات بمعدل حمولتين أسبوعياً وحمولتها في حدود الـ 40 طن أسبوعياً لميناء جدة فقط، وأن سمك البلطي يباع بسعر 20 ريالاً للكيلوغرام الواحد، يعني 100 جنيه مصري تقريبًا، فيما يباع سمك البوري بسعر 30 ريالاً لكيلوغرام، 150 جنيه مصريًا.

مؤخرًا، أعلنت الجريدة الرسمية أن الحكومة المصرية مددت فترة فرض رسوم على صادرات الأسماك الطازجة والمبردة والمجمدة، لمدة عام إضافي حتى أغسطس/آب 2018، وبالرغم من ذلك لا تزال الأسماك المصرية تُعرض في أسواق الأردن واسرائيل ودول الخليج. وأعلن قائد المقاومة الشعبية بالسويس حافظ سلامة في بيان أعلنته، صحيفة “المصريون” عن تصدير مصر أنواع خاصة من الأسماك إلى إسرائيل عقب صيدها من البحيرات المصرية.

استمرار تدفق الأسماك المصرية بهذه الطريقة الروتينية يبرهن أيضًا على أن النظام يضع القرارات ثم يلتف عليها ولا ينفذها بل ويخدع المواطن المصري، إذ أنه يعرف أن هذه الرسوم التي يفرضها لا ترفع سعر كيلو البلطي أو البوري بأكثر من ثُلثي دولار واحد، وأن هذه الرسوم لن توقف التصدير، وبالتالي فإن هذه القرارات ليست إلا مسكنات و”شو” إعلامي وذرًا للرماد في العيون ليس أكثر.

في نفس توقيت القرارات السابقة، في أبريل/ نيسان الماضي، رفضت السلطات الصحية السعودية أيضًا شحنة من أسماك البلطي تم تصديرها من مصر وأعادتها السعودية مرة أخرى إلى ميناء سفاجا المصري لعدم صلاحيتها، وقامت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية الرسمية بفحص الشحنة بمجرد إعادتها من السعودية، وتبين أنها غير صالحة للاستهلاك وتم تحرير محضر رفض الشحنة والتأكيد على إعدامها.

استثناء الجيش

الأدهى من ذلك أن وزير الصناعة استثنى من قراره السابق الأسماك المصدرة للاتحاد الأوربي وذلك بعد أن أعلن رئيس الشركة الوطنية للاستزراع السمكي التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالجيش المصري، اللواء حمدي بدين، في أغسطس/ آب 2016، بأن بحيرة البردويل ذات السمعة العالمية في جودة أسماكها والتي تديرها القوات المسلحة قد حصلت على رخصة التصدير إلى أسواق الإتحاد الأوربي، وهو نوع آخر من الفساد السياسي والعسكرة للثروة السمكية على حساب المواطن المصري. الذي يعاني غياب السلع وغلائها.

قدم نواب البرلمان بيان عاجل ضد وزير الصناعة والتجارة ورئيس مجلس الوزراء بسبب تصدير الأسماك إلى خارج البلاد بعد إقرار الجنرال السيسي بزيادة التصدير بمعدل 40 ألف طن في الشهر، وتسبب ذلك في أزمة الغلاء الأخير، وطالبوا الحكومة بوقف تصدير الأسماك، دون جدوى.

عسكرة الأسماك

لقد تزامن الغلاء الجنوني للأسماك مع سيطرة الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة على مشاريع الاستزراع السمكي في عموم مصر. فاستولى على مشروع الاستزراع السمكي شرق مدينة بورسعيد ومساحتها 23 ألف فدان وطرد المنتفعين منها. واستولى كذلك على المزرعة السمكية ببركة غليون بمحافظة كفر الشيخ، أكبر مزرعة سمكية في أفريقيا ومنع الصيد فيها، ومساحتها 26 ألف فدان.

الشركة الوطنية سيطرت كذلك على بحيرة البردويل أنقى بحيرات العالم وكذلك أسماكها، ومساحتها 165 ألف فدان، كما سيطرت أيضا على بحيرة البرلس ثاني أكبر البحيرات الشمالية ومساحتها نحو 108 آلاف فدان، ويعمل بها 40 ألف صياد، وتنتج 40% من انتاج مصر السمكي! ووضعت الشركة يدها كذلك على بحيرة ناصر ثاني أكبر بحيرة صناعية عذبة في العالم، ومساحتها 1.2 مليون فدان ويعمل بها أكثر من 20 ألف صياد و30 ألف عامل بأسرهم، وانتاجها من أجود أنواع الأسماك في العالم.

الشركة تزاحم الصيادين في الصيد وتفرض رسومًا مالية على كل كيلوغرام من الأسماك يتم صيده، وصلت إلى ثمانية جنيهات عن الكيلوغرام الواحد من أسماك البوري، و10 جنيهات عن أسماك الدنيس، ورسوما مماثلة على أسماك البلطي، تُسمى القرش السمكي، وهو ما يعتبره الصيادون إتاوات راكمت الديون عليهم.

رئيس شعبة الأسماك في الغرفة التجارية اعترف بتصدير الأسماك مباشرة من المزارع السمكية بالطائرات دون رقابة من الدولة، بعد تحرير سعر الصرف، وأن ارتفاع أسعار البلطى والبورى، على وجه الخصوص، جاء نتيجة لتصديرها إلى السعودية والكويت، بحسب تصرحه لموقع فيتو، لكنه لا يجرؤ على ذكر الجهة التي تقوم بالتصدير بالطائرات بعيدا عن سلطة الدولة، وحسب مصادر أخرى فإن القوات المسلحة تقوم بنقل أسماك بحيرة ناصر بطائرات نقل عسكرية في رحلات روتينية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه