قتل سلمان العودة تعزيرا

لا يعكر على الطغاة والمستبدين ويحول بينهم وبين استعباد الجماهير إلا الطليعة المخلصة من العلماء والمفكرين الذين يملكون من قوة الحق ما يجعل كلماتهم وكتاباتهم حجر عثرة أمام مشروع الاستبداد أو يكشف العوار والفساد.

وهذا ما جعل الفراعين لا يرون غير القتل سبيلا مع إلصاق تهمة الإرهاب والإفساد بالمؤمنين المصلحين.

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) وهكذا فعل الحجاج بن يوسف مع إمام المسلمين سعيد بن جبير،

فأهلك الله فرعون وهو يطارد موسى، وهلك الحجاج وهو يقول مالي ولسعيد! وبقيت سنة في أتباع الفريقين تتمثل في فرعون قانونه ما أريكم إلا ما أرى، ورباني يراه طاغوتا ويفتح أعين الناس على ذلك فلا يجد الطاغوت بدا من الخلاص منه ويكون فيها هلاكه، واسألوا التاريخ عن عبد الناصر مع سيد قطب، أو السادات مع الشيخ المحلاوي.

على خطى العسكر

والمتابع للمملكة السعودية في عهدها الجديد يراها تسارع الخطى لتفعل بشعبها ما فعله العسكر بالمصريين في ستين سنة وكأنهم لا يعرفون ما آلت إليه مصر جراء هذه السياسات!

السعودية التي اعترضت على إعدام الشهيد سيد قطب من أجل كتاباته وأفكاره وأقامت عليه صلاة الغائب في الحرم المكي الشريف (كما روي لي بعض من حضر الصلاة) هي التي تطالب الآن بقتل الشيخ سلمان العودة تعزيرا، والأصل في عقوبة التعزير أنها عقوبة تأديبية يقررها القاضي بحيث لا تصل إلى عقوبة الحد، وقد كتب في تجلية الفرق بين التعزير والحد الشيخ محمد صالح المنجد أحد كبار العلماء وهو من المسجونين في السعودية أيضا:

 الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما أما التعزير: فهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.

” الأحكام السلطانية ” للماوردي (ص/236).

فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ ” التعزير “، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.

ولما كان مقصد التعزير هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير  حد القتل بحال من الأحوال. ,جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (12/263): ” الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الأنعام/151، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين. وقال الشيخ عبد القادر عودة وهو أحد من أعدمهم جمال عبد الناصر أيضا: ” الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي ألا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع”.

لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة.

وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل. وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.

والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد، وقد جعلت الشريعة القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنى، والحرابة، والردة، والبغي. وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.

باختصار من ” التشريع الجنائي في الإسلام ” (1/687-689)

باسم الشريعة

فهل يقبل عاقل بعد هذا ما طالبت به النيابة السعودية من قتل علماء الشريعة باسم الشريعة؟ وهل في التهم التي تجاوزت الثلاثين التي وجهت إلى الشيخ سلمان العودة ما يبيح قتله أو يهدر دمه؟!

غاب الحياء عن مدعي النيابة وهو يعدد من جملة الجرائم عضوية الشيخ في مجلس إفتاء، أو هيئة علماء، ومن المضحك المبكي أن من جملة التهم أنه لم يظهر الدعاء لولي الأمر وولي عهده الأمين!

إذا كان القتل تعزيرا عقوبة من امتنع عن الدعاء لولي الأمر فكيف تكون عقوبة من دعا عليه أو قال حسبنا الله ونعم الوكيل؟!

النظام السعودي تفوق على غيره من أنظمة الجبروت حيث أصبح يعاقب على السكوت، ويرى أنه الساكت عن الباطل من الشياطين الخرس ويمعن في مخالفة الحكومة بصمته أو عدم تطبيله!!

فماذا ينتظر الشيخ سفر الحوالي إذا؟ ذاك الذي كتب سفرا من ثلاثة آلاف صفحة فضح فيها صفقة القرن والتطبيع مع الصهاينة وقتل المسلمين في سورية واليمن ودعم الانقلابات والعصابات في باقي الدول العربية؟؟

أصر جمال عبد الناصر على إعدام سيد قطب في عام 1966 فجاءته الهزيمة المذلة في 1967 ومات دون أن يحرز نصرا، وقال السادات قولته المشهورة (لن أرحم) واعتقل الجميع في شهر سبتمبر وسب الشيخ أحمد المحلاوي على الهواء فانصرم الشهر وهو في حاجة إلى من يرحمه وقتل في السادس من أكتوبر/تشرين الأول في زينته وبين عساكره، وبقي الشيخ المحلاوي إلى الآن في عافية وستر!

سبتمبر السعودي

وها هو سبتمبر السعودي يعيد الكرة من جديد فاحذروا غضبة الله لأوليائه، وغيرة الجبار على الضعفاء من عباده، فمن بارز الله بالمعصية حلت به العقوبة، واعلموا أن انتهاك الحرمات في الحرم عقوبتها عاجلة، وعاقبتها مخوفة. فهو مؤذن بزوال النعم، وهلاك الأمم، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه