قبل أن تودع مدخراتك بالبنوك

ما هو الحل للأفراد البسطاء وأصحاب المدخرات البسيطة؟ ، الحل أن يتم توظيف المدخرات ، فى مجال يدر ربحا أعلى من معدل التضخم.

ممدوح الولي*

من الطبيعي أن يبحث كل فرد عن الوعاء الادخاري ، الذى يحقق له أعلى فائدة على أمواله ، ومن هنا يتساءل المدخرون عن أسعار الفوائد ما بين البنوك المختلفة ، ليضعوا مدخراتهم بالبنك الأعلى فائدة .
 لكنه داخل البنك الواحد توجد أوعية ادخارية مختلفة العائد ، ما بين الودائع وحسابات التوفير وشهادات الايداع ، وحتى داخل النوع الواحد مثل شهادات الايداع ، سيجد المدخر خيارات عديدة تختلف في عوائدها ، ومددها وجوائزها  .
وإذا كان هذا يتعلق بتعدد أنواع الأوعية الادخارية داخل البنوك ، فهناك أوعية أخرى خارج البنوك، أبرزها صندوق توفير البريد بنوعيه ، وشهادات الاستثمار بأنواعها  الثلاثة
 وربما فضل البعض التعامل في الأسهم بالبورصة ، لكن هذا مجال مختلف عن كل ما سبق ، ففي البورصة هناك إمكانية لتحقيق الربح بمعدلات ربح أعلى من البنوك ، لكن في نفس الوقت توجد إمكانية تحقيق خسائر، بينما ما سبق من نوعيات الودائع بالبنوك مضمونة ولا مجال معها  للخسارة .
لذا يفضل الملايين في الحالة المصرية التعامل مع البنوك ، حتى بلغ عدد المتعاملين معها حوالى عشرة ملايين شخص ، بينما يبلغ عدد المتعاملين مع البورصة حوالى 25 ألف شخص ومؤسسة وشركة فقط  .
– والمهم في التعامل مع الودائع المصرفية ، أن السؤال التقليدي عن أعلى فائدة متاحة بالأوعية الادخارية المصرفية، غير كاف تماماً، وربما حقق المدخر خسائر في مدخراته رغم ما يحصل عليه من فائدة ، وهذا ليس لغزا ولكنها الحقيقة المرة .
وحتى نقترب من الحقيقة فإن كل من يدخر أمواله في البنوك المصرية حاليا ، هو خاسر في الحقيقة ، وحتى نفك طلاسم هذا  اللغز  ، فإن قيمة النقود الموجودة في أيدى الناس تتآكل بنفس معدل ارتفاع الأسعار ، وهو ما يسمى بمعدل التضخم .

ولتبسيط الأمر ، لنفرض أن لديك ألف جنيه مصري ، قمت بوضعها في درج مكتب  ، في بداية السنة ، ثم قمت بإخراج هذا  المبلغ من مكانه بنهاية السنة ، فمن الطبيعي أنك ستجد المبلغ كما هو كما حفظته بنفس عدد الجنيهات ، لكننا نقول إنه إذا صحيحا أن رقم الألف جنيه مازال كما هو ، إلا أن قيمته  الشرائية قد انخفضت ، بنفس معدل التضخم خلال السنة .

والأمر ببساطة أن كيلو اللحم كان مثلا  ببداية العام بسعر 50 جنيها للكيلو ، أي أن الألف جنيه كانت تستطيع في بداية السنة شراء 20 كيلو من اللحم، لكن بنهاية السنة أصبح سعر كيلو اللحم 60 جنيها، أي أن الألف جنيه لم تعد تكفى سوى لشراء أقل من 17 كليو من اللحم .

 وهو ما يعنى عمليا أنه عند الحاجة لشراء نفس الكمية القديمة من اللحم ، والبالغة 20 كيلو من  بنهاية العام ، نحتاج الى 200 جنيه أخرى ، بخلاف الألف جنيه الموجودة معنا .

وهذا الفرق في قيمة شراء نفس العشرين كيلو من اللحم ، بنهاية السنة هو ما نسميه قيمة تآكل القيمة الشرائية للنقود ، أو التضخم ، فإذا كان معدل التضخم كما يقول جهاز الإحصاء المصري الحكومي،  بنهاية فبراير الماضي حوالى 11 % ، فإن بقاء أي نقود لدينا بلا توظيف أو إيداع بالبنوك خلال السنة يعنى تناقص قيمتها الشرائية بنسبة 11 % .

أما فى حالة إيداع تلك الأموال فى أحد البنوك ، والحصول على عائد سنوي بنسبة 6% كما هو الحال بالبنك الأهلي المصري حاليا ، فإن ذلك يعنى خسارة قيمة الأموال بالفرق بين نسبة العائد البالغة 6 % ، ونسبة التضخم البالغة 11 % ، أي خسارة حقيقية بالمال بنسبة 5 % .

ولأن أعلى معدل على الودائع بالبنوك المصرية حاليا بنسبة 10 % للشهادة البلاتينية ، و9.75 % لشهادات الاستثمار ذات العائد الجاري ، فمازالت نسبة التضخم أعلى منه ، أي أن جميع العوائد تحقق خسارة حقيقية لأصحاب الأموال ، لأن صندوق التوفير البريد فائدته 8.5 % ونوع آخر للشهادة البلاتينية 9 % وشهادات الايداع الثلاثية والخماسية 6.5% .

لكن الحقيقة الأشد مرارة أن معدل التضخم المذكور ، والذى يعلنه جهاز الإحصاء عليه ملاحظات وتحفظات فنية من قبل المتخصصين ، الذين يرون أن المعدل الحقيقي لارتفاعات الأسعار أعلى من النسبة المذكورة .

 ولعل سؤال أي ربة منزل عن مدى اقتناعها بالقول أن نسبة الزيادة في  أسعار السلع المختلفة ، والخدمات الصحية والتعليمية والنقل والمواصلات معا  ، كانت 11 % ما بين شهري فبراير من العام الحالي ، الى نفس الشهر من العام الماضي، ستكون الإجابة بعدم الاقتناع بالنسبة المذكورة ، وأن الواقع للارتفاعات السعرية أعلى من ذلك بكثير ، أي أن نسبة تآكل النقود الموجودة لدينا ، أعلى من النسبة الرسمية المذكورة . 
 ولكن ما هو الحل للأفراد البسطاء وأصحاب المدخرات  البسيطة ؟ ، الحل أن يتم توظيف المدخرات ، فى مجال يدر ربحا أعلى من معدل التضخم ، لأنه لو حقق هذا المجال نفس معدل التضخم لتحقق فقط هدف الحفاظ على قيمة النقود من التآكل فقط .
 ولهذا يجب أن يكون الربح أعلى من معدل التضخم ، ليكون الربح الحقيقي هو الفرق بينهما ، فلو كانت نسبة الربح 15 % والتضخم 11 % ، فإن نسبة الربح الحقيقي ستكون 4 % فقط

 _______________

*كاتب مصري وخبير اقتصادي 
 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه