قانون إعدام حرية الرأي في مصر

بدأ عدد من الصحفيين الشرفاء في مصر حملة تحت عنوان: “لا لقوانين إعدام الصحافة في مصر”، وذلك بمناسبة انتهاء النظام المصري الحاكم من وضع مشروع قانون يقيد حرية التعبير تحت مسمى “قانون تنظيم الصحافة والإعلام”.

هذه ليست المرة الأولى التي يتجه فيها النظام الحاكم في مصر عبر عصور مختلفة إلى إصدار قوانين تقيد من حرية الصحافة والإعلام بدعوى حماية المجتمع وصيانته وحماية القيم، وبالطبع هناك أسباب خفية تمثل الأسباب الحقيقية وراء كل هذه القوانين، ومنها على سبيل المثال: القرارات التي أصدرها النظام الملكي وقت حكم فاروق الأول ملك مصر والسودان، والمتعلقة بحظر النشر في العديد من القضايا المثارة وإغلاق عدة صحف ومطاردة بعض الصحفيين، كان السبب المعلن هو حماية المجتمع والحياة الخاصة بعد أن تسربت فضائح أخلاقية من القصر الملكي، إلا أن السبب الحقيقي كان يتعلق بقيام مجلة “روزاليوسف” بكشف أسرار فضيحة الأسلحة الفاسدة عام 1948، وهزيمة الجيش المصري في فلسطين.

وبعد هزيمة 1967 لم يكن النظام المصري في وضع يسمح له بإصدار قوانين جديدة مقيدة لحرية الصحافة والإعلام وخاصة أنه كان مسيطرا قبل ذلك بسنوات على كل المؤسسات الإعلامية واعتبارها مؤسسات تعمل تحت مظلة مؤسسة الحكم الواحدة، وأقصد الاتحاد الاشتراكي العربي، إلا أن النظام لجأ إلى وضع قيود صارمة على أقلام عدد من الصحفيين الذين حاولوا وضع أيديهم على الأسباب الحقيقية للهزيمة.

وبعد انتفاضة 1973 الشعبية بسبب قرارات اقتصادية متعسفة أصدرها نظام الحكم فترة حكم أنور السادات، حوّل «السادات» أسباب الانتفاضة من الضغط الاقتصادي والمعيشي إلى انهيار في القيم الأخلاقية ولعب على وتر الأخلاق وكبير العائلة وأخلاق القرية واستطاع إرباك عاطفة المصريين الذين يضعون الأخلاق في قمة البناء الحياتي، ولو بصورة شكلية، وأصدر قانون حماية القيم من العيب الذي وضع من خلاله قيودا على حرية الصحافة وحرية العمل السياسي.

الفرق الإعلامية المأجورة

وفي الحقبة المباركية كانت هناك العديد من المحاولات للانقضاض على حرية الصحافة بدعوى حماية الحياة الخاصة للمواطنين، أما السبب الحقيقي فقد كان يتعلق ببدء مرحلة هيمنة تحالف رجال الأعمال والمال مع مصالح أجنبية، وكان لا بد من إجراءين، الأول: تقويض حرية الصحافة، والثاني توسيع رقعة مساحة الإعلاميين الموالين للتحالف الجديد والنظام الداعم له وتمكينهم من الهيمنة والسيطرة على مفاصل المؤسسات الإعلامية في مصر، وبالطبع كان الأساس في هذه الفرق الإعلامية المأجورة هم رجال الأنظمة السابقة باعتبارهم المؤهلين لهذه المهمة.
وكانت من أهم المعارك في هذه الفترة معركة القانون 93 لسنة 95، وهو القانون الذي أعاد مرة أخرى مبدأ الحبس الاحتياطي للصحفيين في قضايا النشر، ورغم حسم المعركة بنسبة كبيرة لصالح الصحفيين بعد وقفتهم وتصديهم للقانون بكل قوة، إلا أن مبدأ حبس الصحفيين لم يغب عن ذهن أصحاب المصالح، ورغم أن الدولة ابتدعت وسائل وحيل ومبررات مختلفة لتقييد حرية الصحافة والصحفيين، إلا أن الرغبة في تقنين مبدأ حبس الصحفيين في قضايا النشر ظلت موجودة وبشدة داخل ذهن أصحاب المصالح الذين كانوا متأهبين للانقضاض عل مجتمع الصحافة في اللحظة المناسبة، وكانوا طوال الوقت يمهدون لهذا الأمر من خلال إجراءات، أهمهما: سيطرة كبرى مؤسسات الأمن المصري على المؤسسات الإعلامية من خلال التحالف مع رجال الأعمال الموالين للنظام العسكري الجديد.

الغرض من هذا السرد التاريخي السريع هو الإشارة إلى أن القوانين والإجراءات المقيدة لحرية الصحافة هي أمر قديم وممتد، إلا أن القانون الذي وضعه النظام العسكري الحاكم الآن يختلف في عدة أمور، وتزداد خطورته عن القوانين السابقة رغم أنه يعتبر حلقة ضمن حلقات القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير التي فرضتها الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر، لهذا فإن رفض الجماعة الصحفية لهذا القانون لا يعني مطلقا إقرارها للقوانين القائمة رغم أنها أقل حدة من هذه القانون وأنها لم تقر صراحة بمبدأ حبس الصحفيين في قضايا النشر (بشكل رسمي).

القانون الأخطر

خطورة هذا القانون أن نيرانه تجاوزت حدود الجماعة الصحفية وجماعة الإعلام، ووصلت إلى مرحلة تقييد حرية رأي الموطن وتجريم حقه في إبداء رأيه بصراحة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بعد العقدة التي أصابت النظام الحاكم من هذه المواقع أثناء ثورة يناير (كانون الثاني).

كما أن دوافع هذا القانون جاءت في مرحلة شديدة الخطورة على استقلال الوطن والحفاظ على أراضيه إذ تشير كل الدلالات إلى أن النظام الحاكم الآن يتجه للدخول في مشروعات كبري تصب في صالح الحليف الغربي؛ بل والعدو الصهيوني الاستراتيجي من خلال هدم ثوابت وطنية والتنازل عن ملكية أراضٍ مصرية مثل: تيران وصنافير، وفتح باب الهيمنة الاقتصادية للمستثمر الأجنبي من خلال احتكار ملكية وإدارة مشروعات قومية استراتيجية، وفي الوقت نفسه وضع الاقتصاد المصري في زاوية الأسر والتبعية لاقتصاد الدول الكبرى بعد الإهمال المقصود لمشروعات التنمية.

القانون الجديد في مقدمته تعرض لبعض التعريفات ومنها:

المؤسسات الصحفية: المؤسسات وشركات النشر والتوزيع، وتصدر صحفا ورقية أو إلكترونية.

 – المؤسسات الصحفية القومية: المؤسسات وشركات النشر والتوزيع ووكالات الأنباء التي تملكها الدولة ملكية خاصة، وتصدر صحفا ورقية أو إلكترونية، أو أي نشاط توافق عليه الهيئة الوطنية للصحافة.

خارج السياق

المتابع للتطورات الاقتصادية في مصر يعلم تمام العلم اتجاه النظام المصري منذ عشرات السنوات إلى خصخصة كافة المؤسسات الاقتصادية والثقافية في مصر.
ربما هذا لم يشمل المؤسسات الصحفية لكونها مؤسسات ظلت طوال الوقت ذات طبيعة خاصة.
فرغم أنها تخضع لإشراف الدولة من خلال المجلس الأعلى للصحافة إلا أنها تتميز بدرجة من درجات الاستقلالية المرتبطة بمفاهيم حرية الصحافة واستقلالها عن مؤسسات الدولة وبكونها سلطة رابعة.
إلا أن سياسة النظام في العامين الماضيين اتجهت بالمخالفة للسياق إلى تأميم المؤسسات الإعلامية كافة ووضعها تحت هيمنة الجانب الأمني للنظام عن طريق خطة جهنمية استندت على تحالف رجال أعمال السلطة مع النظام العسكري والاستحواذ على ملكية المؤسسات الخاصة ومشاركة أجهزة أمنية سيادية بنسبة في ملكية هذه المؤسسات التي أصبحت فعليا ملكا للنظام نفسه في تجاوز حتى لثوابت وقواعد ملكية الدولة.
وفي خط مواز قام النظام بإعداد فريق هيمنة من أتباع الأنظمة السابقة داخل الجماعة الصحافية ليكونوا فريق السيطرة من خلال مؤسسة تحت اسم الهيئة الوطنية للصحافة هدفها تنفيذ سياسات النظام الأمنية الهادفة إلى وضع كافة المؤسسات الإعلامية تحت السيطرة وتتحكم في مقدراتها وخاصة أن القانون يعطي للهيئة حق ممارسة أي نشاط داخل هذه المؤسسات حتى لو كان نشاطا غير إعلامي، فالقانون هنا مثلا لا يمنع أن تتاجر مؤسسة صحفية في الأسماك لو وافقت الهيئة الوطنية للصحافة، كما أن للهيئة حق إغلاق أي مؤسسة وبالطبع دون تكبد أي عناء في تشريد العاملين فيها في ظل قوانين العمل الممهدة لفصل وتشريد العمال.

وفي إطار القضاء على هيمنة الصحفيين على المؤسسات الصحفية نص مشروع القانون الجديد على أن تشكيل مجالس إدارات المؤسسات الصحافية يتكون من17 عاملا من المؤسسة من بينهم  صحفيان فقط!!!

مراقبة المجتمع

أخطر بند في هذه الإجراءات المقيدة هو ما نص عليه قانون المجلس الأعلى للإعلام، والذي أعطى للمجلس الحق في مراقبة وحجب ووقف الحسابات الإلكترونية الشخصية التي يزيد عدد متابعيها عن خمسة آلاف شخص، وبالطبع الأسباب المعلبة جاهزة والتي تدور حول حماية المجتمع والقيم، فإذا ما أضفنا علاقة هذه المؤسسات الرقابية بأجهزة الأمن ندخل في احتمال اتخاذ إجراءات مقيدة للحريات في حالة إدانة المجلس الأعلى للإعلام لأي مؤسسة إعلامية أو صحفية كما حدث مع الصحفي عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية عندما تم اعتقاله عقب تقرير إدانة من مكرم محمد أحمد رئيس هذه الهيئة بسبب خبر تمت ترجمته ونشره على الموقع. وهنا نلاحظ أن الخطورة تجاوزت حدود الجماعة الصحفية إلى كل المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي.

المواد (5 و10 و19 و29) من مشروع القانون تتعارض بشكل واضح مع نصوص الدستور، إذ تجيز للجهات الإدارية والتنفيذية حقوق الهيمنة والمصادرة بل والحبس، بحجج وأسباب واردة في عبارات تغلب عليها العمومية والضبابية مثل الدفاع عن البلاد، ومعاداة مبادئ الديمقراطية، والتعصب الجّهوي… الخ.

الحقيقة الواضحة أننا مستغرقون في مناقشة قوانين فرضها نظام فاشي قمعي لم يكلف نفسه حتى إتقان إخراجها لعدم اهتمامه بأي شرعية واعتماده على البطش والإرهاب والاستبداد.

يبدو أن مقاومة الاستبداد والقمع ليس من أدواتها القوانين والبرلمان.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه