في المسألة الرئاسية والانتخابات

الحكم الفاشي لا يزول ولا تُقتلع جذوره عبر صندوق الانتخابات، وإنما من خلال ثورة جماهيرية تحت قيادة معارضة بينها وبين الجماهير والشعب توافق.

 

الانتخابات الرئاسية المصرية على الأبواب، ورغم أنها انتخابات أقرب لمعنى كلمة تحصيل حاصل طبقا للحالة الديمقراطية التي يعيشها الشعب المصري منذ عام 1952 حتى الآن (فيما عدا أول انتخابات رئاسية بعد الثورة)، إلا أن حالة من اللغط تدور حول هذه الانتخابات وعلاقاتها بحركة المعارضة الطبيعية الكامنة داخل نفوس المصريين ضد هذا النظام الذي تردى بالأوضاع المعيشية إلى حد غير مسبوق، وأكثر حالات الجدل واللغط بين فريقين، الأول يدعو إلى التوافق حول مرشح يواجه الرئيس العسكري وتحويل الحالة الانتخابية من حالة شكلية إلى فاعليات ثورية في الشارع، والثاني يرى أن خوض الانتخابات نتيجته الوحيدة هو إعطاء شرعية للنظام الحالي والرئيس الحالي الضامن لنتيجة الانتخابات مسبقا بسبب الفساد والتزوير المتوقع، وفي مقدمة هؤلاء فريق أنصار الشرعية وجزء من جماعة الإخوان المسلمين الذين يرون أنه لا شرعية غير شرعية الرئيس محمد مرسي، وأن أي حوار حول التغيير لا يكون إلا بعد عودة محمد مرسي للحكم، باعتبار أن هذا هو المسار الشرعي الوحيد.

دعونا نحلل بتفصيل الرؤيتين في ظل ثوابت معلوماتية حول حركة التغيير في مصر بعد عام 2011 وفي ظل خبرات الشعوب في مجال الثورات على الطغيان والفاشية والفساد.

الفساد السياسي والانتخابات

المتفق عليه حتى على المواقع الرسمية للحكومة المصرية أن من أهم الأسباب الرئيسية لثورة 2011 عنف الشرطة والانتهاكات والفساد وانخفاض مستوى المعيشة وتزوير الانتخابات بحسب ما ذكرته صفحة الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، وبخصوص الانتخابات جاء النص الذي أوردته الهيئة كالأتي: “تزوير الانتخابات: تزوير إرادة الناخب طيلة حكم الرئيس السابق مبارك، وآخرها انتخابات مجلس الشعب التي نظمت في نهاية عام 2010 قبل شهرين من احتجاجات يناير الشعبية، والتي حصل فيها الحزب الوطني الحاكم علي 97 % من مقاعد المجلس النيابي محققاً نسبة مطلقة تقصي المعارضة تماماً، الأمر الذي أصاب الشعب بالإحباط، ودعم لديه الانطباع بتراجع الأوضاع السياسية وعدم قدرة النظام الحاكم علي تلبية مطالبه”.

والحقيقة المؤكدة أن العلاقة بين الفساد والانتخابات هي علاقة وثيقة رغم الاختلاف الظاهري النوعي بينهما إلا أن تدخل الشركات ورجال الأعمال في دعم بعض المرشحين النيابيين أو المرشح الرئاسي إنما هو يقين على أن هناك مصالح متبادلة بين الطرفين وهو ما أدى ببعض البلدان مثل فرنسا إلى حظر تدخل الشركات في العملية الانتخابية وجرموا التمويل في هذا الإطار، إلا أن الوضع في مصر فيما يخص التداخل والعلاقات الفاسدة بين رجال الأعمال والسلطة شديد التردي وأبرز نموذجين في هذا المجال أحمد عز فترة حكم محمد حسني مبارك وأحمد أبو هشيمة فترة حكم عبد الفتاح السيسي، وما يهمنا أن الحراك السياسي في الشارع المصري والاشتباك الميداني مع الفساد أثناء الانتخابات النيابية بل وأثناء الانتخابات الرئاسية 2005 رغم ضعف تمثيل المرشح المنافس أيمن نور كان لهما أكبر الأثر في خلق تراكمات شديدة أدت إلى قيام ثورة 2011.

الفريقان

نعود إلى الفريقين المختلفين حول خوض الانتخابات الرئاسية، الفريق المطالب بالمقاطعة يحمل بين طياته كل معاناة الفرق المعارضة في مصر، والتي تتلخص في العزل والانعزال عن ممارسة السياسة في الشارع والاضطهاد والحصار، ورغم ذلك ينادي بمقاطعة الانتخابات بمبرر أن نزول منافس أمام المرشح العسكري مغتصب السلطة عبد الفتاح السيسي إنما هو إعطاء شرعية شكلية لحكمه!!

ولي في هذا الأمر قناعة وعدة ملاحظات:

القناعة أن الحكم الفاشي لا يزول ولا تُقتلع جذوره عبر صندوق الانتخابات، وإنما من خلال ثورة جماهيرية تحت قيادة معارضة بينها وبين الجماهير والشعب توافق واقتناع واتساق وتراكم جهادي في الشارع.

أما الملاحظات فهي:

•        الملاحظة الأولى: من الناحية السياسية سلاح المقاطعة هو سلاح إيجابي يختلف عن سلاح العزوف عن المشاركة والمواجهة وهو سلاح سلبي، والمقاطعة هي عمل سياسي بالأساس وحراك لا يستطيع القيام به إلا من له وجود وسيطرة على حركة الشارع وتوجيهها وبمعنى آخر يكون في لحظة الدعوة للمقاطعة داخل إطار المنافسة مع النظام الفاشي القائم، وهنا تصبح المقاطعة نوعا من الحصار القوي للنظام وتمهيدا للقضاء عليه، أما في حالة أن تكون القوى الداعية للمقاطعة محاصرة بشكل كامل في علاقاتها بالجماهير فإن المقاطعة هنا هي نوع من الانسحاب والعزوف عن المشاركة والمواجهة في مناسبة يمكن أن تكون سببا في عودة اتصال وتأثير وتفاعل المعارضة مع الجماهير، وهنا العزوف عن المشاركة والمواجهة يتحول إلى دعم وتأكيد لوجود السلطة الفاشية.

•        الملاحظة الثانية: تتعلق بالمسألة المصرية هناك فريق من الداعين للمقاطعة من أنصار عودة الشرعية المطالبين بعودة الرئيس محمد مرسي والذي تولى عبر صناديق الانتخابات عام2012 وتم الإطاحة به عبر انقلاب عسكري ومؤامرة عام 2013. وهؤلاء يرون أن أي منافس على الرئاسة إنما هو ضمن المغتصبين لشرعية للرئيس مرسي، والحقيقة ورغم موافقتي بنسبة كبيرة على توصيف عزل الرئيس مرسي بالمؤامرة وانتهاك الشرعية، إلا أن تفاصيل كثيرة في الموضوع والأحداث وأخطاء وقع فيها الجميع لا مجال لمناقشتها في هذا المقال، تعيد صياغة المشهد ليكون هدفه الرئيسي التخلص من الحكم العسكري الفاشي وليس عودة الرئيس مرسي وهو المطلب الضيق الذي ينقل المشهد من المصلحة المصرية العامة إلى مصلحة ضيقة لجماعة أو مجموعة، وهنا يحق لنا أن نقول: إن السياسي الذي يستهدف مصلحة الوطن تكون عنده القدرة والمرونة والشجاعة على التنازل عن المصالح الضيقة والانخراط في مصالح المجموع.

•        الملاحظة الثالثة: لا أريد التوقف عندها كثيرا وهي تتعلق بمجموعات تظهر دائما في الأزمات وتكون مستفيدة من الوضع القائم وهم منتشرون بين الفريقين، وهؤلاء يتسم خطابهم بالتشدد الذي يؤدى إلى تعقيد أي حل للأزمة والوضع القائم الذي هو بالنسبة لهم وضع مثالي لتحقيق فوائد ذاتية وشخصية، وهؤلاء لا يختلفون كثيراً عن مجموعات الفاسدين المحيطين بالحكم الفاسد ولكنهم يلبسون ثوب المعارضة ولهذا تجدهم في كثير من خطابهم ومواقفهم متفقين على تشويه أي أطار يهدد شرعية النظام القائم، فريق المتعارضين (الذين يرتدون ثوب المعارضة) بالتشدد، وفريق الدولة بالتأييد.

•        الملاحظة الرابعة: تتعلق بالداعين إلى الدفع بمرشح في مواجهة «السيسي» وهنا أعود وأؤكد على أن النظام الفاشي لن يزول عبر صناديق الانتخابات، ولكن الأمر يتعلق بمحتوى الخطاب في الشارع وحركة كل مرشح وفريقه، فإذا كان خطاب المرشح خطابا به دعاية تقف عند إطار البرنامج والدعوة الماسخة للترشح فهنا يكون المرشح “كومبارس” ومكملا للمشهد الانتخابي السخيف، أما إذا كانت حركة المرشح وخطابه قوياً كاشفاً لفساد الحكم أكثر من الدعاية لنفسه داعياً للتوحد من أجل إسقاط هذا الحكم، مشاركاً في تنظيم حركة الجماهير للاستمرار في التفاعل الثوري على المدى البعيد حتى بعد الانتخابات وكاشفاً لهزلية الانتخابات وشكليتها، فهنا المرشح يكون جزءا مهما من حركة التغيير يجب دعمه ليس من أجل نجاح الصندوق الوهمي وإنما من أجل خلق حراك تراكمي في الشارع المصري، ولا يجب أن ننسى أن مشاركة الجماهير في انتخابات 2010 ومشاهدتهم التزوير وتعرضهم للقمع وتغيير إرادتهم كان سببا مهما ورئيسيا في ثورة 2011. ولو كانت الجماهير قد قاطعت انتخابات 2010 لاتسعت الهوة بينها وبين الحالة الثورية.

وهذه الحالة ليست في مصر فقط وإنما هو منطق ساد كل الحركات الجماهيرية وحركات التغيير في كثير من دول العالم ومنها على سبيل المثال الثورة البرتقالية في أوكرانيا (2004 – 2005)، والتي اندلعت عقب الفساد الذي شاب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2004. ولو كانت الجماهير قد قاطعت ما كانت قد ثارت… يا سادة الشارع لنا نضع نحن قوانينه وقواعده وخطابه وليس المغتصب.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه