في إسبانيا .. احذروا التظاهر

ندّدت كل الأصوات المعارضة في إسبانيا على مدى عام ونصف العام تقريباً بقانون التظاهر والعقوبات التي تنصّ عليها حال مخالفة نصوصه، و يصفونها بأنها ردعيّة تصل حدّ الدكتاتورية.

عبير الفقيه*
تدخل إسبانيا شهر يوليو بقانون “حماية أمن المواطن” أو قانون تكميم الأفواه كما يوصف شعبيًا، و لعلّ أكبر متضرّر منه هو تلك الفئة الاجتماعية المؤمنة بإمكانيّة تغيير الواقع عبر التظاهر السّلمي وتطويع وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة أغراضها هذه.

هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ بداية هذا الشهر بدأت مناقشته تحت قبة البرلمان منذ ديسمبر 2013، وانتهى بالمصادقة عليه في شهر مارس الماضي بأصوات أعضاء الحزب الشعبي الحاكم الحائز على الأغلبية المطلقة. وذلك رغم وقوف عديد المؤسسات الحقوقية العالمية و على رأسها هيومن رايتس ووتش، وأمنستي، وغرين بيس ضدّ هذا القانون إضافة إلى التقدّم بعديد العرائض الموقعة من قبل شريحة كبيرة من المجتمع الإسباني التي تندد به، واعتباره تضييقا على الحريات. هذا وقد حرصت ثلّة مرموقة تضم 35 جامعيا إسبانياً مختصا في القانون الجنائي ووجوه أخرى معروفة من مكوّنين في  المعاهد العليا للمحاماة للتنديد بخطر هذا القانون.

وقد ندّدت كل الأصوات المعارضة على مدى عام ونصف العام تقريباً بالقانون والعقوبات التي تنصّ عليها حال مخالفة نصوصه، ويصفونها بأنها ردعيّة تصل حدّ الدكتاتورية، فمقترفها يمكن ان يتعرّض لغرامات مالية تمتدّ من 100 الى 600.000 أورو. حسب تصنيف ما قام به في سلّم الجُنح و الجرائم المُحدّد في القانون.

في الحقيقة، استأثر النص القانوني الخاص ب” التظاهر” وما يمليه من شروط تنظيمية مُجحفة تكاد تكون تعجيزية، بكثير من اهتمام الرأي العام وتداولته وسائل الإعلام كموضوع يتعارض مع طبيعة الدولة الديمقراطية، وقد أجمعت أغلب الأطراف سواء الممثلة للمجتمع المدني، أو رجال القانون أو أغلب السياسيين على أنّ هذا القانون سيحدث شرخا عميقا بين الدولة وأن الآثار التي سيحدثها ستكون أسوأ من الأهداف الذي نُصّت من أجله. إلّا أن إصرار الحزب الحاكم فرضه مؤخّرا رغم كل الانتقادات والاعتراضات.

القانون يمنع منعا باتا التظاهر بدون ترخيص، ويجعل حرم البرلمانات و مجالس الشعب في كل مقاطعة أماكن محرّمة تماما لأي تجمّع ، أما الساحات العمومية فالتظاهر فيها مشروط  بأوقات معينة وبوجود إعلامي محدود. وعلى كل المتظاهرين أن يكونوا مكشوفي الوجوه، غير حاملين لآلات تصوير. و كل من يخالف هذه القواعد يتعرّض لمخالفات مالية تصل الى 30.000 أورو. ويحقّ لرجل الأمن بحكم موقعه، أن يحرّر المخالفة دون الحاجة إلى المرور إلى القضاء. ويمتدّ الأمر إلى مخالفة كل من تُسوّل له نفسه نشر مقاطع مصوّرة من الوقفات و المظاهرات تحتوي صوراً لرجال الأمن على شبكات التواصل الاجتماعي، في حالة نجاح المتظاهر في تصويرها خلسة. 

وقد عبّرت منظمة هيومن رايتس ووتش عن معارضتها الشديدة لهذا الجزء بالذات، لأنه يشرّع لقوات الأمن التعامل بالعنف حتى وإن أفضى للقتل حالة الاطمئنان لعدم وجود موثّقين بالصوت والصّورة. وقد طالت التضيقات  الصّحفيين أيضا، إذ قيّدهم القانون الجديد بشروط التغطية والنشر لهذه  الأحداث تصل حدّ حرمانهم من التوثيق حين يصدر الأمن أمراً بالمنع. أمّا الاعتصام وسط الساحات، واحتلال الأماكن العمومية تعبيرا عن الغضب الشعبي، ومطالبة بشيء ما، فهو يدخل في باب الإخلالات الخطيرة، ويكلّف صاحبه غرامات مالية مع سجن مؤكّد.

وعموما فإنّ هذا القانون، ومع ما أثاره من استياء يصل حدّ الخجل بتطبيقه في مجتمع ينتمي الى أوربا، قارّة الديمقراطيات {كما كان مُشاعا}، فإنّه يعكس مدى تخوّف حكومة الحزب اليميني الحاكم (الطرف الذي حرص على تمريره) من قدرة التغيير الذي يمكن أن يبلغه الحراك الشعبي افتراضيا على شبكات التواصل الاجتماعي وفعليّا على الأرض، وهو تغيير أثبتت الانتخابات البلدية الإسبانية الأخيرة نجاعته.
 و الدليل على ذلك اننا أمام واقع لا هروب منه، خصمان يتقاسمان أكبر بلديّات إسبانيا. حزب عريق احتكر الفوز على مدى ثلاثين سنة يواجه تحالفا حزبيّا يافعا خرج من رحم الغضب الشعبي، حركة 15 مايو، وليدة موجة اعتصامات الشباب الإسباني التي تلت ثورات الربيع العربي سنة 2011.
فهل ينجح القديم الحزب العتيق في منع التغيير بالقانون؟!

______________________

*كاتبة تونسية مقيمة في إسبانيا 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه