فلسطين قضية أمة

القضية دينية في المقام الأول وليست قضية أرض مستباحة ودولة محتلة

لم يكن مستغربا ذلك القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي ترمب بنقل السفارة الأمريكية واعتبار القدس عاصمة لدولة ما يسمى بإسرائيل في ذلك التوقيت، وفي ذلك المنحدر المخزي الذي تمر بها الأمة العربية من صراعات داخلية وإقليمية لم يسبق لها مثيل في تاريخ تلك المنطقة، فالأرض صارت ممهدة تماما لتمرير كافة الاتفاقات والوعود المسبقة للكيان المحتل في توطيد وترسيخ وجوده في قلب بلاد المسلمين وعلى بقعة من أطهر مقدساتها، تشمل بيت المقدس الذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، بينما الشعوب يشغلها حالة الصراع الداخلي مع حكام الانقلابات والثورات المضادة؛ فصارت قضية المقدسات أقل من أن تشغلها أو تلهب مشاعرها ليجد الشعب الفلسطيني وحده فى مواجهة آلة الاحتلال الدموي وقوة البطش الأمريكية، في الوقت ذاته الذي يعاني فيه ترمب العنصري مشاكل داخلية قد تودي بوجوده الرئاسي فيتعجل اتخاذ قراره قربانا للوبي الصهيوني عسى أن يضمن له ذلك بقاء لنهاية مدته الرئاسية، تجمعت الأسباب كلها لنجاح ذلك القرار بل وأحسب أن بعض الدول ومنها دول عربية يمكن أن تقدم علي تلك الخطوة إذا استطاعت آلة القمع الأمنية أن توقف غضبة الشعوب العربية ــ وأظنها ستنجح بجدارة ـــ خاصة في مصر والبلاد الموالية للقرار الأمريكي ومنها السعودية والإمارات علي أقل تقدير.

القدس قضية عقيدة

القدس لا تمثل للمسلمين مجرد أرض محتلة احتلالا جائرا علي يد شرذمة من يهود العالم في أكبر عملية تزوير تاريخية باستحلال الأرض باسم الدين، والمحاربة فيها باسم الدين، وتشويه معالمها التاريخية وإخراج أهلها وتوطين الغرباء باسم الدين كذلك لتصير دولة دينية مزورة مفروضة علي العالم بحكم الواقع والقوة، بل هي قضية عقيدة ربط الله بينها وبين المقدسات الإسلامية في مكة التي هي قبلة المسلمين في كل أرجاء الأرض حين أسري الله عز وجل بنبيه من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي ليصير التفريط في القدس تفريطا في مكة، ولتصير حرمة الأقصى من حرمة الكعبة “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”1 ، والقدس من القداسة والتقديس فهي جزء من دين الأمة وعقيدتها،  والأمة المعنية بتلك القضية هى أمة الإسلام وليست الأمة العربية وحدها. هى قضية كل مسلم في كل بقعة من بقاع العالم، فهى ليست قضية الشعب الفلسطيني الذي بذل الكثير وحده، وليست قضية العرب منفردين، وحين يسمع المسلم الحديث النبوي الذي رواه البخاري ومسلم “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس، فقيل من هم يا رسول الله قال: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس” يتيقن من أن فلسطين كلها أرض مقدسة، وأن التنازل عنها تنازل عن جزء من عقيدته وأن الموت دونها هو موت في سبيل الله تحركه في ذلك عقيدته وليس مجرد حمية طارئة قد تفتر مع الزمن فهو يأبى أن تكون قبلته الأولي مدنسة، ومسجد نبيه الذي عرج به منه إلى السماء في غير أيادي المسلمين، ولا تقام فيه الصلوات إلا تحت حراسة غير المسلمين، وتدنس ساحاته بأحذيتهم، بينما تحرسه النساء المرابطات على أعتابه، ذلك المسلم يحركه دينه وتلهب عقيدته حماسته، ويقدم نفسه فداء لذرة تراب من أرضه، لذلك فالقضة دينية في المقام الأول وليست قضية أرض مستباحة ودولة محتلة.

الاستهداف التاريخي لبيت المقدس

ليست هذه هي المرة الأولي التي تحتل فيها دولة فلسطين تاريخيا، فقبل الإسلام كان الرومان  وبعد الفتح الإسلامي لها تعرضت لتسع حملات صليبية استهدفتها، أقاموا فيها الممالك والإمارات في فترات ضعف للمسلمين تشبه تلك الفترة المظلمة التي نمر بها اليوم بالتعاون كذلك مع العملاء والخونة من الحكام والأمراء، ورغم بقائهم فيها لما يقرب من مئة سنة لم يثبت لهم فيها ذلك حق تاريخي، ولم يدعها أحد، ومن قام بتحريرها المسلمون وليس العرب وحدهم منهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الذي يقول “كيف لي أن أبتسم وثغر من ثغور المسلمين محاصر” وتلميذه صلاح الدين الأيوبي الذي طهرها في المعركة ضد المحتل الصليبي وقتها.

الطريق إلى تحرير المقدسات

ومن هنا ندرك أن الحديث عن القدس وحدها في وسائل الإعلام العالمية وانجرار العرب والمسلمين خلف حصر القضية في المقدسات وحدها هو نوع من ألاعيب المحتل حتى ننشغل عن بقية  الأرض، ففلسطين كل فلسطين مقدس إسلامي يجب علي الجميع أن يشارك في تحريره، وطريق المفاوضات التي جعلها العالم غاية في حد ذاتها، وكأنه وضع التفاوض في ناحية مقابلها ما يسمونه بالإرهاب لتضيع القضية في غياهب المؤتمرات.

 إن العالم لا يحترم الضعيف، ولا يعرف غير لغة القوة، القوة المشروعة التي كفلتها القوانين الدولية والشرائع السماوية في تحرير الأرض المستباحة، فوجب علي المسلمين أن يعوا أن قضية فلسطين غير قابلة للتفاوض، وليس من حق إنسان أن يتنازل عن شبر واحد منها لا شرقية ولا غربية، وما يجب فعله الآن هو أن يدرك المحتل أن بقاءه فيها مسألة وقت كما نعتقد جميعا ونتعبد إلي الله بذلك، وأرى أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة يجب أن تبدأ علي الفور، لتشتعل الأرض غضبا ونارا من تحت أقدامهم وليعلموا أن المقدسات الإسلامية عليها ألفا من الخطوط الحمراء لا يجب تجاوزها مهما طال الوقت بالمحتل فهو أولا وأخيرا مجرد محتل يجب أن تتطهر منه البلاد، وحقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم ومرور السنوات لا يعطي حقا لمغتصب.

 لقد أصبح لزاما علي منظمة التحرير الفلسطينية أن تحدد موقفها النهائي بعد ذلك التحدي السافر لمشاعر المسلمين وطعنهم في دينهم علي نحو غير مقبول حتى على مستوي الغربي، وعلي كل الفصائل أن تعلنها صريحة وتفتح كل الخيارات وتتحدث بلغة يعرفها العالم جيدا، وهي لغة المقاومة المشروعة لإنقاذ الأرض.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه