فائض ميزان المدفوعات بمصر من الديون

أعلن البنك المركزي المصري نتائج أداء ميزان المدفوعات عن الربع الأول من العام المالي 2017/2018 (يوليو – سبتمبر 2017) وجاءت نتيجة ميزان المدفوعات لتحقق فائضًا 5 مليارات دولار مقارنة بـ 1.8 مليار دولار عن نفس الفترة المقابلة من عام 2016/2017، ولذلك تناولت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب العسكري الأمر وكأنه أمر إيجابي، وهو عكس ذلك تمامًا.

فبالرجوع لنفس البيانات على موقع البنك المركزي، ومطالعة التفاصيل، وجد أن هذا الفائض تحقق من الديون وليس من موارد ذاتية، صحيح أن هناك تحسن في بعض المؤشرات مثل السياحة والصادرات السلعية وتحويلات العاملين بالخارج، ولكن هذا التحسن لا يجبر العجز في ميزان المدفوعات في حالة استبعاد استثمارات الأجانب غير المباشرة، والمتعلقة بشكل رئيس في أذون الخزانة، وكذلك القروض المباشرة والمقدرة بنحو 887 مليون دولار.

وفي حالة استبعاد الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة وكذلك قيمة القروض من الخارج، يتحول أداء ميزان المدفوعات للعجز، حيث يبلغ إجمالي هذين البندين نحو 8.3 مليارات دولار.

شواهد على التراجع

وثمة شواهد أخرى على حقيقة تراجع ميزان المدفوعات وليس تحقيق فائض، ومن هذه الشواهد، أن الجنيه المصري انخفضت قيمته خلال اليومين الماضيين بنحو 20 قرشًا أمام الدولار، ولو كان هناك فائض حقيقي بميزان المدفوعات لاستقر سعر صرف الجنيه أمام الدولار، أو ارتفعت قيمة الجنيه أمام الدولار، وليس العكس.

 والأمر الثاني أن الحكومة أعلنت عن اتخاذها كافة الإجراءات الخاصة بطرح سندات في السوق الدولية لاقتراض 4 – 6 مليارات دولار في يناير 2018، وكذلك طرح سندات بقيمة 1.5 مليار يورو. فكيف لحكومة تحقق فائضا في ميزان مدفوعاتها تلجأ للاقتراض من أكثر من جهة في فترة قصيرة لا تتعدى عدة أشهر؟

 وإذا ما كانت مصر قد بدأت في تحقيق فائض في ميزان مدفوعاتها، فلماذا تقترض من البنك الدولي خلال الاسبوع الماضي بنحو1.1 مليار دولار، وقرض أخر من البنك الأفريقي بنحو 500 مليون دولار.

وثمة أمور أخرى تبرهن على أن مشكلة مصر الاقتصادية مزمنة وأن ما اعترى بعض البنود من تحسن أتى في إطار المصادر الريعية، مثل السياحة التي زادت إيراداتها بنحو 1.5 مليار دولار، وكذلك الصادرات البترولية بنحو 250 مليون دولار وقناة السويس بنحو 80 مليون دولار.

المصير

وعلى الجانب الآخر نجد أن العجز في الميزان التجاري يتجاوز 9 مليارات دولار، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة شهدت تراجعًا بنحو 250 مليون دولار، وحتى هذه الاستثمارات في مجملها ذات عائد اقتصادي ضعيف، فنحو 84% منها أتت في قطاع البترول وذلك حسبما ذكر بيان البنك المركزي عن أداء ميزان المدفوعات. والمعلوم أن استثمارات البترول كثيفة في رأس المال، فضلًا عن أن جانبًا كبيرًا منها يعود للخارج مرة أخرى في شكل أجور الخبراء، وإيجار ونفقات للشركات الأجنبية لما تملكه من معدات لا تملكها مصر.

فإلى متى ستكون معالجة البيانات الاقتصادية في مصر معالجة سليمة تتفق ومقومات البحث العلمي، فكما بين البنك المركزي في بيانه الحسابي أن هناك فائضًا، كان عليه أن يشرح للمواطن أن هذا الفائض في حقيقته عجز ودين، وليس فائضًا من موارد ذاتية يمكن اعتباره مردودًا إيجابيًا للنشاط الاقتصادي لمصر في تعاملاتها مع الخارج.

إن المصير الذي تنتظره مصر لا يحتمل أن تزيف البيانات الاقتصادية، فلابد أن توضح الحقائق، التي أدت إلى أن تجعل وكالة بلومبرغ تتوقع أن تتعرض مصر خلال 2018 إلى مخاطر التعثر في سداد مديونياتها الخارجية، وهو أمر يتنافى مع أداء المؤسسات الاقتصادية الحكومية في مصر، والتي تصر على أن تصدر صورة غير حقيقية عن طبيعة النشاط الاقتصادي.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه