غسل العار بالدم

 

وسط كلّ ألوان القتل المباحة والمستشرية في سوريا تعود جرائم الشرف لتتصدّر العناوين الرئيسة لمواقع التواصل الاجتماعي.

قد يبدو الأمر غريباً وسوريا غارقة في الحرب والدّمار والتّسلط وكلّ أنواع الاحتلالات لكنّ الذكور الذين لا يرون من شرفهم سوى ما علق في أذهانهم من جاهليتهم عادوا من جديد.

حضورهم هذه المرة أقوى وأشدّ عنفاً ولأسباب أتفه من أن يقام عليها حد أو عقاب!

الحادثة الأشهر منذ فترة قريبة هي قيام أب بقتل ابنته في مدينة السويداء؛ لأنّ المدرسة أرسلت له خبراً بتغيب ابنته عن المدرسة، فما كان منه سوى أن ركب سيارته وذهب يبحث عنها؛ وجدها تتسكع مع زميلة لها في السوق، أركبها معه في السيارة وفي طريق خالٍ أنزلها وأطلق عليها النار وتركها وعاد إلى البيت.

هكذا بكلّ بساطة، وبعد التحقيق تبين أنّ البنت لم تكن على علاقة بأحد وأنّها سليمة وقامت بالهرب مع زميلتها من المدرسة فقط لأنّها أحبت أن تتغيّب عن الدروس!

الحادثة الثانية التي حصلت في مناطق السّيطرة التّركية في الشّمال، قام شاب بقتل شقيقته وعمرها أربعة عشر عاماً لأنّها وضعت صورتها الشّخصية على الانستغرام! وصوّر فيلماً وهو يقتلها ونشره بنفسه.

بشار بسيس قتل شقيقته رشا بأن أفرغ عليها ثلاثة مخازن من بارودته الروسية ما يعني أن تسعين رصاصة اخترقت جسدها، تسعون رصاصة كافية لإشعال جبهة وتحرير حاجز للنظام!

هل القانون هو السبب؟

في المادة 548 من قانون العقوبات السوري يحكم على القاتل في جرائم الشرف سنتين، وقد عُدّلت بموجب مرسوم رئاسي في تموز عام 2009.. بعد التعديل فرضت عقوبة بالسجن لمدة سبع سنوات بحق من يرتكب جريمة شرف بحق ابنته أو أخته أو زوجته أو إحدى قريباته ويثبت واقعة الزنا بضبط القتيلة وشهادة الشهود. وذلك بعد أن قضت إحدى محاكم دمشق بتخفيف العقوبة على قاتل زهرة العزو وهو شقيقها الذي غسل عاره بالدم ومنحته البراءة!

دعت منظمات حقوقية وشخصيات بارزة في المجتمع السوري لإلغاء المادة 548 ومواد أخرى تخفف العقوبات عن مرتكبي جرائم الشرف. ومنهم محمد حبش “عضو في مجلس الشعب السوري، وممثل التيار الإسلامي المعتدل قبل الثورة!” وقد عارض الدكتور حبش المادة 548 لمخالفتها للشريعة الإسلامية التي لا تعاقب الزنا بالقتل على حد تعبيره.

بينما طالب مفتي الدولة “أحمد حسون” تعديل القانون المتعلق بجرائم الشرف؛ لأنّ الشرف قيم وأخلاق وليس دعوة للقتل على حد تعبيره.

هذه الثغرات القانونية كرّست ظاهرة “غسل العار” بالقتل، وسهّلت مهمة المجرمين الذين يرتكبون جرائمهم تحت حماية القانون وأنظار واضعيه.. وفي كلّ جريمة قتل تقرّ المحكمة بولادة بطل جديد بتأييد مطلق من القضاء والحكومة السورية.

غسل العار بالدم بين الأمس واليوم:

يتواطأ المجتمع بنسائه ورجاله مع القاتل في جرائم الشرف وإن ثبتت براءة القتيلة، فالعرف يقول بأنّ سمعة البنت أصبحت سيئة وموتها خير لأهلها من حياتها وهي موصومة بالعار والشكّ وعلى حد تعبير عميد المسرح العربي يوسف وهبي “شرف البنت زي عود الكبريت” فإن ثبت أنّها زنت فقتلها راحة لأهلها وإن ثبتت براءتها سيبقى أهلها مرفوعي الرأس لأنهم دافعوا عن سمعتهم وأزالوا العار قبل وقوعه!

اليوم وفي ظلّ الفوضى السائدة في سوريا زادت تلك الجرائم لأنّه لم يعد هناك قانون يعاقب عليها أصلا ولم يعد هناك رادع أخلاقي أو ثقافي فقد عاد معظم الشباب يفكرون بعقلية ومنطق مشرّعهم الجاهل الذي يبيح لهم فعل أيّ شيء باسم الدين، فالشّاب الذي قتل أخته يضع صورة ممثلة على صفحته الشخصية في الفيس بوك ويكتب لها غزلاً تحت الصورة.

والرجل الذي قتل ابنته من الطائفة الدرزية، بمعنى أنّه ليس من المسلمين المتشددين أو الدواعش!

لكن المفهوم الداعشي هو المسيطر على عقول هؤلاء القتلة الذين تتركز أفكارهم وهواجسهم في القسم السفلي من جسد المرأة.

معجمياً تعني كلمة الشرف العلوّ والمكانة الرفيعة، وكذلك تعني الحسب بالآباء، في المعنيين يمكننا تقصي الدلالة ضمن مفاهيم التراتب القبلي أو العشائري حيث تتمايز الأنساب ولقب الشريف ليس عاماً لكلّ أبناء القبيلة خاصة ضمن تقسيمتها المجتمعية ( أمراء وفرسان وخدم ) ومع تحلل وتفسخ الكثير من القيم العشائرية في العصر الحديث انزاحت دلالات بعض المفاهيم ليغدو معنى الشرف محصوراً في مقابلة العار ولأنّ العار كمفهوم بات محصوراً فيما ترتكبه الأنثى من حماقات ( من وجهة نظر الذكور ) فقد غدا الشّرف مجرداً من كلّ دلالاته المعجمية ليعني فقط تغليف الأنثى والمحافظة على جسدها في ثلاجة العفة إلى أن يأتيها الزوج المرضي عنه، أما الحديث عن مشاعر الأنثى ورغباتها فهذا من المحرمات شرعاً وقانوناً حسب المفاهيم المؤسسة للدعشنة.

أما أخطر ما يمكن رصده في هذا الموضوع هو تسمية هذه الجرائم بجرائم الشّرف أو جرائم الدّفاع عن الشّرف خاصة وأنّ الغالب الأعم ممن يرتكبون هذه الجرائم ممن لا شرف لهم. فمن يرضى بالذل والمهانة من حاكم مستبد أو أمير داعشي لا أحد يعرف أصله وفصله فهو بكلّ تأكيد بعيد الشرف. فعن أيّ شرف يتحدّثون؟

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه