عودوا لمقاعدكم !

جاء حكم محكمة النقض ببراءة مبارك ورجاله، نهائياً وباتاً، وغير قابل للطعن، ليعود مبارك إلى قصره ، تنفيذا لعبارة “عودوا إلى مقاعدكم

تلك العبارة التي نطق بها من قبل المستشار محمود كامل الرشيدي، قاضي محاكمة حسني مبارك ، وقام بترديدها مرارا لتبدو كما لو أنها كلمة السر لتدشين مرحلة جديدة، عاد فيها مبارك إلى منزله على النحو الذي ذكره محاميه فريد الديب اليوم، الجمعة 24 من مارس/آذار!

هذا الحكم جاء مخيبا لأمال ثوار يناير ، بعد أن اكتشف الجميع أنهم كانوا مطية لمن أراد اللعب بأحلام الشباب في الحرية وفي غد أفضل، لوطن أرادوه حرا ، وأراده حكامه غير ذلك، وضاعت هدرا دماء الشباب التي أريقت دفاعاً عن الحرية والعدالة الاجتماعية.

العودة

لقد عادوا لمقاعدهم! ومن يتابع ممارسات نظام الحكم في مصر ورجاله يعلم يقينا أن نظام مبارك هو من يحكم ويسيطر، ليس باللوبي المكون من كبار رجال الأعمال والسياسيين فقط، ولكن من خلال قيادات الحزب الوطني نفسه، والذى تم حله بحكم من المحكمة الإدارية العليا.

والمتابع بدقة للتغييرات الوزارية الأخيرة، ومعها تغييرات المحافظين، يجد أن مصر يحكمها الآن حزبان هما: الجيش والحزب الوطني، فمنهما تتشكل الدولة الآن ونظام الحكم، ومنهما يتم اختيار الوزراء والمحافظين وكل قيادات الدولة .

وقد اكتشفت السلطة أن المشكلة ليست في الحكام ونظام الحكم وإنما في الشعب المصري، وهذا ما أكده تصريح للواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قال فيه: “الدولة في ظروف صعبة، والسكان أصبحوا عبئا على الدولة” ـ لاحظ أنه جنرال ـ وقد سبقه الجنرال  السيسي عندما سافر لليابان ورجع مبهورا بالشعب الياباني وتمنى لو كان المصريون يابانيين، لكنه لم يمد الخيط على استقامته ويتمنى لمصر حكاماً كحكام اليابان .

كما وجد النظام أن مصر صارت عقيما، حيث تولى الدكتور على مصيلحى وزارة التموين في التعديل الأخير، وهو القيادي في الحزب الوطني ولجنة السياسات وآخر وزير للتموين في عهد مبارك، وكان المواطنون يتقاتلون أمام المخابز للحصول على الخبز في عهده، فلم يكن اختياره لأنه صاحب تجربة ناجحة ولكنه تعبير عن النظام الذي عاد بإجراءات 3 من يوليو/تموز.

مصيلحى كان يتولى قبل تعيينه في منصبه الجديد، رئاسة اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، والتي وافقت على القرارات الاقتصادية الأخيرة، ما أدى إلى  ارتفاع غير مسبوق في اﻷسعار ، وأصبح المواطنون، خصوصا الموظفين منهم، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم من السلع الأساسية.

المرأة الحديدية

ثم تمخض التغيير الذى لا يهتم به المواطن المطحون ولا تفرق معه الأسماء عن تولى من يطلق عليها المرأة الحديدية، المهندسة نادية عبده (71 عاما) منصب محافظ البحيرة ، وهى إحدى  المرشحات عن الحزب الوطني في انتخابات 2010 وقد فازت فيها، وهى الانتخابات المزورة التي كانت سببا كبيرا في ثورة يناير ، ولكن كما قال المستشار الرشيدي “عودوا إلى مقاعدكم ”  فهو لم يكذب لأنهم بالفعل عادوا وتولوا الحقائب الوزارية، وغير هذا من مواقع تنفيذية في السلطة الجديدة/القديمة.

نادية عبدة أول سيدة تتقلد منصب المحافظ في مصر، سبق لها أن تولت منصب رئيس شركة مياه الشرب بالإسكندرية لمدة 10 سنوات، وكانت مقررة للمجلس القومي للمرأة برئاسة سوزان مبارك، فرع الإسكندرية، وتم تعيينها نائب محافظ البحيرة  في 2013، وتولت الإشراف على مشروعات المياه والصرف الصحي لما لها من خبرة في هذا المجال، ولكنها فشلت في حل مشكلة تلوث المياه، رغم توليها منصب رئيس شركة مياه الشرب في الإسكندرية وهو مجال تخصصها، ولكن جاءت التغييرات الأخيرة لتجعل منها محافظا وهى من قيادات الحزب الوطني المنحل التي فشلت في حل مشكلة التلوث، فتعيينها كان لانتمائها لدولة مبارك التي استجابت للأمر القضائي: “عودوا إلى مقاعدكم”

نعم هناك شعور لدى الكثيرين بأن هذا النظام يعمل وفق خطة منهجية لجعل المواطنين يكرهون هذا الوطن، حيث القروض الكبيرة والإنفاق المبالغ فيه على المؤتمرات والحفلات بهدف ” الشو” وارتفاع الأسعار.

ولا تثريب عليهم فقد صدق المستشار الرشيدي، وعادوا فعلا لمقاعدهم!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه