عندما حضر علاء وجمال مبارك!

الميدان الذي أخرجهما من الحياة العامة، هو نفسه الذي يعيدهما إليها، إنه لمن المؤكد أنهما بعد هذا ” الفرح” أقصد العزاء قد عادا سعداء من مناسبة كان مثلها حتي وقت قريب .. محزَنة وبُكاء

عبده مغربي* 

من المؤكد أن والدته، ليست أعز عليهما من والدهما، ومن المؤكد أيضاً أن المسافة الزمنية لم تصل بهما إلي الحد الذي نسيا فيه ما فعله مصطفي بكري فيهما وفي أبيهما، لكن المؤكد أنها السياسة التي من الصعب علي جمال وعلاء مبارك أن ينسياها، حتي أنهما لم يجدا أعظم من “فرصة” وفاة والدة مصطفي بكري الإعلامي الشهير لكي تطأ أقدامهما سجادة عزائها في صورة أشبه بسجادة أوسكار التي يستعرض عليها نجوم السينما ظهورهم أمام عدسات الكاميرات.
في  نفس هذا المكان “ميدان التحرير” الذي يوجد به سرادق العزاء، كان مصطفي بكري قبل أكثر قليلاً من 4 سنوات محمولاً علي الأعناق  في ثورة 25 يناير يهتف ضد مبارك ونجليه، حاملاً في يده مستندات “استيلاء جمال مبارك علي 75 طن ذهب” وهي المستندات التي تضمنها بلاغ تقدم به ضدهما للنائب العام ضمن عدة بلاغات كان بعضها سبباً في إيداع مبارك ونجليه خلف القضبان لسنوات، قبل أن يخرجا بالبراءة منها وعقب الخروج بقليل يذهبا في أول ظهور علني لهما إلي مصطفي بكري لتقديم واجب العزاء في والدته الفقيدة.
في هذا العزاء الذي كان فرصة للمقابلات والسلامات والتحيات، كان المشهد طبيعياً عندما انتظر حمدين صباحي دوره في الطابور الذي يمر أفراده علي مصطفي بكري بالأحضان للتعبير عن تضامنهم معه في مصابه الأليم، لكنه لم يكن طبيعياً حين فاجأ الأخوين جمال وعلاء الجمع الواقف علي مدخل السرادق، بصحبتهم 4 من الحراس الشخصيين، فقد اهتزت أركان المكان، وترك بكري موقعه  وذهب يهرول بحرارة لكي يرحب بالضيفين.
حضور جمال وعلاء مبارك لمسجد عمر مكرم قبلة مصابي الثورة، لم يكن بالقرار السهل، كما لم يكن قرار تأديتهما واجب العزاء إلي الرجل الذي  مرمغ سمعتهما وسمعة والدهما  في الوحل سهلاً أيضاً، إذن فما الذي دفعهما إلي هذا القرار الصعب؟!، طبعاً لم تكن التربية هي التي جعلتهما يقابلا الإساءة بالإحسان كما وصفت ذلك صفحة ” أسفين ياريس” علي فيس بوك
مصطفي بكري لطالما تغني بمبارك ونظامه سنوات طويلة قبل ثورة 25 يناير، ومصطفي بكري أيضاً هو الذي تناقلت له مواقع التوصل الإجتماعي صوراً ظهر فيها شديد الود وهو ينحني أمام جمال مبارك في مجده، ووفق تفسير البعض فإنه ربما كانت محصلة ما فعله لعائلة مبارك بعد خصم ما فعله فيهم إيجابية لصالحهم فدفعتهم إلي التجاوز عن القليل الذي أصابهم منه، لصالح الكثير الذي فعله من أجلهم، فجاءوه انتصاراً لهذا لتاريخ الكبير الذي ربطهم بمصطفي بكري سنوات طويلة،علي أنه قد يبدو من غير المستوعب أيضاً التسليم بالطرح القائل بأن بلاغات بكري كانت حصانة لهم من بلاغات أخري أكثر دقة، بعد أن خلت بلاغات بكري من القرينة، وكان تقديمها والتهليل لها في الفضائيات قاطعاً الطريق علي بلاغات أخرى أكثر وضوحاً، وأن مصطفي بكري بهذه البلاغات الهلامية قدم لهم خدمة جليلة انتهت بكل بلاغاته إلي سلة مهملات المحاكم بعد أن قضي القضاء في جميعها بالبراءة، وحضورهم للشد علي يده هو نوع من رد الجميل، من غير المستوعب لأن هذا الطرح يبدو خيالياً جداً حتي عند أكثر المؤمنين بنظرية المؤامرة، التي يُعد مصطفي بكري من أهم منظريها في الكتابة الصحفية .
كل هذه التفسيرات لا يمكن التسليم بها، لكن المسلَم به أن خطوة مثل هذه ما كان يمكن أن تتم بدون تنسيق مسبق بين بكري وأولاد مبارك، فالشقيقان ليسا من السذاجة بحيث يُقدما علي هذه الخطوة بدون تنسيق، خاصة وأنه ليس من المستبعد وفقاً لتركيبة مصطفي بكري  أن يقوم بطردهما من العزاء، فيتحول أول ظهور لهما من  فرصة لإعادة طرح أنفسهما من جديد إجتماعياً بل وسياسياً، إلي نكسة تطيل أمد عودتهما للحياة العامة.
بحسابات المكسب والخسارة، فإن الخاسر الأكبر  من هذه الخطوة هو مصطفي بكري وإن بدا وجهه أكثر إشراقاً وهو يستقبل الشقيقين علاء وجمال، ذلك أن صورة المناضل الذي  ظهر مكشراً  أنيابه  لمبارك ونجليه بعد ثورة  25 يناير، أسقطها الشقيقان  علاء وجمال بقوة علي الأرض حتي تهشمت وتناثرت علي عتبات دار مناسبات عمر مكرم بعدما بدا مبتهجاً  فرحاً بمشاركتهما أحزانه في وفاة والدته.
علي ناحية أخري فإن المكاسب التي تحققت لنجلي مبارك من الظهور في عزاء والدة “بكري” كثيرة، أهمها، نجاح أول اختبار لمدى استيعاب الناس ظهورهما من جديد، وقد كانت النتائج أكثر من مرضية وفوق ما يطمحون، عندما تكالب الحضور عليهم،  إلي الدرجة التي حدت ببعضهم إلي إلتقاط”سيلفي” معهما، أيضاً قدما رسالة إلي المجتمع مفادها أن تربيتهما فرضت عليهما الفصل بين الخلاف والواجب، فقدما الواجب علي الخلاف، وظهرا علي خير ما يكون الظهور، وهذه فرصة قدمها لهم بكري علي طبق من ذهب، كما مكنتهما المناسبة من إيصال رسالة إلي قواعد الحزب الوطني المنحل أن فرص عودتهم إلي الحياة السياسية باتت قريبة، علي أن الفائدة الأكبر التي تحققت لهم هي ترحيب الحضور بهم في حرم ميدان التحرير،  يال سخرية القدر .. الميدان  الذي أخرجهما من الحياة العامة، هو نفسه  الذي يعيدهما إليها، إنه لمن المؤكد أنهما بعد هذا ” الفرح” أقصد العزاء قد عادوا سعداء من مناسبة كان مثلها حتي وقت قريب .. محزَنة وبُكاء

_______________

*كاتب وصحفي مصري

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه