عن اللصوصية والائتلاف السوري

في سوريا أطلقت المخابرات السورية في منتصف الثمانينيات يد لصوص “من الدرجة الثالثة” أي من نسميهم “حرامية البيوت” وليس الذين يسرقون أموال البلد.. يتبع.

ابتسام تريسي*

في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ كان “رؤوف علوان” الشخصية المحرّضة التي أخذت دور الشيطان الذي وسوس لحواء أكل التفاحة، هو من أوحى لسعيد مهران بنظافة ما يفعله من خلال أفكار “ثورية” على مجتمع يظلم الفقير ويهمشه! مما جعل “رؤوف علوان” المسؤول الأول في نظر القارئ عن مصير “سعيد مهران” الأسود.
أمريكا الدولة العظمى المصدرة للإرهاب وصانعته من خلال الأفلام والواقع قامت بدور الصحفي “رؤوف علوان” بتمرير صورة رجل العصابات المدافع عن الحق الذي يتغلّب دائماً على رجال الشرطة “الرسمية” فظهرت في البداية شخصية “الكاوبوي” الذي يقتل عدداً لا حصر له من الأشخاص في فيلم لا يتجاوز الساعتين ويبقى بطلاً في نظر المشاهد. ولم يقتصر الأمر على الأفلام الأمريكية فقد صدر لنا الأدب الفرنسي شخصية اللص الظريف “أرسين لوبين” التي اخترعها الكاتب “موريس لوبلان” ولاقت إقبالاً كبيراً في أوروبا وأمريكا وعالمنا العربي.
اللص الظريف “أرسين لوبين” كان على قائمة القراءة لعدة عقود وأسس لصورة لطيفة عن اللصوصية فهو يظهر في الوقت المناسب دائماً ويحمل وجوهاً كثيرة ليحقق العدالة المفقودة التي لا يستطيع “القانون” تحقيقها!
قامت السينما المصرية بدور مشابه حين قدمت اللص بصورة طريفة في فيلم “لصوص ولكن ظرفاء” من بطولة “عادل إمام” و”أحمد مظهر”. الفيلم الكوميدي استطاع أن يحصد تعاطفاً مع اللصوص مع أنّهم لم يسرقوا من أجل رغيف خبز!
في سوريا أطلقت المخابرات السورية في منتصف الثمانينيات يد لصوص “من الدرجة الثالثة” أي من نسميهم “حرامية البيوت” وليس اللصوص الأقوياء الذين يسرقون أموال البلد وينهبون خيراته، فهؤلاء شأنهم مختلف. موجة السرقات طالت البيوت في وضح النهار ولم يترك اللصوص وراءهم أثرا وكان رد الشرطة للمشتكين “هاتوا اللص لنقبض عليه، أو على الأقل قولوا لنا من هو؟”  تماماً كما ردت عليّ الشرطة في أنطاكية!
كان حظي في أنطاكية الإقامة في حي يعرف لدى السكان المحليين بحي “القرباط” أي النَوَر،
وتطوّر الاسم إلى “حارة الحرامية”. بعد وصولي بأسبوع وفي السابعة صباح الأحد “يوم العطلة الرسمي في تركيا” دخل لصان إلى البيت وسرقا اللاب توب والهواتف النقالة والآي باد، وقبل أن يكملا سرقة بقية الأشياء تعثر أحدهما بصاج الحديد الموجود في المطبخ فارتبكا من الصوت وهربا!
الشرطة التركية جاءت ورفعت البصمات وأخذت إفادة كل الموجودين في البيت ونظمت الضبط وطلبت منا مراجعة “الكراكون”. ابنتي الوحيدة التي تملك هوية تركية بالإضافة إلى جواز سفرها، بقيت في المخفر نصف النهار والشرطة لم تحرك ساكناً عندما عرفوا أنّها سورية!
وأصروا على حضور جميع أفراد العائلة ليبلغ كل واحد عن غرضه المفقود “وهذا مستحيل طبعا” لأن الموجودين في البيت لا يملكون جوازات سفر ولا بطاقات شخصية ودخلوا تركيا تسللا، والهدف كما قال لي الضابط الذي حقّق معنا في البيت هو تسفير الموجودين إلى سوريا.
بحثت عن طريقة أخرى لاستعادة المسروقات بشرائها مرة أخرى، ولم أتوصل لنتيجة!
الخسارة لم تكن مادية بل بالأعمال الموجودة على الكمبيوتر، وأرقام الهواتف، والمحادثات و….
السؤال الذي ألحّ عليّ أثناء بحثي وراء اللصوص: ماذا يفعل رجال الائتلاف السوري إن لم يكن لهم أي دور في رعاية شؤون اللاجئين السوريين في تركيا؟
هم بالأصل ليس لهم أيّ دور فيما يجري على الأرض في الداخل السوري.
أيقتصر دورهم فقط على العيش في الفنادق وحضور المؤتمرات وأخذ الصور مع موائد الطعام، والتصريح للإعلام؟ أم في صفع بعضهم كل مدّة والاختلاف حول أهمية وجود علة الثورة في المؤتمرات؟
أم أنّ دور “رؤوف علوان” الانتهازي الذي روّج لأفكار مثالية دس فيها السمّ ما أودى بالشعب إلى السجن؛ قد راق لهم مادام في النهاية قد وصل إلى أعلى المراتب؟
الجملة التي قالها “رؤوف علوان” لسعيد مهران بعد خروجه من السجن، كانت فاتحة للموت السوري بكلّ الأشكال، والتي أيضاً فتحت طريق اللصوصية أمام الانتهازيين ممن تاجروا بالثورة ودماء الشهداء وحرية المعتقلين.
“مبروك عليك الحرية” الجملة التي تغنى بها الكثير من قادة الفصائل الناشئة ممن تحولوا إلى تجار حرب يبيعون الديزل المكرر محلياً ويتبادلون مع جهات تابعة للمستبد البضائع، ويأخذون الإتاوات من الشعب الذي تجرأ على المستبدين ونادى بالحرية وما يزال يستقبل البراميل المتفجرة والقنابل الكيماوية، إلى أن دخلت العصابات العابرة للحدود وعلى رأسها “داعش” الذي سرق من السوري آبار البترول وراح يبيعه للمستبد ذاته.
الحرية! الطُعم الذي التقطته الشعوب وتغنّت به وضحّت لأجله بالدم والروح، استطاعت الأيدي الآثمة أن تستغل الفكرة السامية لخلخلة أساس الثورة ولتجعل معظم من نادوا بها في المظاهرات السلمية يتخلون عنها ويرمون بأنفسهم في قوارب الموت المتجهة إلى أوروبا!
الحرية! الطُعم الذي أرادته القوى العالمية والإقليمية، لتفتيت شعب ثائر وتقسيم دولة كان من الممكن أن تنهض لو أتيحت لها الحياة الكريمة، لكنها المشيئة العليا التي أرادت القضاء نهائياً على فكرة ثورة في أذهان شعوب المنطقة، إنه الشعار ذاته “سنسرقكم شئتم أم أبيتم ونولي عليكم من يساعدنا على استمرار تخلفكم، هكذا تطيب لنا الحياة”.
مبروك لّلصوص غياب القانون وتقاعس القائمين عليه، اللصوص في الجانبين التركي والسوري “مبروك عليكم الحريّة”!

______________________

*أديبة سورية
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه