على وقع الضربات الأمريكية

 

أكتب على وقع ضربات التومهاوك الأمريكية على مطار سوري وتدميره فجر السابع من أبريل 2017 وفي القلب غصة بل غصص كثيرة. لا يمكن للمرء أن يكون محايدا هذا بلد عربي يضرب من قبل قوة دولية معادية. أسمع عبارات التشفي والشماتة وأرفضها وأسمع عبارات الانتصار واستغربها. فلا بشار منتصر إذ يضرب ولا الشعب السوري ناجٍ إذا ضرب بلده.

التحليل بـ (لو) التي تدخل عمل الشيطان غير مجد. إنه يسهل علينا التحليل بالاحتمالات المهدرة للخروج من الوقائع بضمير مرتاح فالخطأ الأول يسهل تعريفه لكن سلسلة الخطايا اللاحقة لا تسمح إلا بألم ممض. بلد عربي آخر يستباح لأن فعل السياسة تأخر كثيرا وترك مجالا واسعا للاحتراب الأهلي. كان يمكن أن ولكن ما الجدوى الآن وسوريا تنتهي مزقا بين حاكمها وأنصاره وأعدائه. والشعب السوري يتيه بين منفي وهارب وقتيل وكسيح. من أين نبدأ توصيف المشهد أو تحليله؟ وهو سؤال هارب بدوره من توقع المستقبل فالمستقبل منطقة مجهولة في بلاد العرب. لكن لنشر إلى الأسباب لعل أن نجد مخارج تخفف لوعة الخسران.

العسكر العربي جريمة لا خلاص

نصف قرن وأكثر كلما أحس فيها عسكري عربي بوخز النجوم المذهبة على كفتيه ركب دبابة إلى قصر الرئيس وقال بالإنقاذ. خمسون عاما والدبابة العربية تحكم الشعب العربي على مرمى حجر من العدو المتربص بالكيد والمؤامرة. خمسون عاما بل ستون عاما بل سبعون عاما والعسكر العربي يحتفظ بحق الرد في الوقت والزمان الذي يختاره ولم يختر أي زمن للرد

خسر العرب العراق. وخسر العرب اليمن وخسر العرب مصر وخسروا ليبيا والسودان ويخسرون سوريا وما بقية البلدان بمنجاة من الخسران المبين. أطروحة الخلاص السريع منذ الثورة العربية الأولى أنتجت دولا صغيرة مشتتة وكتب المؤرخون عن المؤامرة والكيد الاستعماري وبنوا خططهم على إنهاء سايكس بيكو لكنهم كرسوها كأمر واقع لا فكاك منه. زعامات قومية مسلحة تبني أمة في الخطاب والأناشيد المدرسية وتقطع أوصالها على الأرض. تعلن العداء للصهيونية وتشرب معها الأنخاب في كواليس المؤتمرات وتقبض بقاءها الأبدي على رقاب شعوبها.

الحديث هنا مناحة عاطفية يمكن تنويع المقامات فيه على النوى والحجاز ولكن الحزن تعزية تنقذ صاحبها ولا تحرر الوطن من العسكر المجر. عسكر خياني ولو تزيّا برايات موحدة. ما أكذب الرايات في بلاد العرب. (بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا)فخر صفي الدين الحلي كان في زمن أجمل وجاء الورثة بأقل القليل من الإخلاص والنخوة. هل يسمح المقام بالسخرية السوداء؟ لم يبق لمثلي غيرها والصواريخ التي جربت في العراق تنهي مهماتها في دمشق والحاكم العسكري يحتفظ بحق الرد. والصهاينة يحسبون مكاسبهم في بقاء أبدي على جثة أمة مزقها أبناؤها بالعناد الفاحش.

لو دافعت عن بشار وجدت نفسك ضد الشعب السوري المسكين. لو شمت في بشار وجدت نفسك في صف داعش الجريمة القذرة، تماما كما هو الحال في مصر قلب العروبة وصدرها المنخور بعسكر المعونة. أو في ليبيا كلما قلت للشعب الليبي الحق في الحرية بعد نصف قرن من حكم الأسرة المجنونة اتهمت بالترويج للمؤامرة الكونية على الأمة. أما اليمن السعيد فلم يعد سعيدا لقد زنى فيه الأبناء ودمرته حرب أشد قذارة من كل شيء.

ربيع عربي لم يمطر

كان للشعوب الحق في الثورة. لقد طمحت وكل طموح الشعوب حق مطلق. خمسون عاما من التعليم والترقي الاجتماعي في سياق بائس لكنه رغم ذلك شرع لمطالب الحرية والديمقراطية والتنمية. الشعوب على حق ولكن العسكر العربي رفض حقوقها ومنعها من التطور. لم يكن الربيع العربي مؤامرة على أمة ناجحة ومنتصرة بل كان ثورة شعبية تبتغي حقها في الحياة. هكذا كان طيلة سنة 2011 لكن هل كان على الشعوب أن تبني ديمقراطية مع العسكر؟ وقبل ذلك هل كان العسكر مستعدا لأنصاف الحلول لكي لا يصل الأمر إلى ما وصل إليه من دمار شامل واستباحة استعمارية ؟

الخطاب المستند إلى كذبة السيادة الوطنية ليس إلا تغطية لإجرام العسكر. وهو خطاب أبشع من تبريرات الفشل السياسي لمن سارع إلى الصناديق الانتخابية ففاز بها ولم يفلح في إدارة نتائجها طبقا لمطالب الشعوب. التلبيس الإعلامي كان خدمة متقنة من ماكينات مدربة على التظليل وتقبض من العسكر والأعداء من كل الجهات بما في ذلك وربما قبل أي كان من الصهاينة أعداء كل نفس إيجابي في المنطقة.

الصواريخ مثلها مثل داعش لم  تذبح السوريين فقط إنها تقع على رأس الأمة كلها. ولا يمكن أن يرجى منها خير حتى للشامتين في بشار وفي أضرابه. فالجريمة لا تعالج بجريمة أخرى وأصحاب الصواريخ ليسوا قادمين لحل الأزمات التي تعانيها الشعوب بل لتعفين الأوضاع وزرع المزيد من أسباب القتل والدمار. خدمة للصهيونية. هذه ليست محل خلاف وإن رغب البعض في اعتماد مبدأ انقسامي قديم “عدو عدوي صديقي”. لا أصدقاء للربيع العربي إلا الشعوب المقهورة لم تقع الصواريخ على راس العراق لتحرره من جبروت العسكر بل لتدخله في فوضى عارمة سيجري الأمر نفسه على سوريا فاللاحل في سوريا هو الحل الصهيوني وقد اتضح هذا منذ عسكرة الثورة على يد النظام نفسه. النظام الذي يعيش من الفوضى أكثر ما عاش من السلام والديمقراطية. 

كان الربيع العربي احتمالا جيدا للتقدم لكن العسكر العربي منع سحابه أن يمطر حتى انتهى به إلى مطر من الصواريخ و أجبرنا على كتابة حزينة بعد أن سقينا الأمل بدموع كثيرة.

استئناف الرحلة العربية

قدر هو أن تعيد الشعوب صعود الربوة من جديد لا خلاص لها مع العسكر العربي. لا تقدم ولا تنمية ولا ديمقراطية ولكن أعمار الشعوب لا تتوقف ولا تنتهي. الثمن سيكون مكلفا في البشر وفي الثروات وسيكون طويلا في الزمن لكنه مصير لا خيار.

هناك أعداء في الداخل أكثر من أعداء الخارج. داعش عدو يخرّب كل أمل ولا تقل خطورته عن العسكر الخياني. النخب العجولة على قطف نتائج الديمقراطية الشكلية تحتاج دروسا عميقة في الصبر على مكاره الديمقراطية وربما عليها الانسحاب من طريق شعوب تشعر بالخذلان من نخبها التي لم تغادر معارك الأيديولوجيا الميتة. (هذه الأيديولوجيا تجعل قسما كبيرا من هذه النخب يصم أذاننا بالمؤامرة الكونية على جبهة الممانعة التي لم تطلق رصاصة على العدو منذ نصف قرن)

تحت وقع الصواريخ نحزن ونكتب رثاء ولكن الرثاء يخفف الألم ولا يخلق الأمل ونحن بين الألم والأمل نبحث عن نقطة ضوء وتعجزنا. وصواريخ ليلة السابع من إبريل على الأرض السورية أصاب كبد الأمة ولم يصب الأسد الممانع والمحتفظ بحق الرد.

في هذه اللحظة الأليمة افضل عدم الحديث عن العنقاء التي تخرج من رمادها لأنها صورة استعملها العسكر  في كل انقلاب فمجّها وأفقدها معناها. لكن لعل مظفر النواب كان على صواب “إن خرابًا بالحق بناءُ بالحق”. لقد أسكنتنا العساكر أكواخا وأوهمتنا بالقصور وهي هي أكواخها تسقط على رؤوسها أولا والشعوب لا تموت.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه