على من تقع مسؤولية القتل وفض رابعة؟!

عصام تليمة*

هل من الممكن أن تنسى ذاكرة الناس والعالم فجيعة مجزرة فض رابعة والنهضة وبقية الميادين في مصر؟ بالطبع من المستحيل نسيان ذلك، فعلى من تقع المسؤولية الجنائية شرعا، هل تقع على عاتق القاتل المباشر فقط؟ أم على من؟
إن الإسلام في نظريته الجنائية وتحديد المسؤولية حول أي جريمة ترتكب، يعاقب القاتل المباشر بالقصاص، لكن الوزر والإثم لا يقع على القاتل وحده، بل تتسع دائرة الإدانة لكل من كان له نصيب من المشاركة، ولو كانت بالرضا والصمت أو التفويض والتأييد، فالسلبية وزر في الإسلام، فما بالنا لو كانت تحريضا أو تفويضا، أو تأييدا للقتل، فضلا عمن مارس القتل بنفسه، ومن أمر به.
سأورد النصوص الشرعية التي وردت في هذا الأمر، يقول الله عز وجل: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) آل عمران: 181، وبالعودة إلى أقوال المفسرين ممن لا يحسبون على الإخوان أو التيار الإسلامي، حتى لا يكون هناك اتهام في توجه هؤلاء المفسرين، يقول الإمام القرطبي: (قوله تعالى: (وقتلهم الأنبياء بغير حق) أي ونكتب قتلهم الأنبياء، أي رضاهم بالقتل. والمراد قتل أسلافهم الأنبياء، لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم. وحسن رجل عند الشعبي، قتل عثمان رضي الله عنه فقال له الشعبي: شركت في دمه. فجعل الرضا بالقتل قتلا، رضي الله عنه) انظر: تفسير القرطبي (4/294).
ويقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة: (إن نسبة القتل إلى الحاضرين صحيحة لأنهم رضوا به، وإن لم يكونوا قد باشروه، ومن رضي بجريمة فقد فعلها). انظر: زهرة التفاسير (3/1925).
ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق: (وأضاف سبحانه القتل إلى المعاصرين للعهد النبوي من اليهود، مع أنه حدث من أسلافهم لأن هؤلاء المعاصرين كانوا راضين بفعل أسلافهم ولم ينكروه وإن لم يكونوا قد باشروه، ومن رضى بجريمة قد فعلها غيره فكأنما قد فعلها هو) انظر: التفسير الوسيط للسيد طنطاوي (2/375).
ويقول تعالى عن قصة ناقة نبي الله صالح، وقد أمرهم الله بأن لهم يوما يشربون فيه، ويوما للناقة تشرب فيه، فتآمروا على قتلها، فأوعز أحدهم إلى شقي لقتلها، وعاونه على ذلك أناس فوضوه في الاتفاق، وأقروا فعله، رغم أن القاتل واحد فقط، وهو ما حدده الله بقوله: (إذ انبعت أشقاها) ، ومع ذلك عند الحديث عن الوزر وأنه على كل هؤلاء جميعا، قال تعالى (فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها) الشمس: 13-15، رغم أن القاتل واحد، ولكن عند حديث الله عن الوزر جعله على جميع من شارك ورضي وقبل بهذه الجريمة، كما جعل الله العقاب على جميع من شارك ولو بالرضا والصمت.
ومن الأدلة المهمة في هذا الأمر من السنة النبوية ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها”.
يقول العلامة الصنعاني: (إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها) من حضرها من الشهود وهو الحضور (فكرهها) لبغض الرب تعالى لها (كمن غاب عنها) في أنه لا إثم عليه ولا عقاب وهذا حيث لم يمكنه إنكارها باليد ولا باللسان وإنما أنكرها بالقلب كراهة لها (ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) أي حضرها وشاهدها غير منكر لها ولا كاره أي يكون برضائه بها ومحبته في الإثم والذنب مثلاً لهم لأن الرضى بالقبيح قبيح وفيه دليل أن أعمال القلوب كأعمال الجوارح في الإثم وعدمه) انظر: الجامع الصغير من حديث البشير النذير للأمير الصنعاني (1/59).
فكل هذه النصوص الصحيحة الصريحة، تدل بوضوح على أن جريمة القتل يقع وزرها على من أمر بالقتل، ومن باشره، ومن هيأ الأجواء لتقبله، ومن فوض القاتل بالقتل، ومن رضي بالقتل، فيدخل في زمرة القتلة في فض رابعة وغيرها: كل من شارك من الجيش والشرطة، ومن أمرهم بالقتل، وكل إعلامي أو مفتي أو شيخ هيأ الجنود أو الناس لفعل الجريمة أو قبولها، وكل من فوض في الميادين بالقتل، والنيابة العامة التي سمحت به، ومن وقع على قرار الفض من المسؤولين، ومن شارك فيه بالتصويت بالقبول، وكل من شارك من قريب أو بعيد فيها، ما لم يتب إلى الله عز وجل، بأن يقدم للمحاكمة لينال جزاء ما اقترف، أو يعفو عنه ولي الدم.

_____________________

*من علماء الأزهر 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه