علماء آل سعود وأزمة خاشقجي.. أين الملك؟!

 

مواقفُ متناغمةٌ وواجباتٌ شرعيّة

منذ الثّاني من أكتوبر يوم اختفاء جمال خاشقجي في القنصليّة التي يُفتَرَضُ إنَّها قنصليّة بلاده في إسطنبول اختفت أصوات علماء آل سعود الذين اعتاد النّظام السّعودي على الاعتماد عليهم في تسويق رواياته ورسم التّوجّه الشّعبي المطلوب؛ كونها دولة “تحكم بالشّريعة” و”بالكتاب والسّنة على منهج سلف الأمّة”.

وهو صمتٌ يتناغم مع الصّمت الرّسمي بل يتبع له، وبعد عشرة أيّام من الاختفاء بدأت تظهر مواقف هؤلاء العلماء، وأبرز هذه المواقف موقف هيئة كبار العلماء الذين أعلنوا أوّل موقف لهم بعد عشرة أيّام تمامًا من اختفاء الخاشقجي وفيه:

“المملكة العربيّة السّعوديّة تأسَّست على الكتاب والسنة، ونحن مع ولاة أمرنا في كل ما يرونَه مصلحةً للبلاد والعباد، وهذا مقتضى البيعة الشرعيّة”

ثمّ جاء الموقف الثّاني منهم وفيه: “شعب المملكة العربيّة السّعوديّة خلف قيادته الحكيمة، ومع حكومته الرشيدة في رفضها التّام لأيّ تهديدات ومحاولات للنيل منها، وستظلّ هذه الدولة المباركة ـ بعون الله ـ رائدة في العالمين العربي والإسلامي، وذات دور بارز في استقرار ورخاء المنطقة والعالم، عزيزة بالله مهما كانت الظروف والضغوط”

القرني وشعره

أمَّا عائض القرني الذي يصرّ أن لا يغيب عن أيّة واقعةٍ لها علاقةٌ بآل سعود ويستنفر قلمه وشعره وحدائه، فقد بدأ إعلان مواقفه بعد تسعةِ أيّام من إخفاء الخاشقجي معلنًا:

كلّنا مع السّعوديّة يدا واحدة لأنها قبلة المُسلمين، ومهبط الوحي، ومهوى الأفئدة، وأرض القداسة، ومُنطلق الرسالة، نسألك اللهم أن تحفظ وطننا، وأن توفّق قيادتنا لما فيه خير البلاد والعباد، وأن ترد عنّا كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، ومكر الماكرين”

وبعدها بيوم صعّد القرني من موقفه بقوله:

“الإمارات والسّعوديّة معًا أبدا؛ الاقلام المستأجرة والوجوه المصطنعة التي تكالبت ضد وطننا المملكة العربية السعودية لن تزيدنا الّا تماسكا وقوة مع قيادتنا وسوف يعود أعداء وطننا الحبيب بالخيبة والندامة، والنصر لنا بإذن الله، اللهم رد عنا كيد الكائدين”

وليغرّد بعدَ ذلك على وسم “هاشتاغ” #السّعوديّة_العظمى: “كل من يتآمر ضد وطننا وقيادتنا سوف يندحر، كما اندحر غيره من الأعداء، والتاريخ يشهد.

السّعوديّة لا تفتعل الأزمات، ولا تقتات على الدسائس، لأنها صاحبة رسالة ومبدأ، ومشروع واضح المعالم فيه خير وسلام وأمن للإنسانية، فالنصر لنا بإذن الله، لأننا بلاد الوحي، وحماة الحرمين”

كما أنّه عرّض بمنتقدي النّظام السّعودي ووصل به الحدّ إلى تكفيرهم وإخراجهم من دائرة الإسلام بقوله: “إلى بائعي الأوطان، ومُرخصي الذِمار، وخالعي ربقة الإسلام من أعناقهم، “قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ” فلن يثبت بُنيانكم والله هادمه، حبنا لوطننا، وولاؤنا لقيادتنا، كالعود لا يزيده الإحراق إلّا طيبا”

وكعادته لا يفوّت القرني الفرصة ليطلق العنان لحدائه في ابن سلمان؛ ولكنّه هذه المرّة حداءٌ تحت وسم  “هاشتاغ” ‏ #كلنا_ثقه_في_محمد_بن_سلمان‏

حن حزامك يا محمد وقت ما تعمى البصايرْ

جدك اللي بايعوه أجدادنا وقت التباري

 

حطنا فوق النجوم وحط خصمه في حقايرْ

راية التوحيد مرفوعة وسيف الفتح عاري

 

فوق هام السُحب سافر بالوطن والحظ باهرْ

فالك التوفيق والانجاز يا ذيب الغداري”

العريفي مغرداً

أمَّا الشّيخ محمّد العريفي الذي لا يغيب عن هكذا موقف رغم انشغاله بالترويج والإعلان للعطور ومنتجات التّجميل؛ فقد كتب بعد عشرة أيّام من اختفاء الخاشقجي: “شرف الله المملكة العربية السعودية، وأكرم ولاة الأمر فيها برعاية الحرمين الشريفين، وجعلها قبلة المسلمين، ووجهة الحجاج والمعتمرين، بين مكة والمدينة نزل القرآن، ومنها انطلق الإسلام”

وليغرّد بعدها بأيّام متناغمًا مع القرني على الهاشتاغ نفسه #كلنا_ثقه_في_محمد_بن_سلمان:

“من الواجب علينا الدّعاء لمن تولى أمر المسلمين، وتمني الخير والتوفيق له والتعاون معه على الخير ونفع العباد والبلاد، والبعد عن المغرضين والمبغضين، الذين لا يفرحون للسعودية بمجد ولا عز، بل يتمنون لها الشقاق والخلاف”

والمغامسي أيضا

وفي اليوم ذاته الذي أعلن فيه الآخرون مواقفهم بعد عشرة أيّام من الاختفاء في دهاليز القنصليّة لم يتوانَ الشّيخ صالح المغامسي عن إعلان موقفه في هذا اليوم مغرّدًا:

 “في ظل أباطيل تُشاع وأراجيف تُقال وقضايا لم يُكشف بعد لثامُها يتاجر البعض بها فإنّ الذود عن بلادنا الغالية “السعودية” “وولاة أمرها” ـ أيّدهم الله ـ أضحى واجبًا شرعيًا لا حيْدةَ لنا عنه، فالسعودية معقل العرب وموئل الإسلام وحصن الأمّة”

ولا ينسى المغامسي بعد أيّام أن يذكّرنا بوجوده من خلال توجيه الشّكر للإعلام الإلكتروني والورقي الذي ساهم بنشر تغريدته في وجوب الدّفاع عن وليّ الأمر.

من مشكاةٍ واحدة

ومن خلال هذه المواقف نرى أنَّها على اختلاف أصحابها تخرج من مشكاةٍ واحدة، وبتدرّجٍ متناغمٍ، من التأكيد ابتداءً على مكانة المملكة الدّينيّة، وتحكيمها للشّريعة، ثمّ وجوب الدفاع عنها ووجوب الدّعاء لولاة الأمر فيها، وصولًا إلى وجوب الدّفاع عن ولاة الأمر في مواقفهم وقراراتهم وتصرّفاتهم ومواجهة أيّ عدوان يستهدفهم

هذا التّناغم في التوقيت والمضمون والتدرّج في العرض يؤكّد أنَّ هؤلاء العلماء ينتظرون الأوامر من جهةٍ ترسم لهم خطّ سيرهم تفاعلًا وصمتًا، وصعودًا وهبوطًا، ويبقى التبرّع من كلّ منهم في حدّة الخطاب وزيادة جرعة المداهنة.

ومن نافلة القول أنَّ كلّ تغريداتهم خلت من الإشارة ولو تلميحًا بعيدًا إلى الخاشقجي المغدور، بل إنَّ الحديث عن المبالغة في الحديث عن الثّقة بوليّ العهد محمّد بن سلمان في قضيّةٍ تشير أصابع الاتهام إليه دلالةٌ على استبطان الرّيبة لا الثّقة كما قالت العرب “يكادُ المريبُ يقولُ خذوني”.

أين الملك سلمان؟!

في كلّ المواقف السّابقة التي أعلنها علماء آل سعود غابت صورة الملك سلمان من الصّور المرفقة مع تغريدات ومنشورات علماء آل سعود وحضرت بقوّة صورة وليّ العهد محمد بن سلمان، ما خلا صورة واحدة للملك سلمان برفقة ابنه محمّد على حساب هيئة كبار العلماء وهو حساب مؤسسةٍ رسميّة، امّا حسابات البقيّة فقد ازدانت بصورة ولي العهد مع حضور خجولٍ في بعض الأحيان لصورة الملك المؤسّس عبد العزيز آل سعود، بل إنَّ العريفي نشر صورةً نصفها لوجه ابن سلمان والنّصف الآخر لوجه الملك المؤسّس في إشارة واضحة إلى الشّبه بينهما في الخَلق وامتداد الحكم.

وحتّى في الهاشتاغات تمّ التّأكيد على الثّقة بابن سلمان لا بسلمان، وفي حداء القرني كان المدح لابن سلمان مع إغفال أبيه.

وهنا يبرز السّؤال الكبير؛ أليسَ الملك سلمان هو وليّ الأمر الذي يجب الدّفاع عنه بمقتضى الفتاوى الشّرعيّة لعلماء آل سعود؛ فعلام يتمّ إغفاله وإبراز وليّ عهده ابنه محمّد.

إنَّ هذا الإغفال ليس إغفالًا بريئًا، لا سيما أنَّنا رأينا هذه المواقف تخرج من مشكاة واحدة، وتديرُها غرفةٌ واحدة، ممَّا يدلّ بوضوحٍ أنَّ تحييدَ الملك سلمان هو قرارٌ مُتَّخذٌ في أروقة الحكم، وما يقوم به هؤلاء العلماء ما هو إلَّا تنفيذٌ لهذه القرارات.

على أنَّ هذا يوقعهم في التّناقض الجليّ، فكيفَ يعلنون وجوب الدّفاع عن وليّ الأمر ثمّ يغفلونه ويبرزون نائبه ووليّ عهده؟!

في تعامل علماء آل سعود مع أزمة المملكة في قضيّة الخاشقجي يغيب تمامًا البعد الأخلاقيّ في الخطاب بإغفال الحديث عن الخاشقجي ومصيره، ويغيب الجانب المبدئيّ الذي ألزموا به أنفسهم وهو الدّفاع عن وليّ الأمر بإغفال الملك والتمحور حول وليّ عهده.

في تعامل علماء آل سعود مع قضيّة الخاشقجي تغيب الشريعة ويغيب العلم ويغيب الموقف، وتبقى اللحية والغترة والتغريدات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه