عصام تليمة يكتب: مسؤولية المؤسسة الدينية عن الإلحاد

هذا الخطاب الديني من المؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية، هو أشبه بتجارة بالدين، وكذب على الله، فهو يجعل الشباب يتساءل: هل الدين جاء رحمة للناس، أم أنه أفيون الشعوب.

عصام تليمة*
حاولت المؤسسة الدينية المصرية تلميع وجه الانقلاب العسكري في مصر، فطرحت موضوع الإلحاد، بعد أن بدا الطلب ملحا من المجتمع عليه، من حيث التناول، وحتى لا يبرز للناس أن التدين كان هدفا للجماعات الإسلامية، وأن بغيابها بدأ يظهر الملحدون، ودعاة الإلحاد، أو من يتهجمون على الإسلام من باب تناول التراث الإسلامي، واتخاذه بوابة لذلك.
ونسيت هذه المؤسسة الدينية أنها سبب رئيس في شيوع خطاب الإلحاد، وشيوع أسبابه، أو تسرب رشحات هذا الفكر للشباب، فالخطاب الديني، سواء المسيحي أو الإسلامي، الرسمي أو الشعبي، الذي يرى الشباب أنه ينحاز للحكم بغض النظر عن موقف الدين من هذا الحاكم، فيكون ظالما بين الظلم، ولا نسمع للمؤسسة الدينية صوتا يقف بجانب المظلوم، فتعاليم الإنجيل التي تقول: الله محبة، وأحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، من ضربك على الخد الأيمن، أدر له الخد الأيسر، عندما ينظر الشباب للخطاب المسيحي، ممثلا في بابا الكنيسة (تواضروس)، فيراه رأس حربة في الفتنة في مصر، وأداة طيعة في يد الحكم، وغرس البغضاء والكراهية بين فئات الشعب، والسعي لتحويل فئة من الشعب، هم الإخوة المسيحيين، من أفراد من الشعب، ليصبح الخطاب موجها إليها بصيغة: شعب الكنيسة، وعندما تطمح الكنيسة بخطابها لتكون دولة داخل الدولة، بل فوق الدولة، ومثل هذا الخطاب، غريب عن الخطاب الكنسي الذي بأصله يقول: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، أليس هذا الخطاب من أسباب اتهام التدين أنه حليف واضح للظلم والاستبداد؟!
وما يقال عن الكنيسة يقال عن المؤسسة الدينية الإسلامية، ممثلة في الأوقاف والأزهر، والإفتاء، فالتناقض الواضح في الموقف الواحد للمؤسسة الدينية من الحاكم ومؤسسة الحكم، ففي عهد مبارك خرجت المؤسسة الدينية تقول للناس: الخروج على مبارك حرام، وفتنة، حتى آخر يوم في حكم مبارك، كانت فتوى علي جمعة مفتي مصر وقتها يوم الحادي عشر من فبراير يوم تنحي مبارك، خرجت تقول للناس: للإنسان أن يصلي الجمعة في بيته في زمن الفتن!! وذلك طبعا خوفا من نزول حشود ضد مبارك. ثم بعد ذلك كان الخروج في عهد محمد مرسي حق مشروع، ثم في عهد السيسي حرام وفتنة وتخريب للدولة، ثم نرى المؤسسة الدينية وما يصدر عنها من بيانات وفتاوى الآن بداية بفتوى عدم الخروج على الحاكم، وعدم الدعاء على الحاكم الظالم، وبطلان حج من يشير بعلامة رابعة في الحج، بينما نرى صبمت القبور عن قتل المواطن في الأشهر الحرم، وعن اغتصاب النساء، وعن التعذيب في السجون، وقتل الناس بالبطيء في السجون، دون صدور كلمة واحدة ولو على استحياء.
هذا الخطاب الديني من المؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية، هو أشبه بتجارة بالدين، وكذب على الله، فهو يجعل الشباب يتساءل: هل الدين جاء رحمة للناس، وعونا لهم على الظلمة، وحماية لهم من كل جبار غشوم، أم أنه أفيون الشعوب، جاء ليخدر الناس، ويجعلهم نعاجا تنتظر سكين جزارها، مستسلمة، دون حراك، لا تملك إلا السمع والطاعة، جالبين نصوصا لهم لا تجعل للمواطن إلا أن يصمت على كل ما يفعل به، وأن هذا هو الدين، ومن خرج عن ذلك فقد خالف إرادة الرب، وخالف شرع الله.
مثل هذا الخطاب والمواقف، تخلق بيئة خصبة للإلحاد، والشك في الدين، والشك في عدالة الأديان. أما عن دعاة المؤسسة الدينية، وهل تهيأوا علميا لتناول الإلحاد، أو التعامل معه معاملة تقنع من مال له، أو أصبحت لديه شبهات حول الإسلام؟ نجيب عن هذا السؤال وعن مدى إمكانيتهم في التصدي للإلحاد في مقالنا القادم إن شاء الله.

_______________________________

*من علماء الأزهر 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه