عسكرة الأسماك (1-3)

كشف افتتاح الجنرال عبد الفتاح السيسي لمشروع الاستزراع السمكي شرق قناة السويس نهاية ديسمبر الماضي

اللثام عن مخطط اقتصادي جديد للجيش المصري في مجال الثروة السمكية لم ينخرط فيه قبل انقلاب يوليو 2013.
ورغم عدم امتلاك الجيش المصري أي مزارع سمكية، وليس لقادته أي سابقة خبرة فنية أو إدارية في مجال الاستزراع السمكي، فإن حجم الثروة السمكية التي تبلغ مليونًا و400 ألف طن سنويًا، وفجوة استهلاكية حجمها 400 ألف طن أخرى قد أسالت لعاب الجيش المتعطش للاستثمار والبزنس.
المشروع نفذته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ما يثير الجدل مجددا بشأن الحجم الحقيقي للإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري التي ادعى السيسي أنها لا تزيد عن 2% من حجم الاقتصاد، فيما قدرها نائب وزير الدفاع للشؤون المالية محمد نصر بـ 4.2% في مؤتمر عقده المجلس العسكري في العام 2012، بينما يقدرها رجل الأعمال الداعم للنظام، نجيب سويرس في مارس الماضي بـ 20-30%، ويقدره تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية بـ 60% في حدود 170 مليار دولار، في العام المالي 2015- 2016.
الجيش يؤسس شركة للاستزراع السمكي
الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية هي الجهة الرسمية الوحيدة التي تختص قانونا، منذ إنشائها بالقرار الجمهوري رقم 190 لسنة 1983، بتنمية الثروة السمكية في عموم المصايد المصرية، وكذا تنظيم استغلال مناطق الصيد والمزارع السمكية بالمسطحات المائية المصرية وتأسيس شركات قطاع عام متخصصة في الثروة السمكية وإبداء الرأي في كل المشروعات العامة التي يترتب عليها اقتطاع أجزاء من المسطحات المائية.
الهيئة مختصة أيضا بتقديم الخبرة الفنية وإبداء المشورة وإجراء الدراسات الفنية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، وتصميمات المشروعات المتصلة بالثروة السمكية المصرية، والتصنيع السمكي، ولديها خبراء وضعوا مصر في المركز الأول على مستوى القارة الأفريقية، والثامن على مستوى العالم في مجال الاستزراع السمكي، وهي مدرسة عريقة وامتداد قانوني للمؤسسة المصرية العامة للثروة المائية التي نشأت عام 1962 وتتبع وزارة الزراعة. 
ورغم أن الجيش المصري ليس له أي حجية قانونية تخوله الإشراف على مشروعات الاستزراع السمكي والبحيرات أو تشغيلها وإدارتها، أعلنت القوات المسلحة لأول مرة في تاريخها عن تأسيس “الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية” في يناير 2015، وبرأسمال مبدئي مليار جنيه، وأتبعتها لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادي للقوات المسلحة.
السيسي عين للشركة رئيسا مثيرا للجدل، هو اللواء حمدي بدين، قائد الشرطة العسكرية وعضو المجلس العسكري السابق، الذي وجهت له اتهامات تتعلق بمخالفات لحقوق الإنسان ولشرف المهنة ارتكبها جهاز الشرطة العسكرية تحت قيادته بحق المتظاهرين السلميين والأمر بقتلهم إبان ثورة يناير، وأثناء إدارة المجلس العسكري شئون البلاد في شارع محمد محمود وماسبيرو والعباسية، وعزله الدكتور مرسي من منصبه في 8 أغسطس 2012.
ولتقنين الكيان الاستثماري غير القانوني، أصدر السيسي قرارا شاذا يسمح بأن “يتولى جهاز القوات المسلحة القيام بجميع الخدمات والأنشطة التي من شأنها تنمية موارد جهاز القوات المسلحة، وله في سبيل ذلك تأسيس الشركات بكافة صورها، سواء بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي” والقرار رقمه 446 لسنة 2015، ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 نوفمبر 2015.
الاستيلاء على مشروع شرق القناة
مشروع الاستزراع السمكي شرق قناة السويس هو المشروع اليتيم الذي لم ينجز النظام غيره ضمن مشاريع محور تنمية قناة السويس حتى الآن رغم مرور سنتين على بدايتها. المشروع يشمل إنشاء مزارع سمكية عملاقة تمتد من شرق التفريعة في بورسعيد وحتى خليج السويس بطول 120 كيلو مترا وعمق 3 إلى 5 كيلو مترات ضمن 23 حوض ترسيب شرق القناة.
مستشار وزارة الزراعة والمشرف على الهيئة العامة للثروة السمكية صرح في 30 أغسطس/آب 2014 بأن مشروع الاستزراع السمكي شرق قناة السويس يقام بالاشتراك بين هيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، وجامعة قناة السويس وهيئة قناة السويس الممول للمشروع، حسب وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية التي نقلت التصريح. التصريح يكشف عن عدم وجود أي استثمار سابق لهيئة قناة السويس في الاستزراع السمكي، كم أنه ليس للجيش المصري أي علاقة أو دور بالمشروع.
وفي حوار صحفي مع رئيس هيئة الثروة السمكية في 16 سبتمبر/أيلول 2014، قال إن هيئة قناة السويس تدرس الجهة التي سوف تؤول إليها إدارة ملكية مشروعات الثروة السمكية على قناة السويس، وأضاف أن هناك خيارين، إما أن يتم إنشاء شركة جديدة متخصصة بالاستزراع السمكي، أو نقل تبعيتها إلى هيئة الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، لكن الدراسة انتهت إلى إقامة مشروعات إنتاج الأسماك من خلال هيئة الثروة السمكية، والحوار منشور على الصفحة الرسمية للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية على موقع التواصل الاجتماعي.
وزارة الزراعة أكدت الإشراف الكامل على تنفيذ المشروع بعيدا عن سيطرة الجيش وأعلن وزير الزراعة في 31 يوليو/تموز 2015، قبل أسبوع من افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، عن تسليم الهيئة العامة للثروة السمكية، 1380 حوضا للاستزراع السمكي ضمن المشروع وتعمل بالفعل.
ورغم إعلان وزير الزراعة، في فبراير/شباط 2016، أن الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة للوزارة تقوم بدعم كافة مشروعات الاستزراع السمكي التابعة لهيئة قناة السويس عن طريق مدها بـ”الزريعة السمكية”، لم يذكر دور الهيئة في افتتاح المشروع، ما يؤكد نوايا النظام في الاستيلاء على المشروع، بعيدا عن ملكية الدولة المباشرة، وحرمان الدولة من خلال الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية من الإشراف على المشروع.
فساد وإهدار المال العام
ورغم إعلان الجيش عن بيع ناتج الاستزراع السمكي في السوق المحلي والتصدير للخارج، لكنه يستخدم المجنّدين كأيدي عاملة رخيصة، ما يسمح له بتسويق إنتاجه بأسعار تنافسية، ما يعرض صغار المزارعين والصيادين والشركات المنافسة للخسائر، ومع ذلك لا يدفع ضرائب أو جزء من الأرباح لخزينة الدولة بحكم القانون. ورغم أن مزارع وأراضي الاستزراع السمكي ليست تحت ولاية الجيش الذي يملك 90% من أراضي الدولة بحكم القانون، يستولي عليها الجيش دون سداد إيجارات هذه الأراضي في الخزانة العامة للدولة.
هذا الفساد يغري المستثمرين الدوليين المؤيدين لنظام الجنرال السيسي بمشاركة هذا الجيش المحظوظ والاستفادة من هذه الامتيازات التي لا تُتح لهم في بلادهم، وتُحرم منها الشركات المصرية العامة والخاصة! ونظرا لإعفاء كل أرباح شركات الجيش من الضرائب وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005، وكذلك الجمارك على الواردات طبقا للمادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986، يضيع على الدولة ملايين طائلة تذهب للشركاء الأجانب وحفنة قليلة من الضباط أصحاب الرتب الرفيعة.
في ظل هذه الامتيازات أسس الجيش في ديسمبر/كانون الأول 2015 أول شركة بالشرق الأوسط لاستزراع أسماك التونة بمنطقتي الزعفرانة ومرسي مطروح بـرأسمال سعودي بلغ 150 مليون دولار وخبرة ألمانية. وبالرغم من بساطة التكنولوجيا المستخدمة في الاستزراع، وتوافر رأس المال الوطني والخبرات العالمية لدى الهيئة العامة للثروة السمكية المصرية التي وضعت مصر على قمة الاستزراع السمكي الافريقي والثامن عالميا، تعاقد الجيش مع خبرة أجنبية لتنفيذ المشروع، ما يعد إهدارا للمال العام، وتربح لصالح شركات أجنبية.
ورغم اعتراف السيسي بأن تجربة مشروع الاستزراع السمكي في مصر تجربة جديدة، على الجيش بطبيعة الحال، “ولازم يكون معانا مجموعة استشارية متخصصة”، على حد تعبيره، فإنه يستعين بالخبرات الأجنبية ويستبعد الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة للدولة، ويستغنى عن جهود خبرائها الذين وضعوا مصر في مكانة إقليمية وعالمية رائدة في مجال الاستزراع السمكي!
وفي الوقت الذي تعلن فيه القوات المسلحة التعاقد مع شركات أجنبية للاستثمار السمكي في مصر، يغرق مركب صيد مصري على متنه أكثر من 14 صيادا في المياه الإقليمية السودانية في ظل إهمال المصايد المصرية، وحرمان الشباب المصري من فرص عمل في مجال الاستزراع السمكي، وفي نفس العام الذي يعلنه السيسي عامًا للاهتمام بالشباب، والذي يعاني 35% منه قهر البطالة والفقر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه