عزة مختار تكتب: فوق فوهة بركان

وهو الانفجار الكبير الذي ستكون نتائجه لصالح مستقبل هذه الأمة وأجيالها الوليدة التي تتربي اليوم في سجون الاستبداد وغربة الأوطان حين اضطر الآلاف بل الملايين منهم لإلقاء جوازات سفرهم في البحر أو المحيط لحمل ورقة هوية جديدة بعنوان “لاجيء”

عزة مختار*

مرت المنطقة العربية برياح الربيع العربي والذي سرعان ما تحول لخريف عاصف أودى بحياة الآلاف من الضحايا عقاباً لها علي حلم الثورة و الرغبة في الحصول علي حريتها المسلوبة منذ مئات السنين ، وبرغم الرياح العتيدة وردة الفعل الأمنية القوية لتلك الأنظمة علي كل من سولت له نفسه بالخروج عليها، إلا أن الأمل لم يمت بعد في نفوس الثوار علي كل أرض العرب ، ليس هذا فقط ، بل لقد امتدت رياح الثورة والرغبة في التغيير من قطر إلي قطر خاصة حين تحول  التحدي لحروب دامية غير متكافئة بين الأنظمة بجيوشها النظامية المسلحة بأحدث الأسلحة المتاحة والممنوعة دوليا حتى تعدت السلاح الكيماوي الذي تصبه علي رؤوس الأبرياء ليل نهار، في مقابل مجموعات غير منظمة ممن يسميهم البعض ثوارا أو معارضة ويطلق عليهم البعض الآخر في الناحية الأخرى إرهابيين يحصلون علي تسليح بالكاد يجعلهم صامدين في معارك يفقدون فيها الآلاف حتى وصل عدد الضحايا في تلك الأماكن الساخنة لما يقرب من النصف مليون  في سابقة لم تحدث ببلاد العرب منذ الاجتياح التتري لبلاد المسلمين .
فمن تونس، لمصر، لليمن، لسوريا، للغرب مرة أخري في ليبيا ،تسقط أنظمة وتقام أنظمة أشد منها بأسا علي شعوبها وتبقى أنظمة تتغول في التعامل مع الشعوب.
فهذه هي مصر قلب العروبة النابض تقع في براثن انقلاب دموي غاشم يقلب موازين المنطقة كلها، ويغير من معالم خريطتها التاريخية، ويدفع بها للتأرجح بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي تبعا للعبة المصالح التي تضمن بقاء النظام المفلس أطول فترة ممكنة .
 في مصر وقعت أكبر جريمة تاريخية بعد ثورة لم يعطها أصحابها الوقت الكافي لتنبت نباتا طبيعيا ، فقد وقعوا في خلافات مزقت شملهم وأعطت الفرصة للثورة المضادة لتقوى وتجمع صفوفها، بينما رفقاء الثورة يتناحرون فيما بينهم أيهم يقود وأيهم باع وأيهم يحصل علي النصيب الأكبر من كعكة لم تتحرر بعد من يد العسكر المتغلغلين في ربوع الوطن الغارق بالفساد .
 لا تكاد مصر تهدأ بعد أول انتخابات حرة في تاريخها لاختيار رئيسها بإرادة حرة لم يشهدها المصريون من قبل حتى تدخل في متاهة التمرد وإعلان الحرب علي الثورة ومن يمثلها لتسقط مصر في أيدي العمالة والقسم الكاذب وخيانة وزير الدفاع للرئيس المنتخب ليقسم في كل مناسبة أنه لم يخن ولم ينقلب ولم يبع ، وتقع مصر في مستنقع الدماء الذي لم يتوقف منذ فجر الانقلاب وحتى اليوم في عملية قتل متعمد لكل أصحاب يناير من الإسلاميين وغيرهم ، وتدفع جماعة الإخوان المسلمين بحكم حجمها وموقعها من الثورة الثمن الأكبر فداحة من تلك الدماء والمطاردة والتغييب خلف القضبان والمحاربة في الأرزاق لينتهي المشهد المصري علي حالة من الهدوء النسبي بينما تبحر في الواقع علي بركان من الغضب الجارف بعدما دخل النظام في حالة من الصراع مع الشعب و التضييق علي أرزاق الناس واستحالة الحياة اليومية للمواطن المصري في ظل غلاء الأسعار والفرق الشاسع بين الطبقات والذي يزداد اتساعا يوما بعد الآخر .

 لم تهدأ الأمور في مصر ولم تخمد الثورة في صدور الناس ، بل هي تزداد غليانا في اللحظة تلو الأخرى مؤذنة بغضبة لن تهوي بالنظام المصري وحده ، وإنما توشك أن تقتلع الأخضر واليابس في المنطقة كلها ، هذا علي الصعيد الداخلي ، أما علي الصعيد الخارجي فقد تضاربت السياسات الخارجية للنظام المصري وتلونت بحكم الوقت ، فمن الاستسلام المطلق للمعسكر الغربي تحت دعاوي محاربة الإرهاب والقضاء علي الثورة التي يقودها الإخوان المسلمون إلى المناورة  أو المقامرة على دول بعينها لابتزازها ماديا. 

أما في سوريا فالقصة تأخذ امتدادا آخر حيث اشتعلت منطقتا الشام والعراق اللتان دخلتا فيما يشبه الحرب الأهلية ، بينما هي في حقيقتها حرب تطهير عرقي بجدارة من الشيعة والرافضة للسنة بكل أطيافها ، تستخدم فيها كل أدوات الحرب بين طرفين غير متكافئين لا عددا ولا عدة ولا عتادا ، حرب المراد منها أن تظل مستعرة لأطول أمد ممكن تدفع فيها الشعوب الثمن مكتملا بينما الأطراف المتناحرة الأصلية في منأي عن أي خطر حقيقي

وفي ظل هذه الأوضاع فإن غضب الشعوب يتنامى إلى حد الانفجار الوشيك ليصبح أمام الأنظمة خياران لا ثالث لهما ، الخيار الأول هو عملية الإصلاح السريع والمصالحة الشاملة بين الأنظمة وشعوبها في عملية تطهير داخلي كبري تطفئ تلك الغضبة المكبوتة والنيران المستعرة تحت الرماد ، وظني أن تلك الأنظمة الفاسدة لن تفعلها علي الأقل في بعض الأقطار كمصر علي سبيل المثال وسوريا بعدما تخطت كل سبل الصلح الداخلي بالقتل والتدمير غير المسبوق ليصبح هناك خيار آخر  وهو الانفجار الكبير الذي ستكون نتائجه لصالح مستقبل هذه الأمة وأجيالها الوليدة التي تتربي اليوم في سجون الاستبداد وغربة الأوطان حين اضطر الآلاف بل الملايين منهم لإلقاء جوازات سفرهم في البحر أو المحيط لحمل ورقة هوية جديدة بعنوان ” لاجيء ” .

________________________

*كاتبة مصرية 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه