عبده مغربي يكتب: الطريق للبرلمان .. مفروش بالبطلان

إنه برلمان يحمل بطلانه بداخله، وهو بطلان مفروش بطول الطريق المؤدي للبرلمان، بطلان من الممكن أن يستيقظ قبل إجراء العملية الانتخابية أو يستيقظ بعدها. يتبع

عبده مغربي*

ببطء شديد تتحرك عقارب الساعة إلي تمام الثالثة فجرأ، بينما الأجساد قد تهاوت من التعب، والمئات يتكئون علي سواعدهم هنا وهناك،  بعضهم في بهو الدور الأول، وبعضهم في الممرات وغيرهم علي عتبات السلالم .. فجاة يصرخ حاجب المحكمة الإدارية العليا من قاعتها في الدور الثاني قائلاً : “محكمة”، إنها الكلمة التي ينتظرون سماعها منذ ما قبل غروب شمس النهار الماضي، انتفضوا بسرعة مثيرة.. هرولوا ناحية السلالم .. تزاحموا فوقها .. تكوموا ، سقط بعضهم علي السلالم .. لم ترحمهم أقدام غيرهم ..لا شئ أهم من سرعة الوصول إلي قلب القاعة كي يستمعون عن قرب إلي قرارات القاضي التي انتظروها طويلاً لتحدد مصيرهم في خوض غمار الانتخابات من عدمه.

جميعهم جاء ليطعن علي قرارات اللجنة العليا للانتخابات التي استبعدتهم لأسباب مختلفة، بعضهم لم يمهر إقرار الذمة المالية بتوقيعه، والبعض الآخر لم يسلم نتيجة الكشف الطبي، وغيرهم  وغيرهم ممن تباينت أسباب استبعادهم من كشوف المرشحين بحجم تباين الدوائر التي ترشحوا فيها بطول “مصر” وعرضها.

الكل ساخط علي اللجنة العليا للانتخابات، والكل يعلق الآمال علي المحكمة التي ينتظرون قرارها منذ ما يقرب من 20 ساعة مضت، المحكمة لابد وأن تصدر حكمها قبل الموعد المحدد لإعلان الكشوف النهائية للمرشحين، انتظروا الخلاص من الهيئة  القضائية التي انعقدت بكامل تشكيلها لتعلن تأجيل البت في الطعون التي أمامها إلى يوم السبت 3 من أكتوبر الجاري، خلصت عليهم قبل أن تخلصهم .. مرحلة جديدة من الانتظار تنتهي وفق قرار المحكمة في 3 اكتوبر.. انتظروا مجدداً حتي جاء هذا اليوم .. وفي هذا اليوم تكررت نفس المشاهد لتخرج الهيئة في ذات التوقيت السابق وبعد انتظار تمني فيه الجميع صرفهم منه ولو إلى النار.. أعلن رئيس المحكمة الإدارية العليا مجدداً تأجيل البت في بعض الطعون إلي الأربعاء 7 اكتوبر ورفض بقية الطعون.

 كثيرة هي الطعون علي الإنتخابات البرلمانية في مصر، أكثر من 270 طعنا، معظمها يملك أصحابها القرينة التي تؤهلهم للحصول علي حكم لصالحهم، فالكشف الطبي الذي كان يتوجب عليهم تقديمه قبل الثاني عشر من سبتمبر، منحت اللجنة العليا للانتخابات مهلة للبعض منهم إلي الخامس عشر من نفس الشهر، شريطة أن يكون هذا المرشح ممن سبق وترشح في الانتخابات التي تعطلت في فبراير الماضي، أما إذا كان مرشحاً جديداً فلن يتمتع بهذه المهلة، هكذا بدون مبرر .. تمايز واضح رغم وحدة المراكز القانونية .. الإعلانات التي وردت علي موقع اللجنة العليا للانتخابات علي شبكة الإنترنت تحدثت عن مهلة لتقديم الكشوف تمتد إلي 15 سبتمبر ..يُفهم منها أنها مهلة لجميع المرشحين، ثم تبين بعدها أنها للبعض منهم، فأسقط هذا التعارض في اللفظ الكثير من المرشحين الذين التبس عليهم الأمر من كشوف المرشحين، عندما قدموا إقراراتهم بعد يوم 12 وفق القرار، فقبلت بعض اللجان الفرعية للانتخابات بالمحافظات أوراق البعض ورفضت اللجان الأخري أوراق آخرين رغم وحدة الموقف والوضع.

طعون أخري قدم أصحابها شهادات بفتح حساب بنكي خاص بعملية الصرف علي الدعاية الإناخابية، بعضهم كان قد ترشح في المرحلة التي تعطلت في فبراير الماضي والبعض الآخر قد ترشح للمرة الأولي في سبتمبر الماضي، فكان أن طلبت اللجنة من قدامي المرشحين”دور فبراير” تقديم شهادة جديدة تثبت أن الشهادة القديمة بفتح الحساب ما تزال سليمة، وأن الحساب ما زال سارياً، مع العلم بأن هذا الحساب الخاص بالصرف منه علي الدعاية الانتخابية وفق الضوابط المعلنة لا يتم فتحه إلا بموافقة اللجنة العليا للانتخابات، ولا يتم غلقه إلا بإخطار منها حيث يخضع لمراقبتها ولا دخل للمرشح في الإخطار الأول والثاني إلا التقدم بنفسه لطلب فتح الحساب.

أما الموافقة علي الفتح من عدمه فهي من أعمال اللجنة العليا للانتخابات التي أخطرت بشكل جمعي البنوك بموافقتها علي فتح حسابات للمرشحين وهي حسابات وفق القانون؛ فإنها تخضع لعملية المراقبة من للجنة العليا للانتخابات، وبالتالي فهي علي علم باستمرارها أو إغلاقها. ومع ذلك فإن اللجنة العليا للانتخابات طلبت من قدامي المرشحين “دور فبراير” استخراج شهادة جديدة تؤكد استمرار صلاحية الشهادة القديمة، واستثنت المرشحين الجدد “دور سبتمبر” الذين قالت إنهم غير مطالبين بهذه الورقة، ما أحدث لبساً جديداً أخرج عدد كبير من المرشحين من السباق الإنتخابي لعدم تقديمهم هذه الشهادة.

ومن هؤلاء الإعلامي المصري “توفيق عكاشة” صاحب قناة “الفراعين” الذي أخرجته اللجنة العليا من السباق الانتخابي، لكنه طعن علي قرارها وأعادته محكمة القضاء الإداري إلي كشوف المرشحين، بينما أقران له في نفس الحالة قدموا طعونهم أمام دوائر أخري للقضاء الإداري وخسروا الطعن، فأقاموا طعناً جديداً أمام المحكمة الإدارية العليا.

أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل والذي أعلن ترشيح نفسه علي دائرة السادات في المنوفية، قامت اللجنة العليا للانتخابات في محافظة المنوفية باستبعاد طلبه للترشيح، استناداً إلي أن حسابه البنكي غير صالح، وكان في “دور فبراير” قدم شهادة من البنك بفتح حساب خاص بالدعاية الإنتخابية ثم وقبيل إعلان الكشوف وقتها أخطر البنك المركزي اللجنة العليا للانتخابات بأن حساب “أحمد عز” غير مُفعّل، نظراً لأنه ممنوع من التصرف في أمواله. ثم

قام في دور “سبتمبر” بإحضار شهادة من مكتب البريد تفيد بفتح حساب جديد خاص بالصرف علي العملية الانتخابية، وحساب آخر بمكتب بريد مدينة “السادات” من متطوعين خاص أيضاً بالصرف علي دعايته الانتخابية، وقدم الشهادتين، ثم فوجئ باللجنة العليا للانتخابات تصدر قراراً باستبعاده من كشوف المرشحين، لأنه لا يحق له فتح حساب بنكي أو بريدي، استناداً إلي أن الحساب المثبت بالشهادة قد اغلق إدارياً، وبالتالي فهو قد فقد شرطاً من شروط الترشح، فقدم طعنه أمام القضاء الإداري وخسر الطعن ثم جاء إلي الإدارية العليا ليقدم طعناً جديداً أمامها، تعهد فيه محاميه الشهير “فريد الديب” بأن موكله يتعهد بأن يخوض الانتخابات بدون دعاية انتخابية وبالتالي لا حاجه له أصلاً إلي حساب بنكي للصرف منه علي الدعاية الانتخابية الأمر الذي ضجت معه القاعة بالضحك من هول المحاولات التي يقدمها “الديب” للمحكمة؛ لكي يتم إدراج موكله في كشوف المرشحين.

طعون أخري تتعلق بعدم توقيع الزوجة علي إقرارات الذمة المالية الخاصة بأزواجهم المرشحين، وهي طعون يتوقع أن تعصف بالعملية الانتخابية برمتها بعد أن تأكد قانوناً أن توقيع الزوجة علي إقرار الذمة المالية شرط من شروط سلامة الإقرار، وأنه في حال رفضها يجب علي المرشح أن يقدم إقراراً برفض الزوجة التوقيع، وهو ما لم يحدث في 99% من أوراق المرشحين ما يهدد ببطلان إجراءات الترشح، بالتالي بطلان العملية الإنتخابية، وبالتبعية بطلان المجلس القادم.

هذا إلى جوار طعون أخري كثيرة تتعلق بالتباين في الشريحة المستهدفة من الدعاية الانتخابية بين مرشح علي دائرة بأربعة مقاعد، ومرشح أخر علي دائرة أخري بثلاثة مقاعد، وغيره علي دائرة باثنين، أو بمقعد واحد، الأمر الذي تتباين في الجهود بين مرشح وآخر ..ما يهدد بعدم دستورية النصوص  القانوينة المنظمة للعملية الانتخابية، فضلاَ عن عشرات الطعون الأخري المتعلقة بالرسوم المالية وتباينها بين مرشح القائمة ومرشح الفردي، وطعون غيرها علي قانون تقسيم الدوائر، وغيرها علي مزدوجي الجنسية ممن لهم حق التصويت وليس من حقهم الترشح وهو تباين في مبدأ قانوني  من ” أن له حق التصويت له بالتبعية حق الترشح”.

إنه برلمان يحمل بطلانه بداخله، وهو بطلان مفروش بطول الطريق  المؤدي للبرلمان، بطلان من الممكن أن  يستيقظ قبل إجراء العملية الإنتخابية أو يستيقظ بعدها وفي الحالتين، فإننا أمام برلمان باطل قانوناً من قبل أن يبدأ .
_______________________

*كاتب وصحفي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه