عبده مغربي يكتب: الرؤوس التي أينعت في الإعلام المصري

تبسم لهم وأطال الابتسامة لعام أو يزيد، ظنوها ابتسامة الرضا، فراحوا يبتهجون ويزيدون في الرقصة، يعبثون من جديد، يغرفون من جديد، يتوسطون من جديد، يفسدون من جديد، فالرجل الجديد قد تبسم

عبده مغربي*

“إلحق..إلحق .. قبضوا علي فلان”.
 لأ الخبر مش صحيح، الصحيح إن فلان اعترف علي فلان.
 لا يا عم بقولك فلان جابوه دلوقتي من بيته.
 يا خويا أصلاً فلان قاعد في بيته دلوقتي.
 يووه .. بقولك رجليه في الخيّة.
 ياريييت .. بس أنا سمعت إنهم هيطرمخوا علي القضية.
 طب ويطرمخوا ليه ؟ لو عايزين يطرمخوا مكانوش فتحوها أصلاَ.
 لا يا عم فتحوها والريس مسافر.
هذه النوعية وغيرها من الحوارات هي التي سيطرت ولا تزال علي مواقع التواصل الإجتماعي في مصر منذ الإعلان عن القضية التي تتعلق بفساد وزارة الزراعة، أو المعروفة إعلامياً بقضية “الفور سيزون”
وبعيداً عن مضمون القضية التي أصدر فيها النائب العام المصري قراراً بحظر النشر تبقي هناك مجموعة من الإشارات التي تكشف إلي حدٍ كبير الكثير من الأمور، والتي من أهمها أن الشعب المصري قد ملّ إلي حد الإختناق من نخبته، فلم يعد يحتمل إطلالتهم الكئيبة والمتكررة  في المناسبات وعلي الشاشات، وهو بهذه الحالة من الجدل حول مصيرهم في القضية الأخيرة,  إنما يتمنى لهم ما يتناقله عنهم من أخبار .. صحيحة كانت او كانت غير ذلك ، بل إنه مثل “الجعان الذي يحلم بسوق العيش” ملّ كثيراً من وجودهم فحلم بإختفائهم، وكأن لسان حاله يقول : “إتخنقنا” منهم ..”كفاية “، خاصة  وأن كثيراً ممن طالتهم الأقاويل في هذه القضية هم من “نجوم” الصف الأول الذين تصدروا منذ زمن طويل المشهد السياسي والإعلامي في مصر, وجثموا لسنوات علي صدور المصريين .
في عصر مبارك, كانوا إما من “مطبلاتية” نظامه أو من معارضته المستأنسة التي كانت تعارضه بالنهار وتجلس مع رجاله بالليل، صدقهم المصريون بعض الوقت، لكن سرعان ما كشف أمرهم، فلم يثق بهم، بقوا جاثمين علي صدر الشعب طوال السنوات العشر الأخيرة من نظام مبارك حتي جاءت   ثورة 25يناير، أحسوا بأن المركب تغرق فقفزوا منها في اللحظات الأخيرة، وكتبوا لأنفسهم سنوات جديدة تقبلهم فيها المصريون علي مضض، فماكينة الإعلام ليست في أيدي الشعب، طبلوا للمجلس العسكري، ونافقوه، وتحدثوا زوراً عنه، وفي الحالة التي كان فيها الإخوان مع مجلس طنطاوي “سمن علي عسل” يكمل بعضهم بعضا، كانوا يقرضون الشعر في “طعامة” ولذاذة هذا المزيج السياسي الجديد “الإخوان والمجلس العسكري”، بل إن أحدهم وقف يصرخ في البرلمان جنباً إلي جنب مع جماعة الإخوان ضد من لم ينسجموا مع المُركّب السياسي الجديد.
إستعان بهم الإخوان المسلمون، وتعاونوا معهم، وقدموا لهم الهبات، حتي إن أحد المواقع الإخبارية الشهيرة التي خرجت من رحم شركة يديرها ابن صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري في نظام مبارك، التقطته الجماعة بعد الثورة وقدمت له خمسة ملايين جنيه دعماً وعربوناً للمحبة، أتي  العربون ثماره لفترة، ثم ما إن نفد الشحن وظهرت بوادر جديدة بغرق السفينة – سفينة الإخوان- قفزوا من جديد، وراحوا “يطبلون” و “يرقصون” و”يصرخون” ألماً من الجحيم الذي عانوه من حكم الجماعة.
وجاءت 30 يونيو، وعاودوا نفس الرقصة، لكن الحانة السياسية كانت تعج بالمعلمين، فانتشروا مثل فتيات الليل يبيعون الحب علي طاولات الملهي الليلي، بعضهم رقص علي طاولة الفريق أحمد شفيق، ظنأ منهم أنه الرئيس القادم، وبعضهم رقص علي طاولة سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق ظنأ أيضاً أنه رجل المرحلة، وقليل منهم ذهب إلي من ليس لديه ذهب، إلي اللواء مراد موافي رئيس الإستخبارات المصري الأسبق، ومنهم من رقص علي المسرح يستعرض مفاتنه للجميع أملاً في أي إشارة من هنا أو هناك،  وبعضهم إنتظر المعلم الكبير، أعلن السيسي ترشيح نفسه فانفضوا جميعاً إلي طاولته وتزاحموا عليها.
النجم الجديد رجل مخابرات، ولديه كل الملفات، يعرف تاريخهم الأسود والبني، فلا أبيض في تاريخهم يُعرف، شاهدهم علي كل الموائد، وهم يغرفون من كل السفن، وشاهدهم أيضاً وهم يقفزون، لم يأمن لهم، لكنهم ما زالوا يرقصون .. رقصة “الإستربتيز”  الأخيرة أملاُ في  إحداثهم بعض الإثارة في نفسية الرجل الجديد قبل بزوغ الصباح،  وقبل بزوغ الصباح “تبسم” لهم وأطال الابتسامة لعام ويزيد، ظنوها ابتسامة الرضا، فراحوا يبتهجون ويزايدون في الرقصة، يعبثون من جديد، يغرفون من جديد، يتوسطون من جديد، يفسدون من جديد، فالرجل الجديد قد “تبسم”، لكنها لم تكن بسمة رضا، بل كانت بسمة لرؤوس قد أينعت .. وحان قطافها.

__________________________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه