عامر عبد المنعم يكتب: الحرب العالمية الثالثة على الأبواب

عامر عبد المنعم*

 المواجهة عادت من جديد بين الناتو بقيادة الولايات المتحدة من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وعادت أجواء الحرب الباردة  التي انتهت في بداية التسعينات، ورغم التصريحات التي تصدر من الجانبين عن مواجهة “الإرهاب”  في سوريا فإن المعركة الرئيسية هي على النفوذ الإمبراطوري وتثبيت أقدام الدول الكبرى على الأرض العربية ورسم واقع جديد على حساب الشعوب التي تدفع ضريبة هذا الصراع المتصاعد.
قد يفاجأ العالم بنشوب حرب عالمية ثالثة، وهذه المرة ستكون النتائج كارثية، فالأسلحة إستراتيجية متطورة جدا قد تتسبب في دمار الطرفين، وأجزاء من الكرة الأرضية، فالتحديث العسكري قطع شوطا كبيرا في قوة التدمير النووي وأسلحة الجو والقدرة الصاروخية ووسائل نقل القنابل التي تجعل طبيعة الحرب غير متخيلة.
بمتابعة الموقف الرسمي الروسي تبدو حالة الخوف من رد الفعل الأمريكي، وهناك أحاديث عن ضربة أمريكية شاملة، والإعلام الروسي يكثر من التصريحات والتحليلات حول قدرة روسيا على التصدي لهجوم مميت، ويستعرض الروس بشكل شبه يومي ما يملكونه من أسلحة  إستراتيجية قادرة على الرد على أي ضربة تتعرض لها روسية

اليد الميتة
الجيش الروسي يعلن بشكل دعائي متكرر عن تشكيلة متنوعة من منظومات الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ القادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة وغيرها من دول أوربا الغربية وينشرون تفاصيل وأسرارا حول إمكانياتها الهائلة ورؤوسها المتعددة ويطلقون عليها “آلات يوم القيامة ” وآخر ما أعلن عنه الروس ما يسمى “اليد الميتة” وهو نظام بيريميتر لمواجهة ضربة أمريكية شاملة، وما نشر عن هذا النظام يوضح إلى أي مدى وصلت درجة الشعور باقتراب المواجهة.
حسب ما أعلنه الجيش الروسي فإن نظام بيريميتر هو نظام أوامر آلي يصدر أوامره إلى القوات النووية الروسية لتوجيه ضربة نووية جوابية مدمرة، حتى عندما تكون قد دمرت بالكامل مراكز القيادة وخطوط الاتصالات مع قوات الصواريخ الإستراتيجية،. فهذا النظام يضمن إطلاق الصواريخ البالستية من جميع منصات الإطلاق البرية والجوية والبحرية، في حال تمكن العدو ( حلف الأطلسي) من تدمير كل القيادات التي يمكن أن تعطي أوامر الرد. وأكد الجيش الروسي أن نظام “بيريميتر” هو نظام مستقل تماما وغير مرتبط بالوسائل الأخرى للاتصالات وأوامر مراكز القيادة، وحتى “الحقيبة النووية” لا علاقة لها بتفعيله.
يبدو أن النقلة العسكرية التي قام بها بوتين في سوريا، ضيقت الخيارات أمامه، وهو مضطر لإكمال مشواره للنهاية، لأن أي تراجع أو انسحاب يعني فقد طرطوس، القاعدة البحرية الوحيدة في حوض البحر المتوسط، وما يترتب عليه من خروج كامل من المنطقة وخسارة كل شيء، وفي نفس الوقت فإن بقائه يقتضي التوسع العسكري والدفع بتجهيزات وجنود لحماية نفسه من رد فعل الناتو الذي فوجيء بالخطوة الروسية.
الناتو من جهته ارتبك أمام الاندفاع الروسي والواقع الجديد الذي جعله مع الخصم القديم وجها لوجه، في منطقة حرب ساخنة، وتعارض المصالح والاستراتيجيات، بما يهدد الوجود الأمريكي والغربي في قلب العالم العربي، والذي قد يتسبب في تحجيم الناتو مكرها وخسارة أمريكا وأوربا لمصالحها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
لكن من الملاحظ أن الأمريكيين من جهتهم لا يصدرون تهديدات كالروس وإنما تحركاتهم تكشف عن رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة القصوى والاستعداد للحرب العالمية، ففي شهر أكتوبر الماضي أجرى حلف الناتو أضخم مناورة عسكرية له منذ 13 عاما، في مياه البحر الأبيض المتوسط، أطلق عليها “منعطف ترايدنت” شارك فيها 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة و230 وحدة عسكرية، وتم فيها محاكاة خوض حرب عالمية

ردع العدوان الروسي.
وفي أهم موقف معلن يكشف عن مؤشر الصراع ما أعلنه البنتاجون  في نهاية الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري، لأول مرة منذ دخول الروس سوريا عن “خطة أميركية بالتعاون مع الحلفاء لردع عدوان روسيا في سوريا”.
من الواضح أن كل الحسابات صعبة على الطرفين، وتتحول مع الوقت إلى قضية وجود لكل منهما، وهذا ما يزيد من احتمالات التصعيد إلى حرب، فالتوتر يبدو من مواقف القوتين، والصدام في ظل هذا الحشد العسكري ممكن نتيجة أي خطأ غير مقصود أو غير محسوب، أو ربما مخطط إذا ما قرر طرف منهما حسم الأمر عسكريا.
الصراع بين روسيا وأمريكا ينعكس على الانتشار العسكري بالمنطقة لكلا الجانبين، ويترتب عليه تكثيف التحركات العسكرية على مساحة واسعة من الأراضي العربية، ويصاحب هذا الوجود العسكري مضاعفة نشاط الجهود الدبلوماسية لإعادة صياغة العلاقات على أساس الولاء بين روسيا ودول الناتو والعودة إلى نظام القطبين.
وفي إطار التنافس بين المعسكرين سيستخدم الجانبان كل الوسائل لاستمالة الدول بما فيها التهديد العسكري والتخويف، وقد تتكون أحلاف جديدة تضر بالمصالح الداخلية للدول العربية، أخطرها استثمار إيران والشيعة الصراع الجديد بالتحالف مع روسيا بعد أن استنزفوا الأمريكيين لتحقيق الحلم الفارسي، وسيترتب على هذا تغيير في أدوات الصراع وطبيعته وظهور تحديات جديدة لم تكن في الحسبان.
الغريب هو رد فعل العالم العربي أمام التحديات الجديدة؛ فلا يبدو أن لدي العرب إستراتيجية واضحة رغم أن العرب هم الذين يدفعون فاتورة الصراع وهم الضحايا في كل الحالات وأيا كانت النتائج، فعلى المستوى الجماعي اختفت الجامعة العربية وأصيبت بالشلل، ومنظمة التعاون الإسلامي ليست أفضل حالا، فكلاهما خارج الخدمة

الموقف العربي.
 وعلى المستوى القطري تتعارض سياسات الدول العربية وتفرقت بهم السبل، ولم تعد تجمعهم مصلحة واحدة رغم ما بينهم من روابط العقيدة واللغة، فساقتهم الاستراتيجيات المعادية إلى أرض التيه وفقدان المناعة وتلقي الضربات، وهذا أدي بدوره إلى تعرض العالم العربي إلى هجمات غير مسبوقة واجتياحات واحتلالات من الدول الإقليمية والعالمية المتصارعة على النفوذ في المنطقة العربية، وبسبب التمردات الداخلية العرقية والطائفية فتح الباب أمام مزيد من التدمير والتفكيك والاحتلال.
الصراع بين روسيا والناتو يشكل خطرا ملحا ينتظر العرب، وتزايد احتمالات الصدام يضع أصحاب القرار في العالم العربي في مأزق ويقتضي منهم أن يتحركوا بايجابية من واقع مصلحة دولهم، اليوم قبل الغد، قبل أن تجرفهم الأحداث ويجد العرب أنفسهم أمام سايكس بيكو جديدة وتقطيع الأراضي العربية بالسكين، نرى أولها ولا نرى نهاياتها.

______________________________

*كاتب وصحفي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه