طريق الثورة

ما أن تلوح في أفق انسداد الحرية في مصر مظاهرات تطالب بالخبز أو الغاز أو البنزين حتى تتفرق بحراس بوابات الحرية السبل.

الخبز والماء والغاز والبنزين حقوق مشروعة لكل مواطن،كما الحق في حياة عادلة كريمة، وكذلك الحق في الحرية.

لكن هؤلاء الحراس يحاولون إلباس هذه المظاهرات ثوبا غير ثوبها، بل وبعضهم يرفع سقفها مطالبا الجماهير بحرق الأخضر واليابس، والاستيلاء على كل شيء وأي شيء، من مصانع ومزارع وبيوت الأثرياء، وتفكيك الجيش المصري، وهدم مؤسسات الدولة، وجلها مباديء تتنافى مع حق المواطنة، ومع خلق المسلم الحق.

لم تأت ثورة 25 يناير 2011 لأجل نهب البيوت وحرق ” المولات”، ولا جاءت لسلب نجيب ساويرس وأمثاله أموالهم، وبعض رجال الأعمال في مصر كد وتعب ليكون ما أصبح عليه، بعضهم فاسد، وبعضهم شريك في تدمير هذا الوطن، وبعضهم أيضا شريك في بناء هذا الوطن، لذا ليس من العدالة أن نطالب جماهير الشعب الكادح بقتل هؤلاء أو سلبهم مصانعهم و”مولاتهم” وبيوتهم، دون محاكمات عادلة، ليس إلا لأننا كتلة كبيرة يحكمها الهوى، ويريد البعض استدراجنا إلى الباطل.

الغوغاء

الكتل الكبيرة من الشعوب إذا لم توجه التوجيه السليم، وتركت للغوغاء فستحرق الأخضر واليابس، فهذه الكتل هي التي أجتمعت ذات زمن وأقرت على إعدام سقراط وسجن غاليليو، لمجرد الاتباع  وما يتبع أكثرهم إلا ظنا، إن الظن لا يغني عن الحق شيئا، وقوله سبحانه ” إن يتبعون إلا الظن”.

إن مواجهة طاغوت واستبداد السيسي لا يعني أبدا التحريض على سلب بيوت الناس وقتلهم، وهو نفس المبدأ الذي طالبنا به بعد أيام يناير، وطبق على حسني مبارك وزكريا عزمي وأحمد عز وغيرهم.

تسألني وأنت محبط: لكنهم حصلوا على براءة، ألم تسمع عن مهرجان البراءات؟!

أقول لك: فرق بين المبدأ والتطبيق.. المبدأ هو العدالة التي أنزل الله بها كل الأديان السماوية، أما التطبيق، فقد طبق حزب النور -على سبيل المثال- الإسلام في تعاملاته، وبرر مساندته للسيسي ونظامه، وأيد فض اعتصام ميدان رابعة في 14-8-2013 وقتل الآلاف، فهل هذا هو الإسلام؟!

المجلس العسكري طبق أيضا المحاكمات على رجال نظام مبارك، فحماهم ووفر لهم مساحة لإفساد أحراز القضايا وتزوير الشهادات من خلال صفقة بينهم، ليبقى حكم العسكر في مصر، فهل هذه هي المباديء العسكرية العادلة لعقيدة الجيش المصري؟!

تحقيق بعض أهداف الثورة ونجاحها أن يدرك كل رجل أعمال في مصر ، وكل ضابط جيش، وكل مسؤول بأنك لم تأت للقضاء عليه وسلب أمواله وقتله وترويعه، لكنك قادم بمبادئ عادلة، وتوفير الحق في حياة كريمة للجميع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا”.. وهكذا تقتضي  المصالحة الاجتماعية، القصاص لكل الشهداء، ومحاكمة كل فاسد وإعادة نصاب العدالة الحقة، دون الجور على حقوق الآخرين، فلن تنجح ثورة قلوب ممتلئة بالحقد وشهوة الإنتقام لمجرد الفروق الطبقية.أو القتل لأجل رأي سياسي.

نحن بشر، وفي الوطن متسع لنا جميعا، والخلاص من الانقلاب العسكري وظلمه فيه سعادة للجميع ، المواطن المدني، وقبله ضابط الجيش والشرطة، ورجل الأعمال.

التدريج

من حقنا جميعا أن نعيش حياة كريمة، حقنا في تعليم يستحقه أولادنا، وقضاء عادل، ونحيا في اعتدال، ولا نستعمل إلا فيما أرادنا الله له، وليس في تدمير مجتمع كامل.

تدرجوا في تحقيق أهداف ثورتكم، واجعلوا فيها متسعا للجميع، فالحياة حق أصيل لكل إنسان، ما دام لم يقترف قتل حياة إنسان آخر ” من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

نظام الإنقلاب يضربنا جميعا بعضنا بعضا، الإخوان واليسار والليبراليون، العمال والملاك، الأغنياء والفقراء، يطحننا على هوادة، وعلى مهل، وبذكاء منقظع النظير، لنجد أنفسنا في حرب لانهائية نواجه فيها بعضنا بعضا، ليصفو للعسكر الحكم 60 سنة قادمة

إذا عدمت الوسيلة والقوة لاستعادة حرية من معك، فأفسح الطريق قليلا لغيرك، لكي يزيل عثرات الوصول، حتى تستطيع أنت أيضا استعادة حقوقك وحريتك. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه