صناعة ( الكراهية ) و ( الخطر ) في فقه الاستبداد

أحمد قناوي*

حين يتوسد المستبد أمر أمة ، كرهاً أو بحيلة ، تتداعي إلية، بحكم الحاجة، وربما بحكم الغريزة كل تلك الأفكار التي تساعده علي تثبيت دعائم سلطته ، يشارك المستبد كل من له رغبة في البقاء حوله حتى لو كان نصيبه فتات المائدة ، ويتحول الأمر من رغبة شخصية إلى رغبة مجموعة،  سواء كانت تلك المجموعة ذات منبع طائفي أو عرقي أو وظيفي واحد ، لتشكل  سوياً رأس هرم بحاجة إلى مد قواعده على الأرض وتثبيت أركان بنيانه.

 وبطبيعة الحال ليس لديه من القواعد والناس ما يتمم بناء الهرم وفق وضع مستقر ومن ثم يجد لازما عليه تشغيل ألاف وملايين الناس في رص الأحجار ومراكمة لبنات البناء، كل ذ لك يخرج عن نطاق قوته وقدرته خاصة وشعور اللص متمكن منه، فهو بحاجة إلى أن يشاركه عامة الشعب مشروع الاحتيال، وهو بحاجة في نفس الوقت إلى إضفاء قدر من الوقار على مفردات خطابه، ولا يتورع عن استخدام تعبيرات عن الزهد في السلطة، وعن الرغبة العارمة لخدمة هؤلاء، وحمايتهم من أخطار.

ومن ثم يبدأ بثنائية الكراهية والخطر اذا كان منافسه، أو حتى من يرفضه لديه قدر من مصداقية نابعة من مجرد رفضه  لفكرة الغصب أو الحيلة أو نابعة من فهمه مخاطر بالضرورة من أن الفرض، والإكراه لا يخلق مجتمعاً صحياً، أو من فكرة المنافسة وفكرة الشعور بالاستحقاق الأفضل، ربما يكون الرافض شرائح مختلفة لا صلة تجمعهم بل أنهم ربما لو تناضلوا للدفع بموقفيهم  لاختلاقوا  إلى أبعد الحدود .

الكراهية ما لم تصاحبها فكرة الخطر تبدو غير  ذات فائدة للمستبد، ومن ثم فإن ربط الكراهية بالخطر يصبح آمراً ضرورياً لتحقيق الهدف بمزيد من أحجار البناء، ومزيد من الطاعة التي تنتقل إلى التسليم.

وتبدأ فكرة الكراهية من تخير أكثر المنافسين أو صاحب الحق ثم صناعة هالة من الأكاذيب مصحوبة بقدر من الخطر التي تمثله .

فعل ذلك كل المستبدين، تغيرت اللغة والحضارة والتاريخ والمكان، وبقيت مفردات الاستبداد واحدة وصناعتها تعتمد في المجمل على ثنائية الكراهية والخطر ، فهو راغب في قتلك عليك بكراهيته، وهو راغب في سرقة وطنك عليك بكراهيته، هو راغب في تدمير هويتك عليك بكراهيته، هو يسعي للسيطرة عليك بكراهيته وينتهي  الأمر باعتبار ذ لك الطرف عدو حقيقي للمجتمع، ومن ثم  عليه الاحتماء بالمستبد.

 ويقدم الشعب تنازلاً وراء الأخر فالبديل قد يكون موته أو فقد أمنة وماله، بل وحتى أسلوب الحياة التي الفها وتعود عليها، ومن ثم يصمت إذا ضيق علية المستبد لأنة  خطر أقل أو رفع عليه  الأسعار فهو  خطر أقل أو حرمة من حقه في التعبير فهو  خطر أقل أو منعه من المشاركة فهو  خطر أقل .

في الحالة المصرية رغم فوارق القياس  تتجلي استيعاب تلك الحقيقة فالخطر كان جماعة الإخوان المسلمين، وشباب ثورة يناير، وعلى ما بينهما من خلاف واختلاف، اذ ينتمي الفصيل  الأول إلى المشروع الإسلامي، وينتمي الفصيل  الثاني إلى المشروع المدني الأقرب للعلمانية، لكن يجمعهم حالة تشارك في نجاح، وحالة اصطفاف في قضية، وحالة رفض للفرض والقمع، وبحث مشترك عن العدالة. 

ومن ثم يجب توجيه الحملة عليهم مباشرة، وجعلهم مصدر  الخطر, بدأ الأمر في حالات غير منطقية، وبدا في حالات أخري شاذة، لكن تعميمه وطرحه وترديده يستهدف قطاعاً لا يملك ترف التحليل أو ترف العمق أو أدوات الرصد.

فمن بيع الأهرامات، الى بيع سيناء، ومن التفريط في حق المياه في سد النهضة  حتى وصل الأمر إلى إشاعة ما أسموه بجهاد النكاح .

 منظومة كاملة لا رابط بينها ولا حتى منطق، ثم ترديد فكرة الاستحواذ والسيطرة وحكم العمائم، وتحريم الفنون إلى التعامل مع الصهاينة و التبعية للأمريكان، ثم إلى إيران وربط الأمر تارة بحركة القاعدة، أو بحوزة  قم الشيعية. كل المنظومة أطلقت كمدافع ثقليه من منصات إعلامية  ومؤتمرات ، وتلحفت  بإحالات للقضاء ،  في ذات الوقت شباب يناير تم شخصنتهم في عدد من الأسماء وإطلاق قذائف شديدة القسوة عليهم ، الخيانة ، والعمالة ، والتمويل .

وكان يجب رفع راية للمعركة فكانت ( الحرب ضد الإرهاب ) ، فأنت ضد القمع فأنت تساند الإرهاب ، ضد القتل فأنت تساند الإرهاب لك رأي مختلف فأنت تقدم الدعم للإرهاب ، في الحرب لا داعي للحديث عن حقوق وحريات ، بل وحتى ضمانات للمحاكمة في الحرب ليس مطلوباً منك سوي التسليم والانحناء بل بالتصفيق، وأن الدكتور محمد ألبرادعي المفحم بالمدنية بأنه إخوان، وعمر حمزاوي الذى يعرف بكونه لبيرالياً علمانياً إنه إخوان. في سياق بدا شاذ اً منزوعاً من المنطق فضلا عن الحقيقية .

وحين يمسك الاستبداد بقلم القانون فإنه يشرعن الرغبة إلى مواد حية في صلب قوانين ممهورة بخاتم الدولة ، فالطعن في الصفقات التي تعقدها  الدولة لبيع قطاع من القطاعات ليس من حقك الطعن عليه، وحقك في التعبير يجب إحاطته بأغلال من القيود تحيله إلى مجرد أمل صعب المنال، وفكرة عرض قانون للانتخابات على ما وافق على دخولها غير مجدية فقط على الجميع أن يوافق على مساحة الملعب ، وقاعدة اللعبة وفق هوي من يريد لا وفق طبيعة اللعبة وقواعدها ، ثم إبراز القوة في التصدي ما يوصف بأنه انتهاك  فيقبض علي  من يخرج مسالما معبراً عن رأي ، ويقمع حتى الدماء من يقف مطالبا بما يعتقد ، والتبرير جاهز بحتمية وضرورات الحرب على الإرهاب في محاولة لخطب ود قوي تثيرها الجملة والمصطلح الذي تم صكه في بلدان تلك القوي على آمل الحصول على دعم أو رضاء أو على الأقل عدم ممانعة .

شرعت راية الحرب على الإرهاب، إجراءات تلطخ سمعة وطن بكاملة فمن تسريب في محطات محسوبة بقدر على الدولة لمكالمات شخصية لبعض الأفراد ممن جري شخصنه يناير فيهم عن قصد ، حتى إذا ضربت تلك الشخصيات ضربت معها الثورة، التي أصبح عادياً الحديث عنها كمؤامرة بصرف النظر عن نصوص في الدستور مرت فيه الكلمة ربما عفواً أو مزايدة لكنها قطعاً لم تكن رغبة، ثم قوانين معروف سلفاً مخالفتها للدستور المفترض حتى لمن وضعة أن يحترمه باعتباره حارساً عليه ، ثم حالات قبض عشوائي لأسباب تافهة  وحبس وتجديد و حبس حتى تحول الحبس الى عقوبة دون محاكمة .
 ربما من أشد التعبيرات عن طبيعة المرحلة أن تنظر فتجد في القفص يحاكم الدكتور محمد مرسي وفي قفص آخر الشاب أحمد دومة على ما بينهما من مشروع مختلف وصل حد أن حبس الثاني في عهد الأول لكنهما سوياً خلف القضبان. _______________.

كاتب وحقوقي مصري

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه