صناعة الإرهاب

في الحالة المصرية وبعد 30 يونيه وبالترتيب عليها أصبحنا أمام نموذج منتج للإرهاب، فليس هناك حرية تعبير تكفل حتى إمكانية تفريغ الضغوط في الرفض والاحتجاج.

أحمد قناوي*
في أي نقاش حول الإرهاب (المشكلة والأسباب والحل) تجد أسئلة تقفز بوضوح على مائدة البحث، إذ كنا نناقش ذلك النوع من الإرهاب الذي يتلحف بالدين، ويريد فرض نموذج محدد لفهمه وتفسيره جبرًا على الآخرين، لماذا منطقتنا تحديدًا؟ ثم لماذا داخل بيئة القطر الواحد يتوزع الإرهاب وكأنه خريطة للحالة الاجتماعية والاقتصادية؟
لماذا في مصر تحديدًا عرف المجتمع المصري ما أطلق عليه (جمهورية إمبابة) نسبةً إلى حي فقير ومكتظ في القاهرة الكبرى؟ لماذا في التسعينيات كان الإرهاب يتحرك في منطقة الصعيد الأكثر فقرًا وحاجة؟ لماذا يزداد التشدد الديني في مناطق عين شمس، المطرية، عزبة النخل، وهي أحياء فقيرة بالقاهرة؟ لماذا لم نسمع عن جمهورية (مصر الجديدة) أو جمهورية (مدينة نصر) أو جمهورية (الزمالك) نسبةً إلى تلك الأحياء الراقية في القاهرة الكبرى، ثم لماذا تأتي تلك الحالة في زمن بشكل مختلف عن فترة زمنية أخرى حيث إن الفقر ليس حالة مستحدثة والحاجة ليست وليدة اليوم؟
قد لا تكون الحاجة الشخصية والاجتماعية ، سببًا كافيًا للشخص كي يتحرك في اتجاه تبني العنف والإرهاب (أسامة بن لادن) (أيمن الظواهري) نموذجاً لذلك، فكلاهما بالمقياس المادي لم تحركهما تلك الحاجة المادية، لكن ذلك إن  صح على شخص محدد أو عدد محدد من الأشخاص فإنة لا يخل بالقاعدة الأساسية، وهي أن الحاجة المادية والقهر الاجتماعي سببًا هامًا للإرهاب، ذلك أن عامل النسبية هو مايؤكد تلك القاعدة، فليس هناك أكثر من أسامة بن لادن والظواهري على سبيل المثال وبشكل استثنائي حتى وإن كان غيرهم فهذا لا ينفي الاستثناء ولا يخل بالقاعدة، لكن الغالب الأعم كانت الحالة الاجتماعية لهم السبب الأساس، أذكر محاميًا ريفيًا شابًا كان قد قدم من صعيد مصر للقاهرة وكنت أتبادل معه أطراف الحديث حين كانت تجمعنا جلسة في غرف المحامين فإذا به يحمل للمجتمع رفضًا وتكفيرًا يتجاوز حدود التوقع لشخص درس القانون وتعرف على الحقوق والحريات العامة والمساواة وغيرها من المصطلحات التي يعرفها طالب القانون، لكن هذا الشخص سرعان ما أخذه العمل ثم عرف رغد العيش وتوارت من مفردات كلماته التكفير والعنف ثم تطورت حالته وسافر خارج مصر إلى أوربا ثم عاد وتحسنت بشكل جيد حالته المادية فإذا به تتغير دائرة معارفه من إسلاميين متشددين على شاكلته إلى ليبراليين ويساريين وغيرهم وباتت كلمات ” تقبل الآخر – حرية التعبير ” بديلاً في مفرداته عن كلمات ” العنف والتكفير والإرهاب “، لم يعد يفخر بما كان يفخر به من غزوات وهو تعبير عن نجاحه ورفاق له في عمليات عنف محدودة لكن بات يتحدث عن قضايا جديدة حتى في تعاطيه مع آيات القرآن الكريم. بدا له أن هناك تفسيرات إنسانية أفضل من تلك التي كان يعتقدها، وبعد أن كان الحديث معه منذ عشرين عامًا عن ترشيد حالته الإسلامية المتشددة أصبح الحديث معه عن ترشيد حالته الليبرالية، ليس الأمر هنا قصة حالة لكنها القصة التي لم تكتمل على ذات النحو لمعظم الحالات التي انخرطت بشكل منظم في التيار التكفيري، ونجيب أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية هي أحد أهم الأسباب لشيوع ثقافة تبني منهج العنف فكرًا وتطبيقًا، غير أنه يقلل من أثر هذا السبب أن يعبر هؤلاء عن أنفسهم من خلال منظمات كالأحزاب والجمعيات في مناخ ديمقراطي يكفل ترجمة تلك الحاجات في سياسات اجتماعية واقتصادية عبر صندوق الانتخابات 
فإذا ما توافرت مع هذا السبب مناخ غير ديمقراطي ثم أضيف إليه مناخ قمعي لا يكفل حتى حرية التعبير فنحن أمام مصنع أو معمل تفريخ كامل للإرهاب توافرت له كل مقومات الإنتاج وكل مقومات التسويق وكل مقومات الحركة على الأرض، إضافة لنصوص تراثية إسلامية تنتزع من زمانها وسياقها لتشكل رافداً فكرياً ومبرراُ وربما دافعاً

في الحالة المصرية وبعد 30 يونيه وبالترتيب عليها أصبحنا أمام نموذج منتج للإرهاب، فليس هناك حرية تعبير تكفل حتى إمكانية تفريغ الضغوط في الرفض والاحتجاج، لاعب كورة يدون تغريدة على الفيس بوك وهي نموذج لممارسة حق أساسي وهو حرية التعبير، النتيجة النادي الذي ينتمي إليه يفسخ عقده، يتعرض لحملة من التشويه والتمييز تطال أصحاب بشرته السمراء وتطال المجموعة النوبية بجملتها ومهن أخرى، كنس شامل لفكرة التعبير عن الرأي، حالات اختفاء قسري تعتبر جديدة نسبيًا على المجتمع المصري لا يفك طلاسمها سوى اكتشاف وليد الصدفة للمختفي أو المختفية في الحبس أو في غرف النيابات، أحكام شديدة القسوة، وتشريعات تقنن العنف المنظم ليرتدي مسوح النصوص الصماء وهي القانون، عملية تصفية هكذا وصفتها صحيفة مصرية محسوبة على النظام لمجموعة من قيادات الإخوان في مدينة 6 أكتوبر، مسيرة سلمية تحمل ورود يتبناها حزب منخرط في خارطة الطريق التي أعقبت 3/ 7 تقتل شابة ويحال أفراد المسيرة بل وحتى من تقدم ليدلي بشهادته إلى متهمين في تهم تصل عقوبتها إلى الحبس المشدد، أي بيئة إذن صالحة لتفريخ إرهابيين غير تلك البيئة، أي بيئة صالحة لإنتاج محبطين ومعوزين إذا لم تكن تلك البيئة، أي خوف يمكن أن يدفع للهروب إلى الناحية الأخرى أكثر من ذلك، فتدوينة على الفيس يمكن أن تتساوي مع مظاهرة أو احتجاج، أو حتى عمل عنيف.
وقبل ذلك وإضافة إليه أن حالة الفساد المنظم الذي شهدته مصر عبر عقود من الزمن ربما يشكل قدر الحاجة نفسها لدى قطاعات واسعة من المجتمع.
وأما بالنسبة للإرهاب ثلاثية (الفقر، القمع، التخوين) وهي التي تجسدها على نحو فج الحالة المصرية بامتياز الآن تشكل دون استفاضة فيما بقي من أسباب الإرهاب، منصة إطلاق إرهابي حتى وإن بدا أن المعركة بين مصر وإرهابيين في سيناء، لأن هؤلاء في النهاية ليسوا خطرًا يهدد دولة بحجم مصر وجيش بحجم الجيش المصري، الأخطر في الأمر الآن هو وجود مسببات للحالة الإرهابية فما أن تخلص من جانب إلا وينفتح جانب آخر وإذا استمرت الحالة على ما هي عليه ربما يضحى الحديث عن سوريا والعراق مجرد حالة تماثل لا حالة استنكار

____________________

*كاتب  مصر ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه