صلاح سليمان يكتب: في ألمانيا يبحثون عن الزواج

حالة من الصخب والجنون تطغي على أجواء عيد الحصاد أو “أكتوبر فيست” كما يطلقون عليه في مدينة ميونخ عاصمة ولاية بافاريا في الجنوب الألماني.. يتبع.

صلاح سليمان*

حالة من الصخب والجنون تطغي على أجواء عيد الحصاد أو “أكتوبر فيست ” كما يطلقون عليه في مدينة ميونخ عاصمة ولاية بافاريا في الجنوب الألماني.

6 ملايين زائر علي مدار أسبوعين، هما مدة الاحتفال يشعلون الأجواء بالسعادة والرقص والغناء، ويتبارون في الشراب بلا حدود حتي أن البعض يفقد حياته بسبب الإفراط في شرب البيرة!

حصاد الشعير الذي تصنع منه البيرة البافارية الشهيرة ينضج في أواخر سبتمبر/أيلول وبداية أكتوبر لهذا فهم يعتبرون هذه الفترة هي موسم الحصاد وصناعة البيرة في بافاريا.
الاحتفالات بالعيد تأخذ طابعا رسميا وشعبيا كبيرا منذ بداية العام 1810،  ففي موسم حصاد هذه السنة  تم عقد قران الملك “لودفيج الأول” علي الأميرة “تيريزا فون زاكس” رسميا في ميونيخ .. ومنذ ذلك التاريخ لم تتغير طقوس العيد وظل البافاريون محافظين علي العهد في خصوصية احتفالاتهم بهذه المناسبة، مستغلين الفرصة للتأكيد علي هويتهم البافارية وعادتهم المختلفة عن باقي الولايات الألمانية.

إنهم يحافظون على إحياء تراثهم القديم، فيرتدون في المهرجان الثياب التقليدية القديمة التي يتوارثونها عن الأجداد، ويستمعون إلى موسيقاهم البافارية المميزة طيلة أيام المهرجان. إنها نفس الاحتفالات بنفس الطريقة التي لم تتغير منذ اكثر من 200 عام، فعمدة المدينة في صباح يوم الاحتفال يقوم بطرق برميل خشبي للبيرة 3 طرقات  لتثبيت صنبور فيه معلنا بدأ الشراب والاحتفالات.

أجمل ما في هذا الاحتفال هو الأزياء البافارية القديمة،  فالأطفال والنساء والشباب والرجال كلهم يتجولون الآن في ساحة المهرجان وهم يرتدون تلك الملابس البافارية المميزة، فستان النساء يطلقون عليه  “الدريندل” وهو فستان مزركش بألوان عديدة غاية في الجمال، صدره مفتوح بشكل يلفت الأنظار. والنساء ذوات الصدور الضخمة يتباهين بصدورهن في هذا العيد، أكتاف الفستان أيضا عارية بما يسمح بعرض مفاتن الجسم  كلها مرة واحدة.  البعض يعتقد أن الإسراف في إبراز مفاتن الجسم حول عيد أكتوبر إلى عيد للحب إذ يتلاشى فيه التحفظ والخجل ويصبح التعرف بين الجنسين أمرا سهلا ويسيرا،  لذلك يعتبره البعض سوقا جيدة للبحث عن شريك حياة.

الرجال أيضا يرتدون زيا قديما مكونا من بنطال جلدي وصديري، وهما مصنوعان يدويا، والزي غالي الثمن ويمكن أن يورث لعدة أجيال، وقصته في الحقيقة ترجع إلى أنه في الأساس كان مجرد لباس عمل للخدم في بافاريا القديمة، لكن البعض من سياح جبال الألب من الأشراف والأغنياء استطاعوا في أواخر القرن التاسع عشر تحويله إلى موضة صيفية ترتبط ببيئة المكان. أما فستان النساء الدريندل فهو الآخر كان قديما عبارة عن تنورة متعددة الطبقات تلامس الأرض،  لكنه تغير عندما أرادت بنات المدينة من الطبقات الراقية في ذلك الوقت الاستمتاع بالشمس والهواء الجبلي وتعريض السيقان والأكتاف للشمس، فكشف الفستان عن أجزاء كبيرة من الجسم حتي وصل إلى حالته المثيرة في الوقت الراهن .

الكثير من سياح عيد أكتوبر يحضرون من كل دول العالم لاسيما من أمريكا وكندا وأستراليا وكل الدول الأوروبية خاصة إيطاليا، إنهم يشاركون البافاريين فرحتهم ويرتدون أيضا الزي التقليدي.


ساحة الاحتفال الضخمة تمتلئ بخيام كبيرة للغاية، عددها يصل إلى 14 خيمة كبيرة تتسع الواحدة منهم إلى 700 فرد ـ ويتم رص طاولات متساوية ضخمة تسمح للآلاف بالالتفاف حولها، هناك أيضا  16 خيمة أخرى متوسطة الحجم تتسع الواحدة إلى  500  فردا، أما الاحتفال فيصل إلى ذروته عندما يفرط الناس في الشراب ويدخلون في حالات من الغياب الجماعي، لا أحد يغضب من كثرة الشراب،  فهم يسامحون أنفسهم ويقولون: لا بأس. إنه عيد أكتوبر!! لكن تبقي كمية الشراب التي يتناولونها محل تساؤل ـ فهم يستهلكون قرابة الخمسة ملايين لتر بيرة طيلة أيام المهرجان.

الطريف أن الكثير من الألمان المشاركين في الاحتفال لا يعرفون تحديدا قصة وتاريخ هذا العيد، برغم أنه أصبح أحد أكثر الاحتفالات العالمية المهمة شهرة في العالم كله. وقالت لي رئيسة المكتب السياحي البافاري السيدة “مونتر”: إن الإقبال علي الاحتفال بهذا الشكل الواسع يرجع إلى أن الناس تحاول البحث عن السعادة والبهجة، فمن المعروف أن الألمان يقضون ساعات طويلة في العمل المضني ـ لذلك فإن عيد أكتوبر يصبح لهم بمثابة متنفس يبعدهم عن أجواء التوتر وساعات العمل الطويلة، وتراهم ربما في شكل هزلي في بعض الأحيان في تلك الاحتفالات لأنهم يشربون البيرة من دون أي تحفظ، فالجميع هنا يعتبرون أن أسبوعين من الاحتفالات والشراب يجب أن تكون بكامل الحرية من دون المبالغة في التحفظ .


من أهم صور الاحتفال أيضا المسيرة الضخمة التى تصاحب بداية العيد وهي تتجول في طرقات وسط المدينة  قبل أن ينتهي بها المطاف في ساحة تيريزا التي يقام فيها المهرجان. من أبرز ما يميز تلك المسيرة  هو مشاركة  وفود من كل المدن البافارية  بلا استثناء، أما العروض الموسيقية فهي السمة الغالبة علي المسيرة بالنظر الي تنوعها ومحاولة إحياء الآلات القديمة في العزف الموسيقي الخاصة بولاية بافاريا.
__________________________

*كاتب مصري مقيم في ميونخ 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه