صلاح سليمان يكتب: تحديات دمج المهاجرين الجدد في ألمانيا

ألمانيا التي استطاعت إعادة دمج ألمانيا الشرقية بالكامل في شطرها الغربي بعد سقوط سور برلين لديها بالتأكيد القدرة علي دمج عدة آلاف من اللاجئين.. يتبع.

صلاح سليمان*

لا شفي ك أن ألمانيا لديها لقدرة الكبيرة علي استيعاب العدد الأكبر من المهاجرين المتدفقين عبر حدودها، وحل مشاكلهم وتعليمهم وتأهيلهم لسوق العمل.  فألمانيا التي استطاعت إعادة دمج ألمانيا الشرقية بالكامل في شطرها الغربي بعد سقوط سور برلين وأعادت هيكلة المؤسسات وبناء الطرق،  لديها بالتأكيد القدرة علي دمج عدة آلاف من اللاجئين الفارين من ويلات الحرب والدمار والخراب في منطقة الشرق الأوسط.
اللاجئون المتجهون إلى أوروبا يرغبون في هدف واحد وهو الوصول إلى الأراضي الألمانية، وألمانيا الرسمية أحسنت استقبالهم، وأعلنت ترحيبها بهؤلاء المعذبين واستغلت تلك اللحظة الفارقة في التاريخ الانساني،  لتؤكد مرة أخرى قدرتها علي حل مشاكل القارة الأوروبية بعد أزمة ديون اليونان ومواجهة تحديات وحدة القارة الأوروبية،  فيما أعلنت المستشارة الألمانية أن كل ما تفعله ألمانيا في هذه القضية هو أمر أخلافي وقانوني ليس أكثر ولا أقل. 
رئيس الحكومة المجرية وصف تدفق المهاجرين علي بلاده بأنه مشكلة ألمانية،  وقال إن اللاجئين لا يرغبون في البقاء في دول أوربا الشرقية ولكنهم جميعا يفضلون التوجه إلى ألمانيا . لكن ألمانيا لا تريد الانفراد بحل المشكلة وحدها رغم تلميح المستشارة الألمانية بأنه من المتوقع أن تستقبل بلادها 800 ألف مهاجر قبل نهاية هذا العام،  فالحكومة الألمانية ترى أن حل المشكلة يجب أن يكون في إطار أوروبي وتوزيع اللاجئين على كل دول الاتحاد أوروبي أمر ضروري، فهناك مخاوف ألمانية من حدوث تغير ديموجرافي للسكان في ألمانيا.
ليست كل الدول الأوروبية متفقة على التوزيع العادل للمهاجرين، خاصة الدول التي تعاني مشاكل اقتصادية، ومن جهتها تتفق المستشارة الألمانية مع هذا الرأي عندما تقول لابد من مراعاة القوة الاقتصادية ومساحة كل دولة عند تطبيق نظام الحصص في توزيع اللاجئين.
الترحيب الشعبي الألماني بالمهاجرين، الذي تجلي في أروع صوره في محطة قطارات ميونيخ يحمل هو الآخر أكثر من دلالة إيجابية على القدرة على استيعابهم ودمجهم في المجتمع، لقد ناشدت شرطة المدينة الأهالي بوقف التبرعات لعدم الحاجة إليها في الوقت الراهن ، أما المستشارة الألمانية فقد  ناشدت دول أوروبا الشرقية لا سيما المجر بالالتزام باتفاقية جنيف التي تنظم المسائل المتعلقة بحماية لاجئي الحروب. مضيفة بأن الاتفاقية لا تسري على ألمانيا فقط، ولكنها تسري على كل دولة عضو بالاتحاد الأوروبي.
إذن هل يساعد المهاجرون الجدد في دفع عجلة الاقتصاد الألماني إلى الأمام، أم أنهم سيشكلون عبئاً إضافياً جديداً على دافعي الضرائب الألمان؟ هذا هو السؤال الذي يثور بشأنه جدل كبير الآن في ألمانيا،  لكن حقيقة الوضع الاقتصادي الحالي في تحسن مستمر؛ فمعدلات البطالة تتراجع بشكل كبير عن أي وقت مضى، ومعروف منذ وقت طويل أن ألمانيا في حاجة إلى العمالة المدربة وهي تكاد تكون الدولة الأوروبية الوحيدة التي لديها لقدرة الفائقة علي تأهيل المهاجرين الجدد واستيعابهم في سوق العمل بما يعود علي البلاد بالنفع، فألمانيا رائدة في تأهيل الكوادر الفنية الأجنبية ودمجها في سوق العمل، لذلك لم يكن غريبا أن يطلب مدير اتحاد العمال الألماني “يورجن فايزي” بضرورة دمج المهاجرين الجدد في سوق العمل لأنه يرى أن المانيا في وضع جيد يسمح لها بالتخلي عن التحفظات تجاه اللاجئين .
تأهيل المهاجرين لسوق العمل في ألمانيا يجب أن يتم بوتيرة أسرع وذلك أيضا  وفق دراسه صادرة من معهد العلوم الاقتصادية والاجتماعية في ألمانيا، فيما يقول مكتب الإحصاء الاتحادي إن ما يقرب من 16.5 مليون فرد يعيشون في ألمانيا ينتمون إلى أصول مهاجرة ، لكنهم مع ذلك بعيدون عن المساواة في سوق العمل الألمانية إذ أن نسبة العاطلين من بينهم تبلغ إجمالا نحو 10% وهو ما يزيد على الضعف مقارنة بباقي المجتمع.
 من جهة أخرى فان قوانين العمل الألمانية تحتم منح فرص العمل أولا للمواطن الألماني يليه الأوروبي ثم بعد ذلك علي طالب باللجوء، وبصرف النظر عن المستوى التعليمي فإن كل الجماعات المهاجرة تقريبا تصطدم بصعوبات أكبر أثناء البحث عن العمل مقارنة فالألمان سواء من ناحية السن، والتعليم وغيرها من الصفات. 
تعد ألمانيا في الوقت الراهن بحسب بيانات منظمة التعاون والأمن في أوروبا من أكثر الدول التي يرغب المهاجرون في التوجه إليها، وبما إن ألمانيا قدمت حزمة من التعديلات والإصلاحات القانونية المتعلقة بالأجانب بدءا من عام 2012 فإن قدوم العمالة المتخصصة أصبح أكثر سهولة، لكن التدفق الأخير للاجئين يفرض علي السلطات تدعيم وتنظيم الهجرة الجديدة وذلك أولا برصد ميزانية جديدة للاهتمام بتأهيل المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي، كما يجب اتخاذ إجراءات تحول بالفعل من دون حدوث تمييز في سوق التدريب المهني.
في دولة القانون لا يمكن إغفال التيار المناوئ للهجرة في ألمانيا، فالمتشددون يسعون إلى تفعيل المادة السادسة عشر من الدستور الألماني، والتي لا تسمح بالمهاجرين من البلدان التي يتم وصفها بالبلدان الأمنة بتقديم طلبات حق اللجوء في ألمانيا وتفعيل هذه المادة سيسهل ترحيل كل اللاجئين الذين ينطبق علي بلدهم وصف بلد آمن، لكن هذا التعديل لا يتفق مع  رأى المحكمة الدستورية الاتحادية، التي تطلب فحص كل حالة من حالات طالبي اللجوء على حدة، وتحديد واثبات وجود الاضطهاد السياسي الذي يتعرض له اللاجئ.
____________________________

*صحفي مصري مقيم في ميونخ 
 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه