صلاح سليمان: دروس يونانية في فنون السياحة

لم أكن قادراً على فهم المغزى الحقيقي من وراء وضع زيارة “ورشة أحذية” على برنامج رحلة سياحية إلى أهم المعالم البارزة في أثينا. يتبع

 

صلاح سليمان* 

لم أكن قادراً على فهم المغزى الحقيقي من وراء وضع زيارة “ورشة أحذية” على برنامج رحلة سياحية إلى أهم المعالم البارزة في أثينا، العاصمة اليونانية، لكن سرعان ما تبدد الفضول حال زيارة الورشة التاريخية لصناعة “الصنادل الجلدية” المصممة على الطراز والنمط الإغريقي القديم .
 
 فالورشة التى ما زالت تحتفظ بكل معالمها القديمة  منذ إنشائها قبل 95 عاما في شارع ايجيلس سيكلاس، استطاعت إحياء ماضى الحضارة الإغراقية القديمة وإعادة  بعثه في  شكل إعادة صناعة ” الصنادل” الإغريقية القديمة ذات الأربطة المتعددة والأشكال المختلفة.

 فكرة جيدة أثارت إعجاب السياح وما زالت،  فالورشة ممتلئة عن آخرها بالزبائن، لأنهم يعتبرون أن اقتناء تذكار جيد الصنعة سيذكرهم على الدوام برحلتهم إلى اليونان .
 
 الإسكافي “بانتاليز ميلسيونس” صاحب الورشة ليس إسكافيا بالمعني الحرفي للكلمة،  فهو درس الفنون في أمريكا ويكتب مسرحيات تمثل علي مسارح اليونان؛ لكنه فضل الحفاظ علي تاريخ الأسرة، وتسلم إدارة الورشة ليكوّن الجيل الثالث قى إدارة الورشة بعد بلوغ والده سن المعاش في سنة 2004.
 
يقول بانتاليز: لقد أصبحت الورشة مقصداً سياحيا ًبعد أن زارنا واشتري منا صنادل مشاهير العالم مثل أوناسيس، جاكلين كيندي، صوفيا لورين، باربراسترايسند، أنتوني كوين، جاري كوبر، وأعضاء فرقة البيتلز، جورج بوش، والكثير من لاعبي كرة القدم والممثلين المشهورين ، والأمير تشارلز وملكة إسبانيا ـ وكلما اشتري أحد المشاهير صندلاً أطلقت الورشة على الصندل اسم أشهر من اشتراه مما شكل ذلك إغراء للسياح لشراء “ماركات” من يعشقون من المشاهير.
 
كل الصحافة العالمية كتبت عن الورشة، والزائر يستطيع أن يأخذ نبذة سريعة عن المنشور، لآن الجدران مزينة بقصاصات الصحف التي كتبت عنها، مثلا مجلة بيترا الألمانية كتبت: إن الورشة واحدة من أعظم ورش صناعة الأحذية التقليدية والتراثية والحقائب الجلدية في العالم، ومجلة بانوروما الإيطالية كتبت: إن بانتاليز استلم الورشة بعد تقاعد والده سترافوس ميلاسيونوس في سنة 2004 للحفاظ علي تراث العائلة وتشجيع السياحة إلى اليونان.
 
 صندل أوناسيس
مندوب بلدية أثينا السياحي” ابوستولوس جيرالس” المنظم للرحلة يقدم لكل منا صندلاً تذكرياً وأعطانا حرية الاختيار.. فاخترت صندل أوناسيس، إنه شعور طيب أن تشعر في قدمك بما كان يشعر به أغنى أغنياء العالم في حينه، وإن كنت أشك أنه ارتدى هذا الصندل لمدة طويلة !

 
السياحة فن وصناعة وهي في اليونان كذلك. فمهارة اليونانيين وخبرتهم الطويلة في مجال السياحة لا يشعرك وأنت تزور بلادهم أنهم في مأزق اقتصادي أو هم قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس .
 
لا أثر لمشاهدة آثار الأزمة الاقتصادية في شوارع العاصمة أثينا،  فالحياة تسير بشكل طبيعي والسياح يتجولون في كل مكان، وأمام أشهر آثارها “الاكروبولس “عليك الانتظار في طابور طويل ملتف حتى يحين دورك في الدخول ، ما زال السياح يتدفقون عليها من كل مكان، ويزورها وفق دوائر السياحة اليونانية 20 مليون سائح سنويا.
 
ليست المتاحف، ولا الشواطئ، ولا المواقع الأثرية التي تذخر بها اليونان هي وحدها عوامل الجذب الأساسية للسياحة؛  فاليونان بها أوجه سياحية متعددة مثل السهرات الموسيقية، والأطعمة الشعبية التي تمتلئ بها شوارع الحي القديم خاصة مطاعم الكباب والمشويات، والفعاليات والمهرجانات العالمية .

المطبخ اليوناني معروف ومحبوب عالميا ، مثلا أربعة أسياخ من الكباب ورغيفين من العيش المصنوع بطريقة خاصة والسلطات اليونانية وسلطة جبنة فيتا الشهيرة كلها تكلف  السائح حوالي 9 يورو في المطاعم الشعبية المنتشرة في كل مكان.  زيت الزيتون علي كل الموائد وهم يعتمدون عليه بشكل واسع في مختلف صنوف الأطعمة. المطاعم ممتلئة عن آخرها يومي السبت والأحد وأيام العطلات، فتاريخ اليونان طويل وعريق في الطهي ويرجع إلى آلاف السنين ومازال أصل بعض الأطباق حتي الآن يرجع إلى الإغريق القدماء.

قصة المارثون
الشرق والغرب يجتمعان علي موائد اليونانيين: فالحمص، والفلفل الأخضر، والمقبلات المحشوة بالأرز، والباذنجان والسلطة، وورق العنب المحشي وغيرها من المأكولات غير المقلية تجاور الأطباق الرئيسية كالسمك المشوي، و الموساكا الأكلة الشعبية التي تشبه المسقعة في البلاد العربية.

أحد أهم عناصر الجذب السياحي الموسمي لليونان هو ماراثون اليونان الشهير الذي يقام في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام،  ففي ذلك اليوم في الصباح الباكر في تمام السادسة تمتلئ الميادين بالناس وبالمشاركين من كل دول العالم، ويتم إغلاق الطرق،  وتنقل الحافلات العامة الناس إلى حيث نقطة البداية بالمجان. أكثرمن  17 ألف شاركوا  هذا العام في السباق، حضروا من كل دول العالم حتى امتلأت الفنادق عن آخرها.

يفتخر اليونانيون وهم يحكون قصة المارثون التي ترجع إلى العام 490 قبل الميلاد عندما نشبت آنذاك معركة بين الفرس واليونانيين في مدينة “ماراثون” اليونانية ، واستطاع اليونانيون حسم المعركة وانتصروا على الفرس.

وبعد الانتصار خرج شخص من المقاتلين اليونانيين اسمه “فيديبيدس” جرى مسافة 40 كيلو متر من ماراثون إلى أثينا حتي يخبر أهلها بأنهم انتصروا علي الفرس وبعد أن أخبرهم بالموضوع مات من التعب والإرهاق. وقد سمي سباق الماراثون بهذا الاسم تيمنا بهذا العسكري الذي قطع كل هذه المسافة من أجل أن يخبرهم أنهم انتصروا على الفرس.
في أول بطولة للألعاب الأوليمبية عام 1896في اليونان ، دخل الماراثون كأحد الرياضات الأساسية في الألعاب الأوليمبية ويبدأ السباق من جسر قرية ماراثون إلى أثينا، وهي نفس المسافة التي قطعها فيديبيدس إلى إستاد أثينا اليوناني الأوليمبي.  
 
______________________________

* كاتب مصري مقيم في ألمانيا

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه