صراع الرهبان: لمن تقرع الأجراس؟

لا يهمنا في هذا المقال أن نكشف من القاتل وليس هذا دورنا، لكن يمكن أن نقترب من أجواء الصراع الكبير الذي دار خلال النصف الثاني من القرن العشرين بين مدرستين مهمتين في الحياة الدينية المسيحية، أعني الصراع الشهير بين الأب متى المسكين الراهب، وتلميذه البابا شنودة حبر الكنيسة القبطية المصرية السابق، وقد كان الأسقف المغدور أحد تلامذة الأب متى ورئيس الدير الذي كان يقيم فيه، أي أن الجريمة وجهت لمدرسة الأب متى المسكين، وأنها دارت على المسرح الذي كان أحد معاقل المعارضة الكنسية الدينية لعقود.

اشتراكية الأب متى

تم استبعاد الأب متى المسكين من المنافسة على الكرسي البابوي عام 1971 بسبب اقتطاع حياة العزلة الاختيارية من حياة الرهبنة، حيث عاش الأب متى فترة من حياته في الصحراء بعيدا عن الدير وبالتالي لم يستوفِ شرط الرهبنة، ويقال إنه تم استبعاده لأسباب تخص ميوله الاشتراكية الناصرية التي انقلب عليها الرئيس “السادات”؛ حيث فضَّل السادات اختيار رجل دين بالمعنى المهني والحرفي، لكن اتساع هوة الخلاف بين البابا شنودة والرئيس السادات حول بعض القضايا والسياسات، خاصة تمدد الظل الدعوي والخدمي للكنيسة وازدياد وتيرة الاضطرابات الطائفية بالإضافة إلى الموقف من تقنين الشريعة، واتفاقية السلام مع إسرائيل، قرب بين المسكين والسادات. 

كان الأب متّى يكتب مقالات وأجرى مجموعة لقاءات صحفية حول هذه القضايا موضع الخلاف بين الكنيسة والدولة، برؤية معاكسه عمَّا طرحه البابا شنودة، وهنا لعبت السياسة دورها، وتم استدعاء أفكاره وكتاباته عن ضوابط الدور الديني والخدمي للكنيسة لتصدر من قبل الأجهزة الرسمية للإيحاء أن بجانب الخلاف السياسي مع الأنبا شنودة ظلالاً دينية وانحرافًا عن المسار يجب أن يُقوَّم، وتم التلويح بالأب “متَّى” لخلافة البابا بحسبانه الزعيم المعارض والمصحح الديني لعثرات الكنيسة. رفض الأب متى أن يخلف البابا وكانت إجابته للسادات: “بأن الشخص الذي سيتم تنصيبه بطركًا بهذه الطريقة هو شخص محروم من قبل أن يجلس على الكرسي” وذلك لأسباب تخص القانون الكنسي الذي يحدد أن خلو المنصب مرتبط إما بالجنون أو الفساد المالي أو الأخلاقي أو الهرطقة.

أذكر أنني حصلت على معلومة أثناء إعدادي فيلم البابا شنودة وهي أن الأب متى المسكين توسط لدى السادات لكيلا يحيل البابا شنودة إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمته، حيث أعدت النيابة مذكرة قضائية تخص علاقات البابا شنودة بالخارج وبأقباط المهجر واتهامه بالتأليب على الدولة وإشعال الفتنة الطائفية، وقيل: إن الأب متى هو من اقترح تشكيل لجنة خماسية لإدارة الكنيسة بدلا من البابا شنودة، واشترط ألا يكون “متَّى” نفسه من بينها، واستقبل الأنبا  شنودة تشكيل هذه اللجنة بسخرية قائلاً للأنبا صموئيل أحد أعضائها: “إن كرسي مار مرقص ليس دكة حتى يُجلس عليها السادات خمسة من الرهبان”.

محاولات الصلح

حاول الأب متى عبر جولات مكوكية أن يقرب بين الأنبا شنودة والسادات إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، وتسربت شائعات وأقوال تتهمه بالخيانة، وأنه كان وراء نفي البابا شنودة، وتزعم هذه المواقف المتشددة عدد من رموز الكنيسة لاسيما الأساقفة الذين اعتقلهم السادات عام 1981 وهم من أعضاء المجمع المقدس، وساعدت العلاقة الخاصة بين الأب متى والسادات على رواج تلك الأقوال والاتهامات، لا سيما أن النظام منح الدير الذي يقيم فيه الأب متَّى 200 فدان من أجل استزراعها.

وما زاد سخونة القضية أن البابا شنودة كان من الذكاء الشديد بحيث مرَّر مطالبه الخاصة بالجماعة القبطية بجانب موقف سياسي تلاقى مع موقف الجماعة الوطنية الرافض للتطبيع وزيارة إسرائيل، في حين بدا أن ثمة ارتباكًا يحيط بموقف الأب  متى الذي أيد المشروع الاجتماعي والسياسي الناصري القائم على الاشتراكية، وعن دعوته للجهاد الفكري والجسدي ضد إسرائيل، لتعكس مواقفه المؤيدة للسادات شكًّا في وعيه السياسي، وعدم إدراك للحظة التاريخية، لا سيما أن نظام السادات كان معاكسًا لنظام عبد الناصر في توجهاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

البابا شنودة والأب متى المسكين

والواضح أن موقف الأب “متَّى المسكين” يتسق مع أفكاره ورؤيته للدور الاجتماعي للكنيسة التي يحصرها داخل التوجيه الروحي فقط، وأن الكنيسة يجب ألا تقف موقف المنادي أو المؤيد للسلطان الزمني؛ حيث تحرك بصفته الراهب الناسك صاحب الشعبية والحظوة الذي لا تعنيه الحسابات السياسية ولا معادلات الصمت والكلام، فما كان يهمه هو اللاهوت والكنيسة لا التاريخ والسياسة.

تعتبر فترة العزلة الاختيارية بعد إبعاده عن البطريركية، ورفضه العودة إلى دير الأنبا صموئيل، والتوحد في وادي الريان من أخصب فترات حياته. وتعددت التفسيرات حول هذه العزلة؛ حيث رآها البعض أنها كانت من أجل مزيد من التنسك والتصوف، في حين رأى آخرون أنها تعكس تمردًا سلبيًّا على القرار البابوي والتكريس أكثر لتياره الذي بدا أنه ينمو سريعًا خارج الإدارة الرسمية في الكنيسة وسط قطاع كبير من الرهبان.

إلى الدير

انسحب الأب متى المسكين من العاصفة السياسية وعاد إلى دير الأنبا “أبو مقار” أقام فيه توسعة عمرانية وزراعية؛ فزاد من 7 أفدنة إلى 300 فدان مزروعة، ثم ألفي فدان.. وأنشأ مزرعة كبيرة للأبقار، وقد ساعدته الدولة كثيرا في ذلك. وفي الدير استأنف نشاطه في التأليف الذي تجاوز الـ 180 كتابًا و300 مقالة، منها شروحاته لأسفار العهد الجديد في 16 مجلدًا، كما ألَّف مجلدًا ضخمًا عن القديس أثناسيوس في حوالي 800 صفحة، ومجلدين عن الرهبنة في مصر في 800 صفحة، وبعض هذه الكتب تُرجم إلى لغات عديدة. وهو صاحب منهج خاص في تفسير الكتاب المقدس؛ حيث يقوم بإعادة ترجمة النص والتعرف على كاتبه، ثم يبدأ في الشرح والتفسير من خلال نصوص الأب اء.

ونظرًا للشعبية التي يتمتع بها الأب متى لم يستجب البابا شنودة للدعوات المطالبة بعقابه أو حرمانه، والتي انطلقت من المجمع المقدس الذي ظل بعض أعضائه يتحينون الفرصة لتصفية الحسابات بادِّعاء تجديفه في العقيدة، وإن لم يجرؤوا على مصادرة أي كتاب من كتبه. ولكن عندما أصدر أحد رهبان دير “أبو مقار” كتابًا يؤكد فيه الأصول الأرثوذكسية لكتابات الأب “متَّى المسكين”، انبرى البابا شنودة للرد عليه في سلسلة من الكتابات؛ فضلاً عن تعليقه في بعض أشرطة الكاسيت على بعض أفكاره التي تقترب في رأيهم من الأفكار البروتستانتية، وأنه متأثر باللاهوت الغربي ويتبني بعض الأساقفة مهمة تتبع أفكار الأب المسكين، ومحاكمة الكهنة أو رجال الدين الذين يتبعون أو يروجون لأفكاره وقد وصفه بعض الأساقفة بأنه مبتدع، وهذا ما سوف نناقشه في المقال المقبل

في 28 سبتمبر 1981 قال الأب متى المسكين في حديث لمجلة “تايم” الأمريكية “البابا شنودة هو أفضل بطريرك متعلم في تاريخ الكنيسة، وأن رسامة البابا شنودة كانت بداية المشكلة؛ لقد حل العقل مكان الإلهام، والتخطيط مكان الصلاة”. وقبل ذلك، في عام 1954، كتب الأستاذ نظير جيد، البابا شنودة فيما بعد، في مقدمة كتاب “حياة الصلاة” للأب متى المسكين “حاول إذن أن تقرأ هذا الكتاب لتحوله إلى جزء من حياتك”… وهذه الطبعة من الكتاب هي النسخة الوحيدة التي يراها البابا شنودة صالحة للقراءة، أما النسخ التالية فقد بعدت في رأيه عن روح التعاليم القويمة.

يوسف وإخوته

أما الأب متى المسكين فاسمه قبل الرهبنة “يوسف إسكندر”، وكانت سنة (1919) م هي أول موعد له مع الحياة مع ميلاد المواطَنَة المصرية دستورًا وفكرة. تخرج في كلية الصيدلة جامعة القاهرة عام (1944م)، وافتتح صيدلية في دمنهور بمحافظة البحيرة وكان ميسورًا، لكنه بعد فترة باع كل ما يملك من سيارة وفيلّا، وقرَّر أن يلتحق بحياة التبتل في دير الأنبا صموئيل بالصعيد؛ لأنه أفقر الأديرة وأبعدها عن العمران. والحقيقة أن ذهاب الأب متى إلى الأديرة كان شيئا ملفتا في تاريخ الرهبنة، حيث افتتحت رحلته إلى البراري حقبة الرهبان التكنوقراط؛ إذ بدأت الاديرة تستقبل المتعلمين خريجي الجامعات، وأشهرهم الأنبا “شنودة” والأنبا “غريغوريوس” أسقف البحث العلمي، والأنبا “صموئيل” أسقف الخدمات (قُتِل مع السادات في المنصة).

كان جيلا طموحا سعى نحو تحديث وتطوير الكنيسة والجماعة القبطية، وينتمي هذا الجيل في معظمه إلى شرائح الطبقة المتوسطة من سكان المدن.  وهو الجيل الذي أحدث تحولا في نمط الكهنوت القبطي ودور الكنيسة في حياة الأقباط. أشار البابا شنودة في أحاديث مختلفة إلى طبيعة رجال الدين المسيحي في النمط القديم؛ حيث كانوا أقل حظًّا في التعليم وفي التأثير، وكان الفكر الديني لديهم محصورًا في جوانبه النسكية الروحية. إذ كان معظم الرهبان في الماضي إما من الأميين أو خريجي الكتاتيب المسيحية.

في تلك الحقبة أيضا، كان يدير الشأن القبطي الصفوة المدنية المسيحية، أو وجهاء الأقباط الذين كانوا يتحكمون بالكنيسة ويمثلون المجتمع القبطي، في حين كان رجل الدين والكنيسة في أشد الحالات ضعفا، زد على ذلك نزوع تلك الصفوات إلى التغريب والنمط الحياتي الذي لا يتمثل القيم القبطية المحافظة. وإزاء هذا الوضع كان أمام الجيل الجديد من مدارس الأحد أحد خيارين: إما جذب هذه الصفوات تحت سلطة الكنيسة، أو أن تخلق الكنيسة صفواتها الدينية. وكان الخيار الثاني هو الأقرب.

تيار الأب متى المسكين يرى أن التربية الروحية هي الدور الرئيسي والوحيد للكنيسة، وأن أي أنشطة أخرى اجتماعية أو سياسية هي خروج على تقاليدها، وعلى الكنيسة ألاّ تكون سببًا في انعزال المواطن عمليًّا أو روحيًّا

والمتمعن في هذا التوجه نحو الحياة الروحية، يجد أن الأمر لم يكن مجرد تحولات فردية، بل كانت هناك فكرة ما دفعت إلى تلك التحركات الجماعية. فمعظم هؤلاء تخرجوا من “مدارس الأحد” التي أسسها “حبيب جرجس”؛ وهي مدارس ألحقت بالكنيسة في بدايات القرن العشرين، وكانت تستقطب الأطفال والشباب. وكان من أهدافها إحياء الايمان بالهوية الذاتية وربط الشباب بالكنيسة، وبقضاياها وبهموم المجتمع القبطي وعمقه التاريخي، وأن تعود الكنيسة لتكون هي مركز حياة الأقباط.

لكن إذا أدرنا عدسة التحليل قليلا، سنجد أن شريحة كبيرة من المجتمع المصري، في تلك الفترة، اتجهت لإعادة اكتشاف هويتها الدينية، وأن استعادة دور الدين ظهر على المستوى الإسلامي تواكبا مع سطوعه على المستوى المسيحي. ولم تكن مصادفة أن بدأ بالتوالي ظهور كثير من الكيانات الدينية ذات الطابع الحركي: إسلامية أو مسيحية. نذكر جمعيات الشبان المسيحيين، وكذلك جمعية الشبان المسلمين، ثم جماعة الإخوان المسلمين. وهناك عاملان ساعدا على نمو هذه الحالة، الأولى: موجة التغريب الشديد التي مست الحياة الاجتماعية المصرية، والثانية: حركة التبشير داخل الجماعة المسيحية القبطية لصالح البروتستانت، خصوصا المرسلين الغربيين الذين كانوا يوفرون الخدمات الجيدة والتعليم الممتاز. ومن يراجع كتابات الإسلاميين في تلك الفترة، وكذلك آراء الكثير من أعضاء مدارس الأحد، يجد الكثير من الكتابات التي تحذر من هذين العاملين.

والملاحظ أن الوعي نحو الدين بدأ يبرز أيضا حتى عند كثير من المثقفين والتيارات اللبيرالية المتغربة في الثلاثينيات والأربعينيات، أمثال: العقاد وهيكل باشا وطه حسين وغيرهم، وكانت هذه الموجة تشتد مع نهاية الحرب العالمية الثانية. والمتابع الجيد لدورات التدين في مصر يلاحظ وجود موجتين من الاتجاه إلى الدين في القرن العشرين: موجة الأربعينيات ثم موجة السبعينيات.

المسيحية نظام شامل

في حقبة الثلاثينيات والأربعينيات كان حسن البنا يطالب، عبر مجلة الإخوان المسلمين، بإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع، وتقديم الإسلام كنظام شامل في السياسة والاقتصاد والاجتماع. وسيدهش المتابع كثيرا عندما يجد أن الصحفي نظير جيد (البابا شنودة) يكتب في افتتاحية العدد الأول من مجلة “مدارس الأحد” هذه الفقرات: “أجل فقد اعتزمنا أن تكون مدارس الأحد، صدى لصوت الله الرهيب، لإصلاح الفرد، والأسرة، والمجتمع، ليجد هؤلاء جميعا غذاءهم الروحي، والاجتماعي، والأدبي، والعلمي والصحي”. وتشخص الافتتاحية سر الفشل العام الذي تمر به الكنيسة وسببه “إبعاد الله سبحانه عن كل ما يعمل في سبيل الإصلاح”.

ثم يحدد منهج العمل بقوله:” بيد أنه لكي ننجح، ولكي يكون لكل ما نعمل فائدة، لابد أن يتدخل الله في كل شيء، بل ويكون الله كل شيء، في العلم، في الاجتماع، في الأدب، في الصحة، في المدرسة، في الزواج، في البنين، في الأسرة، في المال، في المعاملة، في الإدارة، في التشريع، في اختيار رجال الدين ورجال الدنيا”. ويقول أيضا: “الجهل كل الجهل أن نفصل بين الدين والدنيا، فلا فائدة من دين يقف بعيدا عن أمور حياتنا العامة والخاصة”.

مدرسة البابا شنودة فترى أن الكنيسة مسؤولة عن تقديم الأجوبة الشاملة اجتماعيا وثقافيا، وأن العلاقة بين الكنيسة والدولة تتشكل على أرضية الندية والضغط والطلبات

مواقع التواصل

كان محمد حسنين هيكل في كتابه “خريف الغضب” يرى أن البابا شنودة يقدم الكنيسة مؤسسة شاملة مكلَّفة بأن تقدم حلولاً لكل المشاكل، وأجوبة لكل الأسئلة المتصلة بالدين والدنيا. والحقيقة أن التشابه الملاحظ بين حضور الدين عند التيارات الإسلامية وعند مدارس الأحد، لاسيما تيار البابا شنودة، هو أمر طبيعي جدا ومتوائم منذ القديم، وقرار الكنيسة القبطية أن تكون شرقية، وأن تكون مصرية، هو قرار متصل بإيمان المصري بدور الدين في الحياة من قديم الأزل.

ومعروف أن عمق المسيحية المصرية كان في طيبة أو صعيد مصر، حيث امتزجت هناك بالروح الثقافية المصرية، كما يقول جمال حمدان. وهي نفس الروح التي أخرجت الرهبنة إلى العالم مع الأنبا انطونيوس، لتكمل مع الجناح السكندري اللاهوتي جسم الطائر الأرثوذكسي، ومن طيبة أيضا تم منح التصوف الإسلامي فكرة المحبة الإلهية على يد الصعيدي ذي النون المصري.

ولكن مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، بحكم موقعها، تأثرت كثيرا بالموجات الفلسفية الغربية التي كانت مكتبتها العظمى مسرحها الكبير، والمتابع للجدل الديني الذي يدور داخل الكنيسة حول طبيعة الاتحاد والشراكة مع المسيح، يجد أنه في أصوله شقاق بين تأويلين لمدرسة الإسكندرية: تيار طيبة، وتيار الفلسفة الروحية. فريق البابا شنودة، وجماعة الأب متى. أما تيار الفلسفة الروحية فيرى أن الكنيسة بعدت عن القاعدة المعرفية واليونانية الأولى، وتأثرت بالبيئة العربية والإسلامية ثقافيا، بينما يُتهم تيار الأب متى من قبل مدرسة طيبة بأنه متغرب متأثر بالفلسفة الغربية.

طبيعة الخلاف السياسي

أما إذا أُخذ الخلاف في اتجاه السياسة، فسيتضح أن مركز الخلاف كان حول دور الكنيسة في حياة الأقباط؛ فتيار الأب متى المسكين يرى أن التربية الروحية هي الدور الرئيسي والوحيد للكنيسة، وأن أي أنشطة أخرى اجتماعية أو سياسية هي خروج على تقاليدها، وعلى الكنيسة ألاّ تكون سببًا في انعزال المواطن عمليًّا أو روحيًّا، فالكنيسة لا تعادي نظامًا سياسيًّا ولا تمالئه.

أما مدرسة البابا شنودة فترى أن الكنيسة مسؤولة عن تقديم الأجوبة الشاملة اجتماعيا وثقافيا، وأن العلاقة بين الكنيسة والدولة تتشكل على أرضية الندية والضغط والطلبات، أو بمعنى آخر، أن تكون الكنيسة وسيطًا بين الدولة والمواطن القبطي، وهو ما يمثله التيار المهيمن على الكنيسة الآن.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه