شروط التغيير في مصر.. ماذا نمتلك؟

هذا الغضب لا يتجاوز حدود لطم الخدود وشق الجيوب، ولعن الحاكم وحاشيته، ولكنه لم يتطور إلى مشاركة في فعاليات غضب احتجاجية يمكن أن تتطور إلى عصيان مدني شامل.

 يتحدث غالبية الشعب المصري الآن عن ضرورة التغيير والخلاص من حكم العسكر الناتج عن انقلاب الثالث من يوليو/تموز ٢٠١٣ والمتأصل في مصر منذ انقلاب يوليو ١٩٥٢، وتتصدر العديد من القوى الثورية المنتمية لثورة ٢٥ يناير هذا المطلب الشعبي، لكن هذه الرغبة الشعبية تبدو مجرد كلام في الهواء، أو فُض مجالس كما يقولون مع نكوص العديد من هذه القوى والتيارات والقطاعات الشعبية المختلفة عن الإعداد الحقيقي لهذا التغيير، والاستعداد لدفع الثمن، وعدم ترك فريق أو تيار واحد من المصريين في المعركة منفردا منذ انقلاب الثالث من يوليو وحتى الآن، مع تقديرنا لبعض التحركات والفعاليات المحدودة التي نظمتها بعض القوى الليبرالية واليسارية خلال العامين الماضيين.

إعداد القوة الشاملة للمعركة مسألة أساسية لكسبها، وقد أمرنا بها ربنا سبحانه وتعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من فوة ومن رباط الخيل”، “إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”لا أقول أننا في معركة بين إيمان وكفر، ولكنها معركة مقدسة أيضا بين خير وشر، بين عدل وظلم، بين حرية وعبودية، بين جهل وعلم، بين فقر وعيش، بين كرامة ومهانة، هي معركة إذن كبيرة تحتاج إعدادا جيدا، ويمكننا أن ندعي أن ثورة يناير وما تلاها من مرحلة قصيرة للحرية والكرامة والعدالة كانت بمثابة (ديمو) أو عرض ترويجي لتلك الأحلام، تماما كمن يعطيك عرضا ترويجيا مجانيا لمدة أسبوع لسلعة معينة أو برنامج إلكتروني وبمجرد انتهاء فترة العرض المجاني عليك أن تدفع ثمنا غاليا إذا أردت اقتناء هذه السلعة لمدة أطول.

الطليعة

مظاهر القوة التي تحدث عنها القرآن كضرورة لحسم المعركة تختلف من زمان إلى زمان، ومن معركة إلى أخرى، وفِي معركتنا لاستكمال ثورة يناير واستعادة مكتسباتها التي عشناها لمدة عامين ونصف العام نحتاج إلى امتلاك القوة والشروط اللازمة لهذا التغيير والتي يمكن إجمالها في أربع ، وهي تصاعد الغضب الشعبي ضد النظام، ووجود طليعة مخلصة للثورة وللشعب توجه هذا الغضب ، وتمتلك رؤية وبرنامجا سياسيا واضحا، وخارطة طريق مقنعة ومحددة الخطوات والمراحل، وحدوث تصدع في المكونات الداعمة لسلطة الاستبداد وبعض مراكز هذه السلطة، ووجود بيئة إقليمية ودولية مساندة أو على الأقل غير رافضة للتغيير.

لنبدأ بالعنصر الأول وهو تصاعد الغضب الشعبي، وهو قائم فعلا، ويتزايد يوما بعد يوم بسبب تعاظم المشكلات الاقتصادية وغلاء الأسعار وتصاعد البطالة وغياب الأمن والخدمات الخ، ولكن هذا الغضب لا يتجاوز حدود لطم الخدود وشق الجيوب، ولعن الحاكم وحاشيته، ولكنه لم يتطور إلى مشاركة في فعاليات غضب احتجاجية يمكن أن تتطور إلى عصيان مدني شامل، لا يمكننا أن نقلل من قيمة هذا الغضب الشعبي فدوره الأدنى حتى الآن أنه يوفر حاضنة شعبية لأي حراك محتمل، وقد شهدنا نماذج لتلك الحواضن الشعبية في مظاهرات تيران وصنافير الأخيرة بعد موافقة برلمان السيسي على تسليمها. يأتي العنصر الثاني الخاص بضرورة وجود طليعة أو نخبة سياسية ثورية مخلصة ومقبولة شعبيا ( قرص صلب) يمكنه أن يوجه هذا الغضب الشعبي في الاتجاه الصحيح، ويستفيد منه لتحقيق مكتسبات للشعب نفسه.

 وهذه الطليعة ينبغي أن تكون ممثلة لفئات الشعب المختلفة بقدر الإمكان، بحيث يرى كل مواطن وكل فئة نفسه فيها، وهذه الطليعة لابد أن تتسع بطول البلاد وعرضها أيضا ولا تتركز في العاصمة، وعليها أن تطرح مشروعا سياسيا وخارطة طريق مقنعة ومطمئنة لعموم الشعب ولقواه وفئاته المختلفة، ورغم مرور ٤ سنوات على الانقلاب إلا أن هذه النخبة المعبرة عن عموم الشعب لا تزال غائبة، رغم وجود مكوناتها الفرعية، فقد ظلت قوى أنصار الشرعية والتي يغلب عليها التيار الإسلامي مع وجود عناصر متنوعة أخرى هي المتصدية لسلطة الانقلاب خلال السنوات الأربع الماضية، وقدمت آلاف الشهداء، وآلاف المعتقلين والمشردين والمطاردين، وآلاف المهجرين، في الوقت الذي ساندت فيه غالبية القوى الليبرالية الانقلاب، ورضيت بل ورقصت لمذابحه في رابعة والنهضة والمنصة والحرس وغيرها.

الجبهة الوطنية

 ورغم أن بعض هذه القوى والرموز أفاقت أخيرا بعد أن طالتها نار الانقلاب التي لم تعد تفرق بينها وبين القوى الإسلامية في مطارداتها وملاحقاتها وسجونها بل وقتلها، إلا أنها لا تزال في غالبيتها تتمنع حتى الآن عن التعاون مع بقية القوى الرافضة للانقلاب للخلاص منه، وبالتالي لم نستطع حتى الآن تكوين هذه النخبة المتنوعة القوية المقنعة للشعب ليسير خلفها، ولكن ينبغي التنويه إلى وجود مبادرات جادة للوصول إلى هذه الصورة وكانت أحدثها الجبهة الوطنية المصرية ( تحت التأسيس) التي ضمت رموزا متنوعة عند إطلاقها ولا تزال أبوابها مفتوحة لانضمام قوى ورموز أخرى، وهذه الجبهة تعد حاليا مشروعا سياسيا وخارطة طريق تأمل أن تكون معبرة عن تطلعات الشعب ومقنعه له ودافعا له للتحرك لتنفيذها، ومن المهم هنا أيضا اتفاق القوى المناهضة والمعارضة للنظام على ميثاق شرف لإدارة خلافاتها كمرحلة أولى على طريق الوصول إلى مستويات أعلى من التنسيق والعمل المشترك، ولا يفوتني هنا الإشادة بالنداء الذي أطلقه المستشار حسن ياسين النائب العام المساعد السابق والذي انضم إليه عدد آخر من كبار القضاة والمستشارين المنتمين لثورة يناير والمدافعين عن الإرادة الشعبية والذين دفعوا ثمنا كبيرا في سبيل ذلك. العنصر الثالث هو حدوث تصدع في جبهة النظام نفسه، وهذه الجبهة تتمثل في مراكز صنع القرار والقوى المجتمعية والسياسية الداعمة له، وإذا كانت مراكز صنع القرار(خاصة العسكرية والأمنية) تبدو متماسكة حتى اللحظة إلا أن دوائر الداعمين المحليين لها تشهد تصدعات لا تخطئها عين، فالتذمر يسود أوساط رجال الأعمال والإعلاميين، والكتلة القبطية والحركات العمالية والنقابات المهنية، وهذا ما دعا السيسي لإطلاق دعوته لتثبيت الدولة( ويقصد تثبيت دعائم سلطته) وذلك عن طريق نشر (فوبيا السقوط ) بين الشعب.

إسقاط الدولة

 وللتوضيح هنا فإن دعاة الثورة والتغيير لا يستهدفون إسقاط الدولة كما يدعي السيسي وأذرعه؛ ولكنهم يستهدفون إسقاط سلطة الاستبداد والفساد. وبالتأكيد تحتاج بقية الفئات والقطاعات المجتمعية والمهنية لخطاب يطمئنها على أوضاعها المستقبلية يختلف عن خطاب البعض حاليا والذي يضع أبناء كل فئة جميعا في سلة واحدة ( كالقضاة أو العسكريين أو الإعلاميين الخ) يناصبها العداء ويتوعدها بالمزيد ما يدفعها للاستمرار في دعم السيسي أو على الأقل الامتناع عن دعم مناهضيه، هذا الخطاب العقلاني المنتظر يمكن أن يستقطب قطاعات ومراكز نفوذ داعمة لسلطة الاستبداد لصالح عملية التغيير إذا اطمأنت لمستقبلها، لا نريد أن نراهن رهانات خاطئة على انقسامات في المؤسسة العسكرية تطيح بجنرال وتأتي بآخر، لكننا نحتاج إلى وجود داعمين للتغيير أو قابلين به داخل هذه المؤسسة حين يقتنعون أنه لصالح الوطن والشعب. نأتي للعنصر الأخير في هذه المعادلة وهو البيئة الإقليمية والدولية، والتي لا يمكن تجاهل دورها في دعم أو قبول أو مقاومة أي تغيير خاصة إذا كان شعبيا، لم يصنع في مطابخها، والحقيقة أننا لا يمكننا معرفة موقف القوى الإقليمية والدولية بصورة واضحة إلا مع حدوث حراك جدي داخلي يسترعي انتباه تلك القوى ويدفعها لتحديد مواقفها منه، كما أن موقف تلك القوى سيأخذ بعين الاعتبار وضع الطليعة التي تقود المعركة ضد النظام ومدى اطمئنانه على مصالحه حال انتصار عملية التغيير، وإذا كانت صورة البيئة الإقليمية والدولية تبدو في غالبها داعمة أو قابلة بحكم السيسي إلا أن هذا الموقف قابل للتغير مع حدوث تطورات إقليمية ودولية أخرى، ولا ننسى أن الموقف الأمريكي تحديدا غير وجهته من دعم مبارك إلى دعم ثورة يناير حين صمد الثوار في الميادين، وبعد أن كسروا الهجمة المرتدة الكبرى في معركة الجمل، كما أن تلك القوى الدولية الفاعلة تحتاج إلى تواصل نشط من دعاة التغيير وكياناتهم السياسية مثل الجبهة الوطنية، بهدف إقناع شعوب تلك الدول ومنظماتها السياسية والمدنية وبرلماناتها بدعم التغيير في مصر، والضغط على حكوماتها لوقف دعمها للنظام العسكري المنتج للمزيد من الإرهاب الذي يضرب في كل مكان، والفقر الذي يدفع الملايين للهجرة. تمتلك الثورة المصرية بعض شرائط التغيير مثل تصاعد الغضب الشعبي، وحدوث تصدع في جبهة النظام، لكنها لا تزال بحاجة لامتلاك العناصر الأخرى الضرورية وعلى رأسها توحيد جبهة المقاومة بقدر المستطاع، وبالتالي نزع أحد أبرز عناصر قوة النظام الذي يتغذى على تفرق وتنازع وتنابذ مناهضيه ومعارضيه، وينبغي أن تتوحد قوى التغيير والثورة على برنامج سياسي واضح يبدأ بالعمل في المشتركات وصولا إلى تمكين الثورة واستعادة مكتسباتها، وحين تتوحد جبهة المقاومة، وتقدم ما يطمئن المصريين والعالم إلى مستقبلهم ومصالحهم فإن شروخا ستبدأ في الظهور تباعا في البيئة الدولية تجعلها أكثر قبولا لهذا التغيير حتى وإن لم تدعمه.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه