شباب مصر سيقرر مستقبل البلاد

مع حلول ذكرى الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013، أشعل الشباب المصري مظاهرة إلكترونية بهاشتاج “#ارحل_يا_سيسي” والذي استمر يتصدر قائمة الهاشتاجات الأكثر تداولا بمنصة التدوين تويتر، ومنصات التواصل الاجتماعي، لمدة تزيد عن الأسبوع، قبل حذفه بطريقة غامضة.
ومع فشل الكتائب الإلكترونية في الترويج لوسم منافس له، وتكرر محاولات الإخفاء المتعمد على مدار اليوم الواحد، وعدد ضخم من التفاعلات والمشاركات، وكم هائل من التغريدات الشبابية وغيرها والتي عبرت بوضوح عن الرفض لشخصه ونعته، بسبب الانهيار الاقتصادي، والانسداد السياسي في البلاد، تفاعل الشباب الواسع مع الهاشتاج، يؤكد غياب هذه الفئة الحيوية عن مشهد انتخابات الرئاسة التي جرت في أبريل/نيسان الماضي، ويكشف زيف النسبة التسعينية التي أعلن بها الجنرال فوزه فيها، كما يعكس الرفض الشبابي المتزايد لشخص الجنرال، وتدحرج شعبيته إلى قاعٍ أعمق.
وقد استخدم الشباب الهاشتاج فرصة لتأكيد الرفض من خارج صندوق الانتخابات، وقد حرموه وجودهم وفي اللجان، فأخرجوا مشهد الانتخاب شايب وبلا شباب، واللجان فارغة إلا من العجائز وكبيرات السن.

مجتمع الشباب

تغلب فئة الشباب على المجتمع المصري الذي يوصف بالفتي، ويشكل الشباب نسبة 27% من تعداد السكان المصريين في الفئة العمرية من 15 حتى 29 سنة، أي 28 مليون شاب، مقابل 19% في الفئة العمرية الأكبر من 45 عام. وتتخطى نسبتهم في الفئة العمرية من 15 عام وحتى 45 عام حاجز الـ 47%، في مقابل 14% في الفئة العمرية الأكبر من 50 عام، وفق تعداد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المعلن في أغسطس الماضي.

وبالرغم من إعلان الجهاز الحكومي إحصاءات متواضعة عن معدلات البطالة ويحصر إجمالي المعطلين عن العمل في مصر في 3.1 مليون مواطن فقط، بنسبة 10.6٪ من إجمالى قوة العمل، يقر بأن نسبة الشباب المعطلين بينهم 26.7% فقط، ما يعني أن عدد المعطلين من الشباب 830 ألف شاب!

وبعيدًا عن أرقام الحكومة المهندسة، كشف تقرير، نشرت جريدة “الوطن” بعض محتواه في 11 أبريل/نيسان 2015، بعنوان «الشباب.. هبة مصر الديموغرافية وعماد ثروتها البشرية»، أعدته شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابعة للمجالس القومية المتخصصة، تحت إشراف الدكتور إبراهيم بدران، وزير الصحة الأسبق ومقرر المجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية، قبل وفاته في ديسمبر 2015، كشف عن أن نسبة البطالة بين الشباب في مصر متفاقمة، وأن الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة يشكلون 61% من المعطلين عن العمل، وترتفع النسبة لتصل إلى 91% من المعطلين تحت سن 29 عامًا.

إحباط الشباب

أنفق السيسي مليارات الدولارات في مشاريع وهمية، تكلفت تريليوني جنيه، وفق تصريحه، ومن بين هذه المشاريع، تفريعة قناة السويس، والتي تكلفت 8 مليارات دولار، والمفاعل النووي بقرض روسي قيمته 25 مليار دولار، وشبكة طرق تنفذها القوات المسلحة ولا تصمد أمام الأمطار. ولم يكن للشباب نصيب من هذه المشاريع، إلا ما وعد به السيسي من توفير 1000 سيارة لتوزيع الخضروات من سوق العبور، بقروض من البنوك، ويعمل على كل سيارة 3 من الشباب، أو مشروع رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، الذي اقترح “التوك توك” لحل أزمة البطالة بين الشباب!

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، وصف ” تقرير بعنوان “شباب مصر سيقرر مستقبل البلاد” أعدته إيفانا نول الباحثة الأكاديمية المتخصصة في إدارة المخاطر والأمن بجامعة بريمن للادارة العامة في ألمانيا سياسات السيسي الاقتصادية بأنها “عديمة الشفافية” ما تعزز الرفض العام له بين الشباب وجموع المصريين، وأنه على مدى سنوات ثلاث أمضاها في الحكم، حصل السيسي خلالها على مليارات الدولارات من دول الخليج، ومع ذلك لم يوضح أين تم إنفاق هذه الأموال؟! وأصبح المصريون ناقمين بشكل متزايد، وبدؤوا يعبرون عن رفضهم الوضع الاقتصادي، وعن شخص السيسي الذي فشل في الوفاء بالوعود التي أعلنها منذ توليه منصبه في عام 2014.

ويرى التقرير أنه لم يتم الوفاء بمطالب الشعب حتى الآن، وأن المصريين يعيشون تحت حكومة هي واحدة من أكثر الحكومات قمعية في تاريخ البلاد. وفي الأشهر الأخيرة، تعرض السيسي لانتقادات لنفس الأسباب التي أجبرت مبارك على الاستقالة: وهي تعثر الاقتصاد، ووحشية الشرطة. وبعد توليه السلطة في عام 2013 من خلال انقلاب عسكري، وبعد التخلص من محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب البلاد، فشل السيسي في إضفاء الشرعية على حكمه، وقد بدأ يشعر لذلك بالقلق.
وتحاول الحكومة تعزيز سلطته بشكل متزايد، ولكن الجماهير تتوحد من أجل التغيير، خاصة الشباب الذين قد يكونوا العامل الحاسم لمستقبل مصر في الأشهر القادمة، وفق التقرير.

ومن قبل مظاهرات الخبز في مارس/آذار 2017، ومترو الأنفاق هذا العام، يثبت التقرير عودة المظاهرات الداعية إلى رحيل السيسي في شوارع القاهرة، ويرى أن اجتماع الظروف الاقتصادية الصعبة، والغضب المتصاعد، والشعور بخيبة الأمل، من شأنه أن يعجل بمزيد من المظاهرات والاحتجاجات، سيما أنها جزء لا يتجزأ من ثقافة البلاد والتي بلغت ذروتها خلال الربيع العربي في عام 2011، عندما احتج الآلاف في الشوارع وإجبار مبارك على التنحي.

المستقبل بيد الشباب

صدر تقرير الأمم المتحدة عن التنمية الإنسانية العربية للعام 2016 بعنوان: الشباب في المنطقة العربية وآفاق التنمية في واقع متغير، وكشف التقرير عن أن نسبة الشباب في أعمار 15 إلى 29 سنة حوالي ثُلث السكان في المنطقة، والثُلث الآخر يقل عن 15 عامًا، وهو ما يضمن استمرار الزخم الشبابي في مصر والمنطقة العربية إلى العقدين القادمين على أقل تقدير.

ويدعو التقرير الحكومات العربية للاستثمار في شبابها، كأولوية حاسمة وملحة، وشرط أساسي لتحقيق تقدم في التنمية والاستقرار للمنطقة بأسرها. ويؤكد التقرير الأممي أن موجة الاحتجاجات التي اجتاحات عددًا من البلدان العربية منذ العام 2011، كان الشباب في طليعتها، وقد أفضت إلى تحولات كبيرة عبر المنطقة كلها، وأن التحديات التي أخرجت الشباب في 2011، لا يزال الشباب في المنطقة العربية يواجهونها.

ويرى التقرير الألماني السابق، أنه لم يتم الوفاء بمطالب المصريين حتى الآن، وأنه فشل في إضفاء الشرعية على حكمه وبدأ يشعر بالعواقب، وأنه في الوقت الذي تحاول حكومته تعزيز سلطته بشكل متزايد، تتنادى الجماهير في الدعوة إلى التغيير، خاصة الشباب الذين قد يكونوا العامل الحاسم لمستقبل مصر في الأشهر القادمة.

وجاء في التقرير، أنه على الرغم من إعلان السيسي عام 2016 “عام الشباب” واعترف في فبراير/شباط بأن حكومته لا تملك قنوات تواصل جيدة مع الشباب، إلا أنه لم يحدث أي تغييرات. ويشعر الشباب أن الحكومة تعيق مستقبلهم، وتعتدي على حريتهم في التعبير.
في بداية العام نفسه، تم اقتحام العديد من المقاهي والمراكز الثقافية، حيث يلتقي الشباب، وأغلقت من قبل النظام. وبسبب المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات، تم القبض على العديد من الشباب، واعتقال أكثر من 40 ألف شخص لأسباب سياسية حتى 2016 فقط.

وإذا لم تقدم الحكومة للشباب بدائل لمستقبل واعد في الوقت المناسب، وتقر لهم بالحق في التعبير عن آراءهم، فإن هناك آخرين يملؤون هذا الفراغ، ويستهون هذا الشباب الساخط على الأوضاع، سيما أن أتباع جماعة الإخوان المسلمين، خفضوا صوت المطالبة بإعادة الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى منصبه، وبدلاً من ذلك طالبوا بإنهاء حكم العسكر، ما يجعل الجماعة أكثر جاذبية لأعضاء جدد.

ويرى التقرير أنه إذا لم تتدخل الحكومة وتأخذ شكاوى الشباب على محمل الجد، فإن الشباب سيبحثون عن طريقة لإسماع صوتهم في الشوارع وقد يشعلون ثورة جديدة، سيما أنهم يشكلون نسبة كبيرة من السكان، وأن وزنهم سيكون له تأثير كبير على مستقبل مصر في الأشهر القادمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه