سمير طاهر يكتب: هاني شاكر لن ينقذ الأيزيديين

بإمكان نادية أن تلمس بنفسها فيما إذا كانت زيارتها للسيسي ومنابر إعلامه خطوة حصيفة، وفيما إذا كان السيسي عند حسن ظنها؟، وذلك بالاطلاع على سجله في القمع والفساد

سمير طاهر*
أعجبت كثيراً بالقدرة النفسية التي تمتلكها الفتاة العراقية الأيزيدية نادية مراد بحيث أنها كانت مضطرة لإعادة وصف مأساتها مرة بعد مرة، كان من ضمنها الظهور في مجلس الأمن حيث روت قصتها بالتفصيل في بث حي شاهده الناس في كل مكان فكأنها نكأت جراحها بنفسها وأمام أنظار العالم. وأعلم كم هو مؤلم وحساس للمرأة أن تضطر الى وصف الاعتداء الجنسي الذي تتعرض له، فما بالك بتكرار هذا الوصف في أكثر من مناسبة وأمام الكاميرات؟
كانت النشاطات الإعلامية التي قامت نادية بها كثيرة ومزدحمة، مما يشير الى أن هذه الفتاة تحرص على أن لا تفوّت فرصة للفت انتباه الناس الى هذا المصاب الجماعي. فهي تريد أن تتكلم في كل مكان والى أي إنسان على أمل أن يساعد هذا قضية شعبها. ولكن أحياناً قد لا يكون الأهم هو مقدار المسافة التي يقطعها المرء وإنما الأهم هو في أي اتجاه يسير! كان على نادية مراد أن تعلم بأن الأهم ليس هو كم اللقاءات والأحاديث التي تجريها وإنما هو من هم الأشخاص الذين يلتقونها وماهي الأماكن التي تقصدها؟.
لقاء السيسي
فهل نفعت لقاءاتها الرسمية والإعلامية الكثيرة قضية الأسيرات الأيزيديات؟ ما نشهده هو إن هذه اللقاءات لم تنفع – مع الأسف – سوى الأشخاص والجهات التي استقبلتها. فقد اندفع سياسيون وإعلاميون في التسابق لاستخدام هذه الفتاة للدعاية لأنفسهم، واستغلال قضيتها لتقديم صورة ملائكية عنهم بوصفهم أنصار التسامح وملاذ المظلوم. ومما سهل على هذا الأمر هو بساطة وعي نادية، لدرجة أنها لم تجد من بين رؤساء العالم من تستنجد به أفضل من الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي وصفَتْه بأنه أحد أعظم رؤساء العالم. وتساءلتُ وقتها فيما إذا كانت نادية قد قصدت إحراج السيسي بهذا الاستنجاد، فقد كان بمقدورها أن تكون أكثر رأفة بالجنرال فتستنجد به لأمر آخر غير أمر الاعتداء على النساء حيث إن الرجل نفسه تلاحقه تهمة الانتهاك الجنسي لنساء الثورة وذلك لدوره في قضية كشوف العذرية، والتي هي – لو تعلم نادية – عملية انتقامية قذرة لا تقل انتهاكاً لكرامة المرأة عما تعرضت له نادية على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
تلميع النظام القمعي
وبمناسبة ذكر قضية كشوف العذرية، تحضرني الآن إحدى ضحاياها لأنها تشبه نادية مراد في تواضع ثقافتها وفي تساهلها في قبول الدعوات، وهي أيضاً تعرضت للاستغلال على يد أصحاب المصالح السياسية، حيث حصلت على دعوة الى عاصمة غربية لمنحها جائزة عالمية، وهناك خيروها – على طريقة “أذكرْ آلهتنا بخير!” – بين أن تمتدح إسرائيل وتفوز بالجائزة وبين أن تخسر حقها وتطرد، لكن تلك الفتاة المصرية أثبتت أنها – برغم بساطتها – “جدَعة” وعادت الى بلدها متأبطة كرامتها بدلاً من الجائزة. وبعد أيام من عودتها ظهرت في التلفزيون لتثير إعجابنا بتواضعها وشجاعتها عندما أقرت بأنها فتاة “جاهلة” لم تكن تدرك ما وراء تلك الجائزة والقائمين عليها من أغراض ومصالح. أذكر هذا لأنني أتمنى حقاً أن تبدي نادية مراد ذات يوم نفس تواضع وشجاعة شبيهتها المصرية وتقر بأنها لم تكن تعلم بأن حماس السيسي وإعلامه لقضيتها كان بغرض تلميع صورة النظام القمعي وأن لا أحد في هذا النظام تهمه قضيتها، ولم تكن تعلم بأن فتيات كثيرات في مثل سنها يقبعن في سجون النظام المصري ويتعرضن لشتى أنواع الانتهاك، ولم تكن تعلم بأن الأقليات الدينية في مصر ليست أقل تعرضاً للتهديد من الأيزيديين في العراق، وبأن الأولى بحكم العسكر في مصر أن يطلق سراح الناشطين المعتقلين في سجونه المدنية والعسكرية قبل أن “يتعهد” بتحرير الأسيرات العراقيات من يد تنظيم الدولة “داعش” وهي ذكرت هذا لكن لم تبين كيف سيقوم السيسي من مكانه في مصر بانقاذ الأسيرات في العراق عاطفيات السيسي
في وصفها للقائها بالجنرال السيسي ذكرت نادية مراد على صفحتها الشخصية أنه استمع لقصتها “بحب وعواطف عالية جداً”! هي – طبعاً – حديثة معرفةٍ بهذا الرجل، وتظن بأنه لم يبد هذه “العاطفية” سوى مع قصتها، ولا تدري بأن المصريين سئموا من “عاطفياته” الكاذبة هذه حتى باتوا يطلقون عليه إسم “هاني شاكر”!
على كل حال بامكان نادية أن تلمس بنفسها فيما إذا كانت زيارتها للسيسي ومنابر إعلامه خطوة حصيفة، وفيما إذا كان السيسي عند حسن ظنها، وذلك بالاطلاع على سجله في القمع والفساد ومتابعة أخبار سياسته الحالية. وها هي البشائر تهل بعد أيام قليلة من لقائها بجنرالها المنقذ، حيث تقرر تثبيت الحكم سنة سجناً على الكاتب إسلام البحيري لادانته “بازدراء الأديان” بسبب دعوته الى تحرير النصوص المقدسة من التفسيرات المتشددة التي تعتمدها داعش وغيرها. بذلك يكون إسلام البحيري قد أهدر دمه تقريباً، فهو “كافر” وفقاً لقرار محكمة رسمية، وهذا يجعله – كما ذكرت مذيعة مصرية – عرضة للأغتيال على يد أي متطرف. آمل أن تكون نادية قد عرفت الآن جانباً من شخصية الجنرال العاطفي، ومدى جديته في “تعهده” بالوقوف الى جانب الأسيرات الأيزيديات. آمل أن لا تسمح بعد ذلك للفاسدين بأن يتاجروا بمأساة شعبها الضخمة. آمل حقاً أن يتعمق وعيها وتدرك أن معرفة الاتجاه أهم من قطع المسافة.

___________________________

*كاتب عراقي مقيم في السويد 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه